القنوت في النوازل


بسم الله الرحمن الرحيم 

مع تتابع النوازل والكروب التي تحلّ بالمسلمين في العصر الحاضر، هل يعتبر القنوت في الصلوات للدعاء بصلاح المسلمين وهلاك الكافرين سنّة على الدوام؟ وهل يتعيّن موافقة وليّ الأمر لمشروعيّة قنوت النازلة في الصلوات المساجد؟

الجواب:

أقول مستعيناً بالله - تعالى -:

القنوت في النوازل للدعاء على الكفّار سنّة، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة منها:

ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال : لأقربن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار.

و فيهما أيضاً عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, - رضي الله عنه -، قَالَ : قَنَتَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - شَهراً يَدعُو عَلَى رِعلٍ, وذَكوَانَ.

قلتُ: وقد كثُرَت المصائب والحروب والمِحن النازلة بالمسلمين في العصر الحاضر وتداعت عليهم الأمم من كلِّ حدَبٍ, وصوبٍ,، ومن أقلِّ ما ينبغي للمسلم في هذه الحال أن يفزع إلى الصلاة والدعاء، ويقنت في صلاة الفذِّ والجماعة للدعاء بهلاك الكافرين ونجاة الموحدين.

أمّا تقييد قنوت النازلة بشهر، واعتبار ما زاد عنه بدعةً فقولٌ مرجوح، والراجح عندنا أنَّ القنوت مشروعٌ حتى تُرفَع النازلة، وتنكشف الكربة، ويردّ الكافرون، ويُنصَر المؤمنون، وإن طال.

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح حديث أبي هريرة المتقدّم: (و استشكل التقييد في رواية الأوزاعي بشهر لأن المحفوظ أنه كان في قصة الذين قتلوا أصحاب بئر معونة... وأن مدته كانت طويلة فيحتمل أن يكون التقييد بشهر في حديث أبي هريرة يتعلق بصفة من الدعاء مخصوصةº وهي قوله: اشدد وطأتك على مضر).

وذهَب الإمام النووي في شرح صحيح مسلم إلى أن التقييد بشهر خاصُّ بالدعاء على رِعلٍ, وذِكوان ، وليس المراد منه تقييد القنوت بشهرٍ, مطلقاً.

أمّا إذا حظر الحاكم القنوتَ للدعاء على الكفّار في المساجد فهذا تعدٍّ, منه لا تجب طاعته فيه، إذ إنَّ الطاعة الواجبة لا تكون إلا في المعروف.

روى الشيخان وأبو داود والنسائي وأحمد عن عَلِيٍّ, - رضي الله عنه - أنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوفِ ».

وهذا على فَرَض كون الحاكم مسلماً عالماً مجتهداً لا يرى مشروعيّة القنوت على الكفّار، أمّا إذا كان في حظره للقنوت والدعاء على الكافرين صاحبَ هوى أو موالاةٍ, لأعداء الله فهذا أشنَع من سابقه، ولا طاعة له فيه، بل يُضرَبُ بقوله عرض الحائط ، ويُرجَع إلى ما أمَر الله ورسوله به فيُصار إليه قولاً وعمَلاً.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عمن ولي أمراً من أمور المسلمين، ومذهبه لا يجوِّز شركة الأبدان فهل يجوز له منع الناس منها؟

فأجاب: ليس له منع الناس من مثل ذلك، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك، لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك ، وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار. اهـ.

هذا وبالله التوفيق، وعليه الاتكال.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply