قنوت النوازل .. دروس وعبر


بسم الله الرحمن الرحيم 

عن أنس - رضي الله عنه - قال: (قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهراً يدعو على رعل وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله) رواه البخاري.

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله) قال أنس أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه. رواه البخاري

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) رواه مسلم

وعن أنس - رضي الله عنه - قال قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا حين قتل القراء فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزن حزنا قط أشد منه. رواه البخاري.

وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه. رواه مسلم.

 

هذه النصوص الصحيحة توضح لنا سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأزمات والملمات التي تنزل بالأمة في أي مكان وهي في نفس الوقت تبين بعض المعالم الأساسية التي يظهر فيها تلاحم العبودية لله - عز وجل - مع الأحداث والظروف التي تعايشها الأمة في أي عصر من عصورها والمتأمل لهذه السنة المباركة أعني قنوت النوازل ليجد أنها احتوت على مبادئ عظيمة وأصول متينة تؤثر على أفراد الأمة الإسلامية وتربي في نفوس أبنائها العديد من القيم والمثل والتي تشكل الرأي العام لدى الأمة المسلمة.. وإنه لجدير بنا ونحن نقف على حرب ضروس وهجمة شرسة ضد الإسلام والمسلمين أن نعيد النظر في هذه السنة النبوية ونكرر التأمل مرة تلو مرة لنخرج من ثناياها بذات المباديء والأسس التي تربى عليها الجيل الأول يوم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت بأصحابه في غير ما نازلة حلت بالأمة في زمنها السالف كما بينتها النصوص المتقدمة. وإذا أمعنا النظر في موضوع القنوت من جميع جوانبه وأعملنا الفكر في ما ترمي إليه هذه السنة لوجدنا أننا نخرج بكم من الدروس والعبر منها:

أولاً: تربية الأمة على التعلق بالله - عز وجل - وبخاصة في الأزمات والمصائب التي تنزل بساحتها فالقنوت في أصله طلب من الله أن يفرج عنهم هذه المصيبة وأن ينجي المسلمين من غوائلها ويكتب لهم الفرج العاجل ونجد هذا أيضاً في الدعاء المأثور الذي أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من ابتلي بمصيبة ما أن يقول: (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا ًمنها) وإذا تلمحنا قليلاً نجد أن القنوت يتضمن العديد من الأعمال القلبية كالتضرع إلى الله والرغبة فيما عنده واليقين بأنه هو النافع الضار وحده - سبحانه - وأن النصر بيده وهذه العبادات القلبية التي تنتج من دعاء القنوت تكون بمثابة الوقود والدافع النفسي للالتجاء إليه - سبحانه - عند حلول الكوارث مما يؤثر على نفوس الجماعة المؤمنة بأنهم يأوون إلى ركن شديد وأن لهم إله قادر حكيم عليم لا يهزم جنده ولا يخلف وعده إذا قال للشيء كن فيكون فهذه المشاعر التي تتخلخل في مشاعرهم كل يوم توحي إليهم بالاطمئنان والثبات مهما ادلهمت الكارثة وتأزم الموقف وأن الفرج قريب والله غالب على أمره...

 

ثانياً: في سنة القنوت تتضح لُحمة الأمة الإسلامية وأنها قطعة واحده وهي في ذات الوقت تطبيق عملي لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فأي صورة أبلغ من صورة القنوت في تطبيق هذا الحديث العظيم فما تحل بالمسلمين كارثة أو حرب في مشارق الأرض إلا ونسمع الدعوات والهتافات من مغارب الأرض وما تنزل بجماعة من هذه الأمة العريقة نازلة إلا ونجد الجميع يرفع أكف الضراعة إلى الله ليكشفها الله عنهم ويحفظ المسلمين منها.. حقاً إنها الحلقة التي تجمع كافة المسلمين في هذا الإطار الرحب وهذا الاهتمام المنبثق من روح الأخوة الإسلامية وكذلك نجد أن هذا التشريع الإلهي (قنوت النوازل) يحث المسلمين جميعاً على الاهتمام بقضايا الأمة وتفقد أحوالها وتنهاهم عن التفرق والأنانية وبخاصة عند الأزمات حيث يكون المسلم أحوج ما يكون إلى أخيه المسلم ولو بالدعاء فبقنوت النوازل تتحقق كل هذه المطالب العالية.

 

ثالثاً: قنوت النوازل توحيد للكلمة وجمع للرأي العام ويلاحظ هذا من تلاصق هذه السنة بالفريضة التي يجتمع فيها المسلمون حيث لا نزاع ولا افتراق بل الكل في تيار واحد ضد النازلة وتبرز هذه الصورة جليةً في نازلة الحروب والهجمات الكفرية لديار المسلمين ومصالحهم فيشكل القنوت تنديداً دينياً قوياً يعبر عن الغضب المتزن والحماس المنضبط في صورة عبادية محضة تجمع بين الشعور الأخوي والعمل المشروع تجاه هذا الشعور..

 

رابعاً: قنوت النوازل نوع من أنواع إرهاب العدو في الحروب فعندما يشعر العدو أو يسمع عن هذا التلاحم في الدعاء وهذا التوافق المطبق من كل من ينتمي للإسلام في كل بقاع العالم والكل يبتهل إلى الله أن يخزي العدو ويدحر الظالمين فلا شك أن ذلك سيؤثر على نفسيات العدو وإن كانوا كفارا وإن هذا الدعاء يخلق طابعاً من الكره والبغض للكفار الذي هو أوثق عرى الإيمان والدعاء سلاح المؤمن يشهره في وجه كل ظالم ومعتدي.

 

خامساً: في دعاء القنوت إحياء للقضايا المهمة في الأمة وأيضاً تذكير لجميع المسلمين بالنازلة التي تعيشها مما يولد استمرارية الاهتمام بقضاياها وشموله لكل طبقات المجتمع ولكل أجناس الناس في أمة الإسلام مهما اختلفت أعراقهم وتباينت ألوانهم..

 

وبالجملة فإن هذه السنة العظيمة إذا أداها المسلمون بصدق وإخلاص فإنها بإذن الله تحقق الأمل المنشود بنصر الإسلام والمسلمين وهزيمة الكافرين وتكون سبباً لرفع البلاء ودرء المحنة عن أمة الإسلام اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك والله أجل وأعلم..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply