التقصير في تربية الأولاد مظاهره، علاجه ( الجزء الثاني )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي أعاد وأبدى، ومنع وأعطى، وأفقر وأغنى، أحمده - سبحانه - وأشكره على ما أنعم به وأسدى. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، من اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، كرم رسولاً وشرف عباداً، صلى الله و سلم وبارك عليه، وعلى آله و صحبه، صدقوا ربهم فأنجز لهم ما وعدهم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واهتدى.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، و استمسكوا بهدي نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - وتأملوا في أحوالكم. واعتبروا بالماضي وتأملوا في الواقع.

أيها المسلمون: لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن مسئولية الوالد عن أولاده، وذكرنا بعض الأخطاء الواقعة في تربية الأولاد. وقد ذكرنا في الخطبة الماضية أكثر من عشرين خطأً من أخطائنا في تربية أولادنا، ولعلنا نكمل الآن الكلام في ذلك، فنقول وبالله التوفيق:

من صور التقصير في تربية الأولاد: مكث الأب طويلاً خارج المنزل فنجد أن الأب لا يكاد يجالس أولاده إلا قليلاً، فهو مشتغل بالبيع والشراء، أو بكثرة الأسفار للعمل أو النزهة، أو يمضي الأب وقته بمجالسة الأصدقاء في الاستراحات والمتنزهات. أو يكون الأب له زوجتان فيهمل الأولى مع أولادها، ويصرف الأوقات مع الثانية. وكذلك كثرة خروج الأم إلى الأسواق والزيارات وتركها أولادها عند الخادمة. فهذا كله يقتل الأولاد وهم أحياء. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيـم هو الذي تلقى له أما تحلت أو أبا مشغولاً وكذلك من الأخطاء في تربية الأولاد تربيتهم على الأمور الدنيئة والعبارات السيئة: كاشتغال الأب مع أولاده وتشجيع الأندية والتعلق باللاعبين \" حتى يصبح هؤلاء المثل الأعلى لهذا الولد، بل وللأب أحياناً.

ومن صور التربية الخاطئة: تعويد البنات على لبس القصير من الثياب وعدم الاحتشام بحجة أنها صغيرة. مع أن البنت قد تكون وصل عمرها إلى الثامنة أو العاشرة. بل تجد بعض البنات في سن التاسعة والعاشرة تقود الدراجة في الشارع وتختلط بالأولاد.

وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: \" إذا بلغت البنت تسع سنين فهي امرأة \" وكذلك استعمال العبارات البذيئة مع الأولاد، كأن يكون كل واحد في المنزل له لقب ينبز به أو يعير بلفظ يلازمه، أو يكون اللعن والكلمات البذيئة دارجة في المنزل دون نكير. فيشأ الولد أو البنت وهو بذيء اللسان، سيئ العبارات، لا يراعي آداب الكلام.

وكذلك أيها المسلمون من الأخطاء في تربية الأولاد: كثرة المشكلات بين الوالدين. كأن يتخاصم الوالدان وترتفع أصواتهما ويتسابان أمام الأولاد، أو يرى الأولاد أباهم يضرب أمهم، أو يهينها، وهي التي تربيهم ويقتدون بها. والرجل الحازم ليس كلباً هراراً ينبح في منزله بكل أحد، لكنه الذي يضبط أعصابه ويستطيع حل المشكلات بلين وتلطف.

ومن الأخطاء أيضاً: عدم العناية بأسماء الأولاد، بل يسميهم الأب بأسماء ممنوعة محرمة، أو مرذولة مستحقرة، ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المتعبدة لغير الله مثل: عبد النبي أو عبد الحسين أو عبد علي، أو الأسماء الأجنبية مثل: ديانا أو يارا أو غيرهما، أو الأسماء المكروهة أدباً، أو التي تثير السخرية والضحك، أو التي توحي بالتميع والغرام وخدش الحياء كمن يسمى ابنته: هيام، وهو العشق الذي وصل إلى حد الجنون، أو: ناهد وهي المرأة التي قد برز ثدياها حتى عرفت بذلك، أو شادية: وهي المغنية. أو التسمية بأسماء الملائكة: كمن يسمى ابنته: مَلاك أو مَلَك، وهذا من التشبه بكفار قريش لأهم يعتبرون الملائكة إناثاً كما قال - سبحانه -: \"وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم\".

أيها الأحبة في الله: وكما أن الأبناء يعقون آبائهم كذلك من الآباء من يعق أولاده. ذكر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشكو عقوق ولده. فدعا عمر بالولد وزجره. فقال الولد: لا تعجل عليّ يا أمير المؤمنين، أليس لي حق على أبي كما له حق علي؟ قال: بلى، قال: فما حقي عليه؟ قال: أن يحسـن اختيار أمك، ويسميك اسماً حسناً، ويحفظك القرآن، قال الولد: فإن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي هي أمة زنجية خرقاء اشتراها بدرهمين فولدتني، وسماني جعلاً، ولم يحفظني من القرآن آية. فقال عمر للأب: اخرج فقد سبقت ولدك إلى العقوق. تعاطيتما ثوب العقوق كلاكما أب غير بر وابنه غير واصل بارك الله لي ولكم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكبير المتعال، أحمده وأشكره فهو مستحق الحمد، والشكر واجب له على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون -: إن من نافلة القول أن نقول: إن التفريط في العناية بالأولاد والغفلة عن تربيتهم التربية الصالحة، ينشئ لنا أجيالاً منحرفة لا ينتظر منها صلاح أو فلاح.

ومن نظر في تربية السلف الصالح لأولادهم الذين فتحوا البلاد، ونفعوا العباد، علم أن وراء هؤلاء الأبطال أبطالاً، وراء الشجعان شجعاناً. فهذا الزبير بن العوام تربيىفي حجر صفية بنت عبد المطلب، تلك المرأة الشجاعة ا لكريمة التي ضربت في الصبر والتضحية أروع الأمثلة. ومن ذلك: ما كان منها في معركة أحد، عندما أغرت هند بنت عتبة - رضي الله عنها - بحمزة بنت عبد المطلب - رضي الله عنه - فجاءه مملوك لها فقتله لأن حمزة كان قد قتل أباها عتبة يوم بدر. فلما قتل حمزة جاءت هند إليه، فبقرت بطنه ونزعت كبده، وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، فلما انتهت المعركة، كان حمزة أجزاءً ممزقة وأشلاء مفرقة. فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتد حزنه عليه فهو عمه الذي طالما نصره وحامى عنه.

وفجأة أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمته صفية وهي أخت حمزة - أبصرها مقبلة تنظر إلى أخيها. فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنها الزبير: (دونك أمك فامنعها) فلما وقف لها ابنها صاحت بها به وقالت: (دونك لا أرض لك، لا أمَّ لك. قد بلغني ما أصاب أخي.) فلما قالت ذلك قال له - صلى الله عليه وسلم -: (خلِّ سبيلها) ثم مشت حتى وقفت على أشلاء أخيها. فلما نظرت إليه صلّت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستغفرت لأخيها ثم قالت لابنها: \" قل لرسول الله ما أرضانا بما كان في سبيل الله. لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله \" فلله درّها ودرّ ابنها الزبير بن العوام الشجاع البطل. ولا عجب فاللتي ربته أم كريمة.

أمّا عبد الله بن الزبير: فقد رباه أب شهم وأم كريمة، فأبوه الزبير بن العوام البطل الهُمام. كان يصحبه ابنه معه في المعارك وهو صغير ويجعله يشاهـد القتال والدماء لينزع من قلبه الخوف والهلع. وأما أمه فهي أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - التي كبرت حتى أسنت.

وهي التي لما وقع القتال بين ابنها عبد الله بن الزبير والحجاج، قالت لابنها: لما عرض عليها أن يصالح الحجاج: \" اذهب يا بنيّ فقاتل. فوالله لضربة بالسيف على عزٍ, أفضل من ضربة بالسوط على ذلّ \". فلما قُتل وصلب قالت: \"ما يمنعني أن أصبر على ما أصابه وقد أُهدِي رأس يحي بن زكريا - عليه السلام - إلى بغيٍ, من بغايا بني إسرائيل!! \". وذاك سفيان بن سعيد الثوري. فقيه العرب ومحدثهم، أمير المؤمنين في الحديث. ما كان إلا ثمرة من ثمرات أم صالحة. مات أبوه وهو صغير، فوجهته لطلب العلم وقالت: \" يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي هذا، أغزل الصوف وأبيع وأتولى أمر الإنفاق. فاشتغل أنت بطلب العلم \" وهذا أمير المؤمنين أريبُ العربِ وألمعيٌّها معاوية بن أبي سفيان. من كان وراءه؟ كان وراءه أم جلدة عظيمة، هي هند بنت عتبة - رضي الله عنها -. ومما يدلك على حسن تربيتها له أنه لما كان معاوية صغيراً بين يديها قال لها قائل: إن عاش هذا الغلام ساد قومه، فقالت: ثكِلتُه إن لم يسد إلا قومَه بل يسود الناس جميعاً.

 وفعلاً عاش الغلام وتولى الإمارة عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة.

فهذه النماذج أيها الأخوة الكرام: تدلنا على أن المرء لا بد أن يعتني بتربية أولاده فبعضنا عنده خمسة أو ستة أو عشرة من الأولاد ما فيهم حافظ للقرآن بل ولا فيهم من يحفظ نصف القرآن أو ثلثه. انظر في حال أكثر الأولاد تجد نفسه معلقة بالكرة واللاعبين، أو بالأغاني والممثلين. فأي نفع ينتظر من هذا لأهله؟ أو نفسه؟ أو أمته؟

نسأل الله أن يوفق الجميع لكل خير، وأن يصلح نياتنا وذرياتنا. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم أصلح أنفسنا ونساءنا وأولادنا وبناتنا.اللهم أصلح شباب المسلمين، وانفع بهم البلاد والعباد والدين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن جميع صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply