أمطر الخير مطراً


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تشكل النسبة العظمى في المجتمعات العربية طبقة الشباب، وهم ذوو عاطفة جياشة، وأحاسيس مرهفة، ومشاعر ملتهبة..تهزهم الكلمة الحلوة، ويستنزل دموعهم شطر البيت الذي يبكي فيه الشاعر على فراق محبوبته \"حتى وإن كان الشاعر يتحدث عن فقدان ناقته وطغت تاء التأنيث على البيت دون أن يعي القارئ ذلك\".

وتصور الكثير من الشباب أن الكلمة الطنانة الرنانة التي تداعب المشاعر، وتأخذ بالألباب، وتأسر القلوب هي كلمة الحب المندفعة في زمن المادة الذي أرخى سدوله، وأظل الدنيا بسواده.. لذا كثر الغزل والهيام والوجد والوله في عالم الإذاعة الصحافة، ولا يخلو مسلسل، أو فيلم، أ، مسرحية ن كلمات واهية تتلمس طريقا إلى أحاسيس الناس ومشاعرهم، فأصبح الحب ف عصرنا صورة مشوهة.. مقتصرة على الكأس والغانية المشورة واللذة.. فأضاعت المخبر وفقدت الجوهر.

ومن هذا الباب العاطفي الواسع، وهذه الثغرة المقبولة دخل أصحاب الاتجاهات المشبوهة، والجيوب المفتوحة، لغزو الأمة والسيطرة عليها، وتوجيهها حيث شاءوا دون أن ينازعهم أحد، أو يستدرك عليهم قلم!

والمتأمل في شريعة الإسلام وضوابط العاطفة ومكانتها السامية- ليبكي على أمة تتمايل مع أغنية ماجنة، وحبيب يلفه دخان المعصية، وجسد بدت عليه آثار التعاسة!

وكان لهذا التولي في مزالق الحب البهيمي أثر سيء على حياة الأمة، أفراداً، وأسراً ومجتمعات، فانتشر عقوق الوالدين، وقطعت الأرحام، واختفت الابتسامة الصادقة، وانزوت الكلمة الحانية، وكثر الطلاق بسبب كلمة واحدة تخرج من فم الزوج سهماً يمزق حياة الزوجة.. لم أحبها!

فباسم هذا الحب السطحي الساذج كم من بيوت هدمت، وقلوب كسرت، وأطفال شردوا!

ونحن في عصر الحب كما يدعي بعضهم- لم نسمع عن قلب رق، ودمعة سقطت ورأفة بأم كبيرة أفنت شبابها سهراً على ولديها.. ولم نر قبلة وضعت بين عيني أب لا يجد للراحة طعماً وحوله صغار حتى يحقق رغبتهم.

وضنت الألسن بكلمة المجاملة والنصيحة الصادقة للصاحب والجار.. وندر أن تجد من يفشي السلام على من يعرف ومن لا يعرف!

بل اختفت من أيامنا السعيدة - ممازحة الصغار والمسح على رؤوسهم، وتقبيلهم، وإسعادهم بالهدايا.

وتوالت قسوة القلوب، فلم تعد تلقي بالاً لأمة الإسلام وهي تُقتَّل في أنحاء الأرض شرقاَ وغرباً.. فأصبح الدم مستباحاً، والكرامة مهانة، والعزة ضعفاً وخوراً.

وهكذا سارت الأمة مع الأسف كما يردون في عاطفة غير منضبطة الاتجاه، ولا معروفة النهاية.. ولا شك في ذلك وهي قد تغافلت ونسيت كتاب الله - عز وجل -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فأين المحبة الصادقة من إقامة الشعائر والالتزام بالأوامر؟! وأين المحبة للأبناء، والحرص على تربيتهم وتنشئتهم النشأة الصالحة، الله - عز وجل - يدعو إلى ذلك: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً)؟! التحريم: من الآية6.

والمحبة للمؤمنين في المجتمع المسلم تنبض بعاطفة مذمومة مخطومة لا نرى لها واقعاً ملموساً في حياتها من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\".

وقل لي بربك ما أجمل من مودة ورحمة وسكينة مع زوجة صالحة يستشعر الزوج فيها أجر رفع اللقمة إلى فمها تودداً وتقرباً، وهي تحتسب أجر خدمته والبحث عن سعادته.. بل أين هذا الحب الجميل، والعاطفة الجياشة عن أنة مريض، وسؤال جاهل، وإعانة ملهوف، وتفريج كربة!

لقد تقطعت السبل، وتاهت الدروب، وفقد الكلمة الحلوة أسمى معانيها.. ويبقى الحب في عالم المادة ادعاء يسقط مع أول معصية لله ولرسوله، ويزول مع أول عارض صحي يغشى الزوجة.

وكثير من التائهين في دروب الضياع استوحشته الشياطين، فأصبح الحب عنده كلمة ساقطة، ولذة عابرة، وبحثاً عن سعادة زائفة، حتى صدأت القلوب وعميت البصائر، واختلطت الأمور، وانقلبت الموازين فظهر الثعلب بمظهر الحبيب المتباكي، ورعى الذئب الغنم.

وكما أن الأمة تجري في أودية التبعية صناعة، وتجارة، وزراعة، فإنها أيضاً تجري مع أنهار الحب التي تفيض بحمم المادة.. مُرة المذاق.. آسنة الكلمة.. تتقاذفها الأمواج وتهوي بها المزالق.. سريعة الزوال.. لا تمكث إلا قليلاً!

ونحن في زمن تتردد معه أنفاسنا، ولا تزال تنبض فيه قلوبنا. لا تثريب عليك أخي فالخير موجود.. أعد الكرَّة وتحسس قلبك، وأفض على نفسك وعلى من حولك نسمات صادقة من المحبة الإيمانية، ونفحات من الأخوة الإسلامية، وتفقَّد من لهم عليك حقوق عظيمة من أبوين، وإخوة، وزوجة، وأبناء.. ولا تحرم نفسك أجراً ومثوبة. بل أمل الخير مطراً.. وفي كل معروف صدقة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply