العيد في الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد ألا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد القائل في كتابه العزيز: \"وَلِكُلّ أُمَّةٍ, جَعَلنَا مَنسَكًا لّيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ على مَا رَزَقَهُم مّن بَهِيمَةِ الأنعام فإلهكم ألاه واحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا وَبَشّرِ المُخبِتِينَ\" [الحج: 34]، وقال - سبحانه -: \"وَلاَ تَتَّبِع أَهوَاءهُم عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحَقّ لِكُلّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَـاجاً\" [المائدة: 48]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل لأصحابه رضي الله عنهم: ((وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))[1].

 

فاللهم صـل وسلم وبـارك عليـه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أيها الإخوة: اتقوا الله حق تقاته واستقيموا على شرعه وتمسكوا بسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - تفوزوا في الدنيا والآخرة.

 

أيها الإخوة: إن العيد منسك وعبادة شرعها الله - عز وجل - وبلغها نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم لدى كل مسلم أنه لا يصح التقرب بأي نسك أو عبادة حتى تثبت بالدليل الصحيح الصريح ولا يقبل أي عمل يتقــرب به إلى الله إلا إذا تحقق فيه شرطـان: الإخلاص والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والعيد لم يسمَ عيداً إلا لأنه يعود كل عام، فهو من العود سـواء سمي عيداً أو يوم الفطر، أو يوم الأضحى، فلا مشاحـة في ذلك.

 

ونحـن الآن أيهـا الإخوة على أبواب يوم الفطر فما هي الأمور التي يجب على كل مسلم أن يعلمها بعد أداء الصيام والقيام في شهر رمضان المبارك.. إن أول ما يتبادر إلى الأذهان إخراج زكاة الفطر التي فرضها النبي - صلى الله عليه وسلم -، صاعاً من طعام يخرجها كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، وأفضل أوقات إخراجها بعد صلاة الفجر يوم العيد وقبل صلاة العيد، ويصح إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.

 

والصحيح الراجح أن تخرج زكاة الفطر من طعام الآدميين المتعارف عليه بين أهل البلد كالأرز أو الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب، فلا يصح طعام البهائم ولا يصح إخراجها من الفرش أو الملابس أو العملات، ولكن لا بأس أن يجمع المزكي بين زكاة الفطر والصدقة، فيزكي طعامـاً ويتصدق بملابس أو بالنقد، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فمن أخر الزكاة بعد صلاة العيد فإنما هي صدقة من الصدقات كما أخبر ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات))[2].

 

أما صلاة العيد فهي ركعتان تؤديان بعد طلوع الشمس يوم العيد يجهر فيهما بالقراءة ويكبر في الأولى سبعة تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة الانتقال، ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسورة (ق) أو سَبِّحِ اسمَ رَبّكَ الأَعلَىا [الأعلى: 1]، ويقرأ في الثانية بسورة: اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ [القمر: 1]، أو الغاشية، وبعد الصلاة يخطب الإمام خطبة، لا يلزم الناس الجلوس لها، ولا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها إلا إذا كانت الصلاة في مسجد فيصلي ركعتين عند دخول المسجد، والمعروفة بركعتي تحية المسجد، ومن السنة الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب والخروج للمصلى جميعاً كباراً وصغاراً نساءً ورجالاً، ولكن دون تبرج ولا تعطر من النساء، فصلاة العيد فريضة على الأعيان على الراجح من الأقوال، وقبــل الخـروج لصلاة عيد الفطر يسن أكل تمرات وتراً، ويشرع المشي للمصلى لأداء صلاة العيد إن أمكن ذلك ومخالفة الطريق في الذهاب والعودة، ويشرع التكبير من بعد صلاة الفجر يوم العيد حتى تقضى الصلاة لقوله - تعالى -: \"وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبّرُوا اللَّهَ عَلَىا مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ\" [البقرة: 185].

 

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى فعلينا أيها الإخوة أن نحيي هذه السنة فنخرج من بيوتنا لصلاة العيد رافعين أصواتنا بالتكبير كل منا يكبر لوحده، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة مخصوصة في التكبير ولكن ثبت عن بعض الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما -، فتكبير ابن مسعود: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)[3] أما تكبير ابن عباس: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل الله أكبر على ما هدانا)[4].

 

أيها الإخوة: هذه أعيادنا التي نتميز بها والتي شرعها الله - عز وجل - يجب علينا أن نقيمها كما شرعها ربنا وكما أداها نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز إقامة أي عيد لأي مناسبة أخرى قديمة أو حديثة، ومن فعل ذلك فهو مبتدع في دين الله أو متشبه بالكفار.

 

فإن أعياد المسلمين مرتبطة بعبادتين عظيمتين الصيام والحج، فلا ارتباط للعيد في الإسلام برأس السنة حماية لنا من التشبه باليهود والنصارى والمجوس، ولا ارتباط للعيد في الإسلام بالنجوم والكواكب ولا ارتباط للعيد في الإسلام بالأشخاص والذكريات. ولا ارتباط للعيد في الإسلام بالأمور المادية والنفعيات الشخصية. ولا ارتباط للعيد في الإسلام بالقوميات العرقية والوطنية إبقاءً لرابطة الإخوة الإسلامية بين المسلمين.

 

اللهم وفقنا لما تحب وترضى واجعلنا هداة مهتدين، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً واجعلنا من عبادك الصالحين.

 

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه يا رب العالمين.

 

----------------------------------------

[1] صحيح، أخرجه أحمد (4/126)، وأبو داود: كتاب السنة باب في لزوم السنة، حديث (4607)، والترمذي: كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة.. حديث (2676) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه: المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء... حديث (42). وصححه ابن حبان (5) والحاكم (1/96)، وابن رجب في \"جامع العلوم والحكم\" وقال في إسناد ابن ماجه: إسناد جيد متصل، ورواته ثقات مشهورون (ص 256) وصححه الألباني في إرواء الغليل (2455).

[2] صحيح، أخرجه أبو داود: كتاب الزكاة باب زكاة الفطر، حديث (1609)، وابن ماجه: كتاب الزكاة باب صدقة الفطر، حديث (1827)، والدارقطني: كتاب زكاة الفطر (2/138) وقال عن رجاله: ليس فيهم مجروح. وأخرجه الحاكم (1/409) وقال: صحيح على شرط البخاري. قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/313): وهو كما قال. وحسّنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (1420).

[3] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: كتاب صلاة العيدين باب التكبير من أي يوم هو.. (2/72)، والطبراني في الكبير (9538).

[4] أخرجه ابن أبي شيبة: كتاب صلاة العيدين باب كيف يكبّر يوم عرفة (2/74)، والبيهقي في الكبرى (3/315).

 

 

 الخطبة الثانية:

 أيها الإخوة: إن من اتخذ يوماً للفرح والسرور أو للذكرى والاحتفال فيه لأي مناسبة كانت شخصية أو وطنية أو عالمية أو غير ذلك إنما هو مبتدع عيداً آخر غير ما فرضه الله - عز وجل -، وقد يظن بعض الناس أنه إذا لم يطلق اسم عيد على ذلك اليوم الذي اتخذ للذكرى أو للفرح والسرور فلا بأس من ذلك، وهذا خطأ فادح في فهم معنى العيد.. وهذا يشبه ما تسميه البنوك بالفوائد والمقصود به الربا، فهل تغيير الاسم يجعله حلالاً؟ أو ما يسمى بالمشروبات الروحية والمقصود بها الخمر، فهل أصبحت هذه المشروبات حلالاً بسبب تغيير الاسم؟

 

وقد مر معنا التعريف بكلمة عيد، وهي مأخوذة من العود، وكل يوم يتخذ لمناسبة معينة سواء سمي عيداً أو لم يسمَ فهو عيد لأنه يعود كل عام أو كل ربع قرن أو نصف قرن. وسواء سمي باليوبيل الفضي أو الذهبي أو الماسي، كلها أعياد بدعية فيها مشابهة للكفار والعياذ بالله.

 

لاحظوا أيها الإخوة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما هاجر إلى المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))[1].

 

لاحظوا أن أهل المدينة اتفقوا فيما بينهم على يومين يفرحون فيهما ويوسعون على أنفسهم وأولادهم فيها، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وبين أن في يومي الفطر والأضحى غنية عن اليومين اللذين يلعبون فيهما، مما يدل على أنه لا يجوز اتخاذ أي يوم للفرح والسرور يكرر كل عام ويعود في كل سنة إلا يومي الفطر والأضحى.

 

وبنظرة متأنية ومليئة بالتدبر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك في سيرة خلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - أجمعين نجد أنهم لم يتخذوا أي يوم للذكرى أو للاحتفال أو الفرح والسرور، لا بيوم المولد النبوي ولا بيوم البعثة ونزول الوحي ولا يوم الهجرة ولا يوم غزوة بدر أو أي غزوة من الغزوات ولا يوم فتح مكة ولا يوم تأسيس الدولة الإسلامية.

 

والذي أحدث المناسبات في هذا الشأن هم الرافضة الشيعة، فروخ اليهود عليهم من الله ما يستحقون، وذلك في منتصف القرن الرابع الهجري حيث أحدثوا مناسبات المولد النبوي وغيرها من الأعياد المبتدعة التي لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر بها ولم يفعلها الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أجمعين ولم يفعلها آل البيت ولم يفعلها الأئمة الأربعة ولا غيرهم من العلماء والمحدثين في تلك العصور.

 

ثم توسع أهل البدع في اختراع بدعهم بإحداث مناسبات قومية أو وطنية كالاحتفال باليوم الوطني أو يوم الأم أو يوم الشجرة، وقد جمعوا بين سيئتين: الابتداع والتشبه، حيث أصبحت المناسبات إما مئوية أو خمسينية أو ربع قرنية وأطلق عليها اسم اليوبيل يوبيل فضي بعد مرور 25 سنة ويوبيل ذهبي بعد مرور 50 سنة ويوبيل ماسي بعد 60 سنة والثمانين، والمئوي بعد مرور مائة عام، فشابهوا اليهود في هذه المناسبات وذلك لأن كلمة يوبيل هي كلمة عبرية يهودية معناها (قرن الكبش) الذي تصنع منه الأبواق التي يستعملونها في أعيادهم لإلقاء الألفاظ والترانيم الخاصة بهم عند مرور 25 سنة أو خمسين أو ستين أو ثمانين أو مائة سنة.

 

يقول الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - وهو عضو هيئة كبار العلماء يقول في كتابه (عيد اليوبيل بدعة في الإسلام):

 

إن الاحتفال باليوبيل على اختلاف مدده وعلى اختلاف أغراضه هو احتفال بدعي في الدين، ومنازعة في أمر رب العالمين، وتشبه بالكافرين من اليهود، والنصارى وعباد الصليب والوثنيين، وتعظيم لحرماتهم، وتجاوز على صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - بما شرع الله على لسانه واستدراك عليه.

 

ثم قال - حفظه الله -: وإنه يحب على من نهى عن الاحتفالات البدعية ومنها الاحتفال بالمولد النبوي وغيرها من الأعياد المبتدعة لدى بعض المسلمين التي أدخلها المضللون.

 

يجب على الناهين عن هذه الأعياد البدعية وجوباً أولياً أن يعلنوا النهي عن الاحتفال بعيد اليوبيل الفضي والذهبي والماسي والثمانيني، لأي مدة كان، ولأي مكان، ولأي شخص، أو مناسبة، ومن لم يفعل فهو متناقض مضطرب، شاء أم أبى، وهذا من اتباع الهوى. ا. هـ باختصار.

وقد صدرت فتاوى متعددة من هيئة كبار العلماء ومن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعدم جواز إقامة احتفالات بمناسبة مرور عام أو مائة عام أو أقل أو أكثر مهما كانت الأسباب لأن ذلك ابتداع في دين الله وتشبه بالكفار. وهي موجودة في ما تصدره اللجنة من كتب وبحوث لمن أراد الرجوع إليها ومنها فتوى برقم (17779) وتاريخ 20/3/1416هـ.

 

أيها الإخوة: علينا الالتزام بشرع الله والتمسك بسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في جميع أمورنا وأحوالنا حتى نسعد في الدارين ونفوز بالجنة.

 

----------------------------------------

[1] صحيح، أخرجه أحمد (3/103)، وأبو داود: كتاب الصلاة باب صلاة العيدين، حديث (1134)، والنسائي: كتاب صلاة العيدين باب أخبرنا على ابن حجر...حديث (1556).وصححه الحاكم (1/294)، والضياء في المختارة (5/274)، وصححه الحافظ إسناده في الفتح (2/442) وكذا الصنعاني في سبل السلام (2/70).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply