الحث على الاتباع وتجنب الابتداع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإن الله - تبارك و تعالى - أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - بعد فترة من الرسل وإنقطاع من الوحي حيث عبدت الأوثان والأهواء ومقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا قبل البعثة النبوية، فلما بعثه الله ليتمم به صالح الأخلاق وجد الناس على أقسام ثلاثة: عرب على الوثنية والشرك بأنواعه، ويهود غضب الله - تعالى - عليهم لعلمهم وعدم عملهم بعلمهم وتحريفهم لكتابهم وكذبهم على الله - تعالى -، ونصارى قد ضلوا السبيل فعبدوا الله - تعالى - بالبدع والأهواء والجهل ورهبانية ابتدعوها.

 

فقام فيهم الوحي ينزل عليه يدعوهم ويعلمهم ويصحح لهم ويصلح الفاسد حتى هدى الله لدينه من كتب له السعادة، وأضل عن الحق من كتب عليه الشقاوة، واستقر التوحيد والدين وعلمت حدود الشرك وأسبابه وعرفت الشرور والمفاسد كلها، فاتبع المسلمون الحق واتبع الكافرون الطواغيت، فقرأ المصلون في الفرائض خمس مرات في اليوم: أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

 

وتلوا في كتاب الله - تعالى - حال اليهود ليجتنبوه: قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً.

 

وقال - تعالى -: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وقال: ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم يعني ليسوا بيهود ولا مسلمين أي هم المنافقون.

 

فلا أحد يحلل لنا ما حرم الله، ولا أحد يحرم غير ما أحل الله اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.

 

مخالفة تامة في الأحكام والعادات الخاصة بهم، لا نستقبل قبلتهم ولا نصلي صلاتهم ولا نصوم صيامهم ولا نتشبه بهم في أعيادهم ومواسمهم ولا نفرح بفرحهم ولا نحزن بحزنهم، ولا نعقد عقودهم ولا نتحاكم إلى محاكمهم، ولا نرضى أن تجرى علينا أحكامهم ولا نقلدهم في أعرافهم، ولا نمشي مشيتهم، ولا نتكلم بدون حاجة لغتهم، ولا نرطن رطانهم، ولا نعتمد لبس ملابسهم، ونتجنب الجري وراء موضاتهم وتسريحاتهم وحلقاتهم وتقصيراتهم المكدرة والمدورة ولا نحضر جنائزهم ولا نعزيهم في موتاهم، ولا نقر البدع المشابهة لبدعهم كالموالد وما شابهها من أعمال يردها قول النبي: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) نخالفهم حتى في صباغة الشعر الذي كلفت به نساؤنا تقليداً لهم.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)) [متفق عليه]. والمراد خضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرة أو حمرة كما قال النووي.

 

قال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى)، وهكذا، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً، قد حصل في أزمنة عديدة وفي هذا الزمن خاصة ما وعد به الصادق المصدوق في الصحيحين من قوله: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن)).

 

وهكذا دخل كثيرون منا في كل المضايق والمهلكات التي دخلوها فركبنا الأخطار إذا ركبوها، وضيعنا الدين إذا ضيعوه، وتركنا الحياء حيث تركوه.

 

وقال - تعالى -: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله، فباؤا بغضب على غضب، ونتلوا عن الضالين النصارى: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

عباد الله: هل بعد هذا ينحرف مسلم عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم أو الضالين؟ إن النبي بعد أن بين أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق لا يضرها من خالفها حتى تقوم الساعة، وأن الله لا يجمع أمته على ضلالة ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته، مع هذا خشي على أمته من الانحراف عن الصراط المستقيم وحذرها من سبل الكافرين أجمعين شفقة عليها ورحمة لها من النار والهلاك في الدنيا والآخرة فتلى عليهم قول الحق - تبارك و تعالى - تحذيراً لهم: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق لذا صاح في أمته صيحات خالدة محذراً من التشبه بالكفار عموماً في المعتقد أو العمل أو المظهر ثم جعلناك على شرعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً.

فلا تتخذ الأحبار والعلماء والرهبان والعباد أرباباً من دون الله.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply