العبرة بالخواتيم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي شرف جباهنا بالسجود لعظمته و نور قلوبنا بالإيمان به و معرفته و طاعته و أرغم أنوفنا بالتسليم لحكمته وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها مرضاته والفوز بالدرجات العلى من جنته و أشهد أن محمد عبده ورسوله شهادة مصدق به متبع لسنته راجياً شربة هنيئة من حوضه والدخول في شفاعته - صلى الله عليه و على آله وأزواجه وصحابته - و من سلك سبيلهم و اتبع نهجهم اللهم اجعلنا من خيار أمته و احشرنا يوم القيامة في زمرته.

 

أما بعد:

فوصيتي لنفسي ولإخواني أن يتقوا الله - جل جلاله- حيث ثبت في كتابه الكريم أن الله مع المتقين وأن الله يحب المتقين وإنما يتقبل الله من المتقين والعاقبة للمتقين ورحمة الله كتبت للمتقين وكذلك الجنة أعدت للمتقين جعلني الله و إياكم من أهلها بمنه و كرمه.

 

إخوة الدين والعقيدة: إن من عرف الله - تعالى - حق معرفته لم يأمن مكره بل لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وليس الخاسر من المؤمنين كما ثبت في كتاب الله - تعالى - في سورة العصر إلا إن كثيراً من المسلمين وقع أو كاد يقع في هذه الهوة السحيقة ولهذا نقول هذه الكلمات تذكيرا لهم ولأنفسنا بأن العبرة بالخواتيم كما ثبت عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - قال ابن القيم - رحمه الله - تعالى - في كتابه مفتاح دار السعادة (فكم من عبادة مدل صاحبها على ربه بعابدته شامخا بأنفه كلما قاربت منه أوصاف العبد قامت صورة تلك الأعمال في نفسه فحجبته عن معبوده وإلهه, وبين عبد قد كسر الذل قلبه كل كسر واحرق ما فيه من الرعونات والحماقات والخيالات فهو لا يرى نفسه مع الله إلا مسيئاً كما لا يرى ربه إليه إلا محسنا.

 

أيها الأحبة: ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: (أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون نطفة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه واجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا اله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه و بينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

 

أرئيتم أيها الأحبة أن أهم ما يجب أن نهتم به هو بماذا سيختم لنا, ليست المسألة أننا اليوم ملتزمون وعلى الطاعة مقيمون وللسنة متبعين, المسألة أن نثبت على هذا حتى نلقى الله - جل وعلا -  ولو جعلنا هذا الحديث نصب أعيننا لما احتقرنا كثيرا من العصاة في محيطنا فلا ندري بم سيختم لنا ولا بم سيختم لهم و لم نغتر بما نحن فيه من خير مخافة أن يسلب منا والعياذ بالله , و لكي يزداد المقام اتضاحاً و بياناً فإليكم ما قصه الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كان رجلان من بني إسرائيل متآخيين فكان احدهم مذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الأخر على الذنب فيقول أقصر فوجده يوما على ذنب فقال له أقصر قال خلني و ربي أبعثت علي رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد أكنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادرا فقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي و قال للآخر اذهبوا به إلى النار قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لقد تكلم بكلمة أو بقت دنياه وأخرته.

 

فيا لله أيها الأحبة إن رحمة الله واسعة فلا ٌيقنط الناس من رحمة الله ولا نجعلهم ييأسون منها. ألا ولا يظنن جاهل أني أدعو لتجاهل حق الله أو إلى أن يعصوا الله أو أن يسوفوا بالتوبة إلى الله - معاذ الله - ولكن حديثنا لمن وقع منه ذنب أو أسرف على نفسه وظلمها بمعصية الله فلا يجعل معصيته عائق له عن التوبة ولكن فليتب إلى الله وليعلم أن لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم استغفر الله غفر الله له وليعلم إن لو أتى الله بقراب الأرض خطايا بيد انه لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة. وهذه بغي من بغايا إسرائيل يغفر لها بسقيا كلب وقد علمتم عظم فاحشة الزنا وأنها من الكبائر و ما هي قيمة الكلب عند الناس وها هو الرجل يميط الأذى من طريق المسلمين ليشكر الله له فيدخله الجنة وهاهو الرجل يتكلم بالكلمة من رضا الله فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وهاهو الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله فيهوي بها سبعين خريفا في جهنم والعياذ بالله وهاهو الرجل يقاتل في صف المسلمين بل و قريب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقتل فيدخل النار بشملة غلها وهاهو الرجل يزني فيقام عليه الحد فيقول أحدهم ما زال بنفسه حتى رجم رجم الكلب فيأتيه الخبر من الرحمة المهداة للعالمين - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده إنه ليتحصص في أنهار الجنة و هاهو الرجل يكثر شرب الخمر فيقام عليه الحد كل مرة فيقول أحدهم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فيقول الموصوف من ربه - تعالى - (بالمؤمنين رؤف رحيم) بابي هو أمي - صلى الله عليه وسلم - يقول لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله.

 

أما إن في ذلك لعبرة أما إن في ذلك لذكرى قد يقع المسلم في ما حرم الله ولكنه أيضا فد يكون محبا لله ورسوله وإن عصى وإن جفا وإن غلبه هواه أو استعصت عليه نفسه أو غرر به شيطانه. إذا فلا يغتر مغتر بعمله و لا ييأس يائس من - رحمة الله - (قل يا عباد الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) ولم يبق عاقل إلا أن يعمل و يستجيب إلى نداء الرحيم الغفور (وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) والكلام هنا -أعنى الأمر بالإنابة - ليس موجها للعصاة فقط بل هو موجه للعصاة وللمهتدين, أليست القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء؟ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

 

وقال بعض السلف إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة فيدخل بها النار قالو وكيف ذلك قال يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه كلما ذكرها بكى و ندم واستغفر و تضرع وأناب إلى الله و ذل له وانكسر و عمل لها أعمالا فتكون سبب الرحمة في حقه ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمن بها ويراها و يعتد بها على ربه وعلى الخلق و يتكبر بها ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه ويجلونه عليها فلا تزال هذه الأمور فيه حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار.

 

فاعلم أخي الملتزم بدين الله أن التزامك منة من الله - تعالى - وفضل جاد به عليك فلا تشمت بعدو و لا تفرح بسقطة ساقط واسأل الله العافية و قل كلما رأيت عاصيا أو مذنبا الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به و فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ثم تضرع إلى ربك بدعاء المؤمنين المنقين (رب أوزعني أن اشكر نعمتك على و على والدي و أن اعمل صالحا ترضاه و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسمين).

 

وأنت أيها الأخ المتلبس بمعصية الله تب إلى ربك وأقلع عن ذنبك وتقلب على جنبك ذاكراً عظمة من عصيت وعاقبة ما جنيت ولا ينسينك جانب الرحمة في مولاك شدة عقابه واليم عذابه ولا تنس أن رحمة الله إنما تستجلب بفعل طاعته و اجتناب معصيته والإنابة إليه وخشيته وأنت لا تدري متى تموت فاقبل قبل أن يحل بك الموت فتقول كما قال الخاسرون (يا حسرتنا على ما فرطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

الحمد و الشكر لله

-

محمد عبد الله

13:44:14 2015-08-29

نحمد الله تعالى و نشكره على نعمة الاسلام . وشكرا جزيلا لكم على هدا الموضوع القيم الدي دكرنا برحمة الله و توبته على عباده فلو الحمد و الشكر . فاللهم ارحم عبادك الموحدين وتجاوز عن عنهم . و اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة