الهجمة المعلنة من أهل النفاق والعلمنة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا أيّها المسلمون: اتّقوا الله حقَّ تقاته، واحمدوه على آلائه، واسألوه المزيدَ من نعمائه، واصبِروا على مُرِّ قدَره وقضائه، وحاذروا أن تزلَّ بكم قدَم، ومَن هَدمَ دينَه كان لمجدِه أهدَم.

أيّها المسلمون: لا تزال حلقاتُ الكيدِ بالمسلمين تتتابَع، ومكرُ المتربِّصين يتسارع، وقِوى الحقّ والباطل تتصارع، (( وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ المُجرِمِينَ وَكَفَى بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ))[الفرقان: 31]، (( وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنّ يُوحِى بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ, زُخرُفَ القَولِ غُرُوراً وَلَو شَاء رَبٌّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهُم وَمَا يَفتَرُونَ ))[الأنعام: 112].

وتأتي على الأمّة الفواجعُ والزّوابع لتُظهر دخيلةَ أهل النفاق والشّقاق وسوءَ طويَّتهم، وتكشفَ رداءَ المداوَرة، وتمزِّق ثوبَ المراوغة، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلاً: (( أَم حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخرِجَ اللَّهُ أَضغَانَهُم وَلَو نَشَاء لأَرَينَاكَهُم فَلَعَرَفتَهُم بِسِيمَاهُم وَلَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ وَاللَّهُ يَعلَمُ أَعمَالَكُم ))[محمد: 29، 30].

ويأتي الهجومُ المعلَن والعداء المبطَّن على الإسلام وعلمائه وأهله وأسُسِه وثوابته ومناهجِه وبلاده مِن ذوي الفكر المقبوح، والتوجٌّه المفضوحº ليؤكِّد بجلاءٍ, أنَّ مِن بين صفوف الأمّة أدعياء أخفياءَ، كاذبون في الولاء والانتماء، سلكوا مسالكَ عدائيّة، وطرحوا في تضاعيف الصّحف أفكاراً علمانيّة لا دينيّة، شمَخَ كلٌّ واحدٍ, منهم بأنفٍ, من الجهل طويل، واحتسى مِن قيح الخُبث وقبيح الأباطيل، ونطق بالزّور وافترى الأقاويل، قومٌ بُهت دنَّسوا وجهَ ما كتبوا عليه من قِرطاس، ولطَّخوه بعقائدِ الشكِّ والجُحود والوسواس، مقالاتٌ شوهاء، وكلِمات عرجاء، وحماقاتٌ خرقاء، تبَّت يدا من خطَّها وتَبّ، ما أقبحَ فعلَه وما كسَب، ألسنةٌ شأنُها الإفك والخطَل، وقلوبٌ أفسدَها سوءُ العمل، يريدونَها فتنةً عمياء، ويبغونها حياةً عوجاء، نقدٌ بلا عِلم، وحوار بلا أدب، ومعالجة بلا فهم، غثُّ فارغ، واستخفاف ماكر، أسافل قد علَت لم تعلُ مِن كرَم، وأقزامٌ تطاولت، وأقلام مأجورَة تهافَتت على الزور وتعاهدت، فكان حقاً على كلِّ مسلم أن يكشفَ ضلالَهم، ويدفعَ باطلهم، شراذمُ قاصرون، وشذّاذ أفّاكون جاؤوا ببضاعة غربيّةٍ, اسمُها العلمانيّة، وحقيقتها اللادينيّة، وهدفُها إزاحة الإسلام عن الحياة بالكليّة، يدعون أمَّتهم إلى مذاهبِ الغرب في الحُكم والإدارة، وسلوك مسالكهم في الوضع والتشريع، يعشقون حياةَ الفجور والفسوق والانحراف، ويُبغِضون حياةَ الطّهر والعفاف، يهاجِمون الحجابَ والجلباب، ويطالبون بالسّفور والاختلاط، وينادون بمساواة الرّجل بالمرأة، وعملِ المرأة، وحريّة المرأة، فأيَّ مساواة يريدون؟! وأيّ عمل يقصدون؟! وأيّ حريّة ينشدون؟! أهي المساواة التي تتوافق مع الفِطرة وتتناسق مع طبيعة المرأة، أم هي مساواة الشذَّاذ؟!

إنّ المساواةَ عندهم هِي أن تكونَ المرأة سلعةً في يدِ عُبَّاد المادّة والمال، مستعبدةً في يد الرجل، يستمتِع بها ويستذلٌّها ويدنِّسها ويهين كرامتَها وينتهِك عِرضَها وشرفها، ثمّ يلفظها لفظَ النّواة، المرأةُ عندهم عارضةٌ في دور الأزياء، راقصة في دور البِغاء، غانية في دور الدّعارة والتمثيل، عامِلة برجلَيها وثديَيها، ندُّ للرّجل ومماثلة له، ومتصارعة معه ومزاحمة له، هذه هي المساواة عندَهم.

أمّا المساواةُ في الإسلام فأرِع سمعَك لقول الله - عز وجل -:(( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ ))[البقرة: 228]، وقوله: (إنّما النّساء شقائق الرّجال) أخرجه أحمد والترمذي[1]، فالمرأة شقيقة الرّجل، تكمِّله ويكمِّلها، هو رجلٌ برجولته وقوامَته، وهي امرأة بأنوثتها وعفّتها.

المرأة عندهم بغيُّ من البغايا، وأمة من الإماء، والمرأة عندنا أمّ رؤوم، وزوجٌ حنون، وأختٌ كريمة، طهرٌ وحشمة وعفاف، وحياء وشرف وإباء، مربِّية أجيال، وصانعة أبطال، وغارسة فضائل، ومرضعة مكارم، وبانية أمَم وأمجاد، هذه هي المرأة عندنا فلينهلِ العالم الكافر من نظام الإسلام وعدله وحكمتِه ورحمته، إنّا ندعو العالمَ أن يزيحَ الظلمَ الذي أوقعَه على المرأة يومَ استعبدَها وأشقاها وأضناها وأشقى البشريّة معها.

أيّها المسلمون وتمتدّ الهجمة الحاقدةُ من أهل العلمنَة والنّفاق لتُحارِب عقيدة الولاء والبراء التي هي أوثق عُرى الإيمان، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله لأبي ذر: (أيّ الإيمان أوثق؟) قال: الله ورسوله أعلم، قال: (أوثقُ عُرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحبّ في الله والبغض في الله) أخرجه الطبراني وله شواهد يقوى بها[2].

فلماذا يحاربون الولاء والبراء؟! ولمن يريدون أن يكونَ الولاء والبراء؟! نوالي من؟! ونعادي من؟! نحبٌّ مَن؟! ونبغضُ من؟! إنّهم يحاربون الولاءَ والبراء ليوقِعونا في ولاءٍ, وبراء، ولاءٌ لمن يحبّون، وبراء ممّا يكرهون، فلا ولاءَ حينئذ لما يحبٌّ الله ورسوله، ولا براءَ ممّا يبغضه الله ورسوله، يريدون أن نبرأ مِن عقيدتِنا وأخلاقِنا وقِيَمنا وتاريخنا وأمجادِناº لنواليَ عقيدة الكفر والجحود وأخلاقَها وقيمَها وحياتها، يلمِزون العلماءَ والصّلَحاء، ويسخرون ويستهزئون، ويحاربون أهلَ الحسبة ورجالَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلفّقون التٌّهمَ ضدَّهم، ويضخِّمون أخطاءهم، وينتهكون أعراضَهم، ويكتمون إنجازاتِهم، ويسكتون عن حسناتِهم، سلِمت من ألسنتهم وأقلامهم القنواتُ الفضائية الخليعة، والمجلاّت الهابِطة، ودورُ الأفلام والغناء مع أن عددَ ضحاياها لا يُحصى، وعددَ قتلاها لا يستقصى، ولم تسلم منهم كتبُ التوحيد والعقيدة والمواد الشرعيّة، فطالبوا بتقليصها وتقليل نصابها، مع أنّه لا يوجد على وجهِ الأرض مناهجُ ترعى الحقوقَ، وتحقّق الأمن والعدلَ كما تراه جليّاً في مناهجنا المستمدَة من كتاب الله وسنّة رسوله، تخبٌّطٌ ظاهر، وظلمٌ جائر، وانتكاسة جليّة، وحرب عقديّة، يدعون إلى التّسامح وهم يسلكون مسالكَ عدائيّة، ويطرحون أفكاراً تبعَث على الإثارة والشحناء، ويكتمون الرأيَ الآخر ويعادونه ويصادرونه، ويدعون إلى الوسطيّة بأبشع ما ترى من تطرٌّف وغلوّ وشذوذ وانحراف وشطَط، ينظرون إلى أمّتهم بازدراء، وإلى تاريخها باحتِقار، وإلى قيَمها وأخلاقها بإهانةٍ, واستصغار، وذلك يحكي واقعَ الذلّ والخنوع والانصهار والذّوبان الذي يعيشونه مع الغرب، ويريدون أن تعيشَه الأمّة مثلهم، يدَّعون الصدقَ والإصلاح والتجديد، ويرمون غيرَهم بالرجعيّة والتعصّب والجمود والتطرّف والإرهاب، (( كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِن أَفوَاهِهِم إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ))[الكهف: 5]، ((وَلَيَحلِفَنَّ إِن أَرَدنَا إِلاَّ الحُسنَى وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ ))[التوبة: 107]، (( وَإِذَا قِيلَ لَهُم لاَ تُفسِدُوا فِي الأرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَاكِن لاَّ يَشعُرُونَ ))[البقرة: 11، 12].

أيّها المسلمون لقد زُرعت هذه النّبتةُ الخبيثة، والشّجرة الملعونة في بلاد الإسلام، وامتدّت أغصانها وسُلِّمت لها قيادةُ التعليم والإعلام والاقتصاد والجيش والإدارة والتشريع لأكثر مِن قرن ونصف القرن، فماذا كانت النّتيجة؟! سوءٌ في الاقتصاد، وتخلّف في التكنلوجيا، وفسادٌ في الإدارة، وانحرافٌ في الإعلام والأجيال، وهزائمُ متتابعة في ميادين القتال.

هؤلاء هُم العلمانيّون، وهذه نتائجُهم، وتلك ثمارُهم، قومٌ مارقون، من جادَل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدمِ الإسلام، فاحذروهم ولا تقعوا في شراكهم وشباكهم، ولا يصدّونكم عن دينِكم بشبهِهم وزُخرف قولِهم، يقول حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: كان النّاس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركَني، فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال: (نعم)، قلت: هل بعد هذا الشرّ من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنُه؟ قال: (قومٌ يهدون بغير هديي، تعرفُ منهم وتنكر)، فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: (نعم، دعاةٌ على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله، صِفهم لنا، قال: (هم من جلدتِنا، ويتكلّمون بألسنتِنا) أخرجه البخاري[3].

أيّها المسلمون، إنّ كلَّ من شذَّ عن دين الله - تعالى - أو بغى فيه بعِناد أو سعى فيه بفسادٍ, فهو الشانئ الأبتَر، والعدوّ الأصغَر والأحقر، أمرُه إلى وبال، وفكرُه إلى سفال، (( وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَاكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعلَمُونَ ))[المنافقون: 8]، ومن سبَّ الله، أو سبَّ رسوله أو تنقَّصه، أو أتى بقولٍ, أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين، أو استهزأ بالقرآن، أو أسقط حرمته، أو تكرَّرت ردّته فلا يجهل أحدٌ حكمَ الله فيه، ولا يُرجَى منه لأمّته خيرٌ ولا صلاح ولا إصلاح.

أيّها المسلمون، إنَّ أيَّ مشروع للإصلاح لا ينبُع من عقيدة الأمّة، وكتاب ربّها، وسنّة نبيّها محمّد، وتوجيه أهلِ العلم والصلاح فيهاº هو إصلاحٌ موهوم، وافتيات موخوم، وتغيير مذموم، وإفساد معلوم، يقول أبو بكر بن عيّاش - رحمه الله تعالى -: \"إنّ الله بعث محمّداً إلى أهل الأرض وهم في فسادº فأصلحهم الله بمحمّد، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمّد كان من المفسدين في الأرض\".

أيّها المسلمون مَن رام هدًى في غير الإسلام ضلّ، ومَن رام إصلاحاً بغير الإسلام زلّ، ومَن رام عِزّاً في غير الإسلام ذلّ، ومن أراد أمناً بدون التوحيد ضاع أمنه واختلّ (نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام، فمتى ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله)[4].

أيّها المسلمون لن يكونَ للباطل نماء، ولا لأهل الزيغ بقاءٌ، ما دُمنا للحقّ دعاة، وللعالَم هداةً، وللخير بناة، ومتى كنّا آمرين بالمعروف صِدقاً، ناهين عن المنكر حقاً، فإنّ الباطلَ إلى اندحار، وأهلَه إلى انحدار، والحقّ إلى ظهور وانتشار، (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَاكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ))[يوسف: 21].

أيّها المسلمون الثباتَ الثباتَ أمام ملتطَم العاديات، ومستنقَع المتغيّرات، يقول رسول الهدى: (إنّ مِن ورائكم أيّام الصبر، الصبرُ فيه مِثل قبضٍ, على الجَمر، للعامِل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثلَ عمله)، قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: (أجر خمسين منكم) أخرجه أبو داود وابن ماجه[5].

فحثّوا المطيّ، وأرخوا من أزمَّتها، وانزعوا إلى دار لا ينصرِم نعيمُها، ولا يحيل مقيمُها، واستمسِكوا بدينكم، وعضّوا عليه بنواجذكم، وانقادُوا لحُكمه، واخضَعوا لإرشادِه، تسلموا مِن الفتن، وتنجوا من المِحن، وتعيشوا سعداء، وتموتوا لدينكم أوفيَاء.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة، ونفعني وإيّاكم بما فيهما من البيّنات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد:

فيا أيّها المسلمون اتّقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (( يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ ))[آل عمران: 102].

أيّها المسلمون في زمن القَحط والجفاف، والفرقة والخلاف، وانتشار الفساد والانحرافِ، يبحَث المسلم عمَّا يكون له أُنساً عند الوَحشة، وجلاءً عند الشّبهة، وضياءً عندَ الظلمة، ومورِداً عند اللّهفة، وليسَ غيرُ الكتاب والسنة بفهم سلفِ الأمّة حصناً من المخاطر، وحِرزاً من المعاثِر، فاستمسكوا بهما، واعتصِموا بما فيهما، فعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (كتابُ الله هو حبل الله، من اتَّبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة) أخرجه مسلم[6]، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (تركتُ فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتُم بِه: كتاب الله)أخرجه مسلم[7]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (إنّي قد تركتُ شيئين لم تضلّوا بعدهما: كتاب الله وسنّتي، ولن يتفرَّقا حتّى يردا عليّ الحوض) أخرجه الحاكم[8].

أيّها المسلمون العلماءُ هم حرّاس الأمّة، الصادقون في نصحِها، العارفون بمصالِحها، العالِمون بأدلّة الشريعة وبراهينها، ومقتضيات العقيدة ولوازِمها، وهُم أقدر النّاس على استنباط الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، نظرُهم عميق، ورأيهم وثيق، وفكرُهم دقيق، فيه علامة التّسديد والتوفيق، علَّمتهم الوقائع والتجاربُ مكنونَ المآلات والعواقب، فاسألوهم عمَّا أشكل، وشاوِروهم عمّا أقفل، واعرضوا عليهم ما حلّ ونزل، وإيّاكم والتفرّد بالرّأي أو سؤال كلِّ منكَر في العلم أو غريب، ليس له حَوزٌ ولا نصيب، واسألوا اللهَ الهداية، واستعيذوا به من الضلال والغواية، وصُونوا ألسنتَكم عمّا لا فائدةَ منه من القول، وإيّاكم والجدال والمراءَ فإنّهما رأيُ الفتنة وحبائل الفُرقة، و(المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويده)[9]، و(مَن يُحرم الرفقَ يُحرم الخيرَ كلّه)[10]، و(إنّ الله يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)[11]، و(ما كان الرّفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)[12]، فاحذَروا الإقدام على أفعالٍ, تضرّ ولا تنفع، وتفرّق ولا تجمَع، وتجلب الشرَّ ولا تدفع، وتراحَموا وتكاتفوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عبادَ الله إخواناً، حفظنا الله مِن الفتن، وأدام علينا النِّعم والمِنن.

وصلّوا وسلِّموا على خير البريّة وأزكى البشريّة، فقد أمركم الله بذلك فقال: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً ))[الأحزاب: 56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الراشدين. 

__________________________

[1] أخرجه أحمد (6/256)، وأبو داود في الطهارة (236)، والترمذي في الطهارة (113)، وابن الجارود في المنتقى (91) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وهو في صحيح سنن الترمذي (98)، وانظر: السلسلة الصحيحة (2863).

[2] أخرجه الطبراني في الكبير (11/215) من طريق حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما قال الألباني: \"هذا سند ضعيف جداً، حنش متروك\"، وفي الباب عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أخرجه الطيالسي (783)، وابن أبي شيبة (7/80)، وأحمد (4/286) وغيرهم، قال الهيثمي في المجمع (1/90): \"فيه ليث بن أبي سليم ضعفه الأكثر\". وفي الباب أيضا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أخرجه الطيالسي (376)، وابن أبي شيبة (10492)، والطبراني في الكبير (10531) وغيرهم، وصححه الحاكم (2/480)، وتعقبه الذهبي بأن فيه عقيلا الجعدي قال عنه البخاري: \"منكر الحديث\"، وقال أبو حاتم في العلل (1977): \"ونفس الحديث منكر، لا يشبه حديث أبي إسحاق، ويشبه أن يكون عقيل هذا أعرابياً\". وأخرجه الطبراني في الكبير (10357) من طريق القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده ابن مسعود. قال الألباني في السلسلة الصحيحة (998، 1728): \"فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن على الأقل، والله أعلم\".

[3] أخرجه البخاري في الفتن (7084)، ومسلم في الإمارة (1847).

[4] هذا من كلام عمر - رضي الله عنه -، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/10، 93)، وهناد في الزهد (817) بنحوه، وصححه الحاكم (207، 208)، وهو في صحيح الترغيب (2893).

[5] أخرجه أبو داود في الملاحم (4348)، والترمذي في التفسير (3058)، وابن ماجه في الفتن (4014) من حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن حبان (1850)، والحاكم (4/358)، ووافقه الذهبي، وهو في السلسلة الصحيحة (494).

[6] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2408).

[7] أخرجه مسلم في الحج (1218).

[8] أخرجه مالك في الموطأ بلاغاً (1661)، ووصله الدارقطني (4/245)، والبيهقي (10/114)، والحاكم (1/93) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/331): \"هذا محفوظ معروف مشهور عن النبي عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد\"، وقواه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة (4/361).

[9] أخرجه البخاري في الإيمان (10، 11)، ومسلم في الإيمان (40، 42) من حديث عبد الله بن عمرو ومن حديث أبي موسى - رضي الله عنهما -، وأخرجه مسلم أيضا في الإيمان (41) من حديث جابر - رضي الله عنه -.

[10] أخرجه مسلم في البر (2592) من حديث جرير - رضي الله عنه -.

[11] أخرجه مسلم في البر (2593) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

[12] أخرجه مسلم في البر (2594) من حديث عائشة - رضي الله عنها -

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply