الحق والواجب في الشريعة الإسلامية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

1- الواجب والحق متلازمان في كل تشريع سماوي أو وضعي، فالواجبات تقابلها الحقوق، والحقوق تقابلها الواجبات. العامل عمله التزام واجب، فإذا عمل صار له حق، وهو الأجر أو المكافأة، والطالب دراسته واجب، فإذا أدى واجبه صار من حقه أن ينال النجاح.

والتاجر من الواجب عليه الأمانة في المعاملة، فإذا أدى ما عليه صار من حقه أن يأخذ الثمن والإنسان أداؤه ما عليه من التزام ألزمه به الله جل جلاله كان ممن أدى الواجب، وكان حقاً له أن ينال الجزاء الأوفى من مولاه - عز وجل -.

والإسلام يفرض على المسلم الإيمان الكامل بالله وبكتبه ورسالاته وبرسله وباليوم الآخر. كما يفرض عليه أن يلتزم بشريعة التوحيد المطلق، فلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وباحترام حق الإنسان في المال والعرض والنفس والدين والعدل والمساواة والإخاء والحرية، ويلتزم بكل ما أمر به الخالق الأعظم من عبادات وطاعات وبترك كل ما نهاه عنه من معاص وذنوب وآثام..فإذا التزم الإنسان بذلك نال رضا الله ومثوبته ورحمته.

شريعة السماء وقوانين الأرض كلها تلزم الإنسان بالواجب، وتجعل له الحق في الجزاء الأوفى.فالواجب أولاً، والحق ثانياً، والإنسان لا يطالب مسؤولاً بحق من حقوقه إلا إذا أدى ما عليه من واجبات، ومن ثمَّ نجد جميع الشرائع والتشريعات تطالب الإنسان بما يجب عليه من واجبات وتعده بأن ينال حقوقه كاملة غير منقوصة، القيام بالواجب هو الأساس لأخذ الحقوق. والقرآن الكريم حين يتحدث يربط بين الحق والواجب، ويجعل الواجب هو الأساس للفوز بالحقوق.

يقول الله - عز وجل -: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد: 7، ويقول - عز وجل -: (إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم) الرعد: 11، ويقول - عز وجل -: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنون وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت: 30، ويقول - عز وجل -: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته، ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم، والله غفور رحيم) الحديد: 28، وحين يرفع الإنسان يديه بالدعاء إلى الله - عز وجل - امتثالاً لقوله - تعالى -: (ادعوني أستجب لكم)، وقوله - تعالى -: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة: 186، يجب عليه لينال إجابة الدعاء أن يكون مطيعاً لله مؤمناً به حق الإيمان مستجيباً لأوامره، تاركاً لنواهيه، ويقول الله - عز وجل -: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج: 40 ـ41.

2- الله - عز وجل - يلزم المسلم بالواجب أولاً، ويؤيده بنصره ونعمته وتمكينه وبسعادة الدارين عندئذ وبعدما يؤدي ما عليه لمولاه من واجبات. والحديث الشريف الجامع قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في مال الزوج ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته، ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أنس - رضي الله عنه -: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه0(2)، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) رواه مسلم.

3-والواجبات على الإنسان في الإسلام كثيرة، فعليه واجبات نحو نفسه ونحو أسرته، ونحو مجتمعه الصغير، ونحو مجتمعه الكبير، ونحو وطنه، ونحو الإنسانية كلها، وقبل كل شيء عليه واجبات نحو ربه ودينه، وتلك كلها واجبات مفصَّلة في الشريعة الإسلامية ويطول بنا الحديث لو ألممنا بأطرافها. والإسلام لم يدع صغيرة ولا كبيرة من هذه الواجبات إلا وفصَّلها، وجعلها ملزمة للمسلم يحاسبه عليها ربه ودينه وضميره النقي الطاهر، ويحاسبه عليها ملائكة الله وجنده، ويحاسبه عليها مجتمعه وقوانين المجتمع المستمدة من شريعة الإسلام، وقد أمر الله - عز وجل - الإنسان المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وحين تولى أبوبكر خلافة المسلمين كان أول خطبة له قوله: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، والعبادات في الإسلام طاعة واجبة على المسلم نحو ربه ودينه، وفي أولها التوحيد الخالص، والإيمان المطلق، والعقيدة الثابتة القوية، والاعتقاد بأن كل الأمور بيدالخالق الأعظم، والمهيمن القادر، وأنه مع المسلم في سلمه وحربه، ويسره وعسره، ويقظته ونومه، وأنه لا يحرم أحداً من فضله، وأنه (يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض)، فطاعة الله واجبة وعبادته حتم لازم.. (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 51، ويقول - عز وجل -: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) طه: 14 الأساس الأول في الإسلام أن يسلم المرء وجهه لله - عز وجل -، وأن يخلص له في عبادته، وأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، كما جاء في الحديث الشريف، ويقول الله - عز وجل - في سورة البينة: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) البينة: 5 ويقول - عز وجل -: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) الطلاق: 2 ـ3.

4- وحقوق الإنسان حقوق شخصية أو اجتماعية أو سياسية أو أدبية أو فكرية. والإسلام أقر حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، وألزم بها الناس جميعاً، وفي مقدمها حق الحياة، وحق الحرية وحق الملكية وحق التعليم، وحق التصويت الانتخابي لتكوين المجالس العامة والخاصة، وحق تكوين الأسرة، وحق العمل، وحق التعبير عن الرأي في حدود الدين وغيرها. والإسلام يقر حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة أقرها منذ ألف وأربعمئة عام أو يزيد قبل أن تقرها الثورة الفرنسية، وقبل أن تقرها هيئة الأمم المتحدة، بأزمنة متطاولة، وسند الحق في الإسلام هو الله - عز وجل -، وهو القرآن الكريم، وهو دين الله المنزل وشريعته السماوية، وهو قوانين السماء، قبل قوانين الأرض. وروسو يجعل سند الحق هو العقد الاجتماعي وهو كلام لا يؤدي إلى غاية، والدين هو السند الأعظم لكل حق للإنسان، أما الذين ينادون بالعقل ويقولون إن العقل هو السند الأكبر للحق فهم يدورون في حلقة مفرغة، فمن الذي يلزم الإنسان بحكم العقل، لقد احترم الإسلام الإنسان، وسمى سورة من سور القرآن الكريم بسورة الإنسان، وهي سورة وهي سورة مدنية، وآياتها إحدى وثلاثون آية، وفاتحتها: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا). جلَّت قدرة الله، وعظمت آلاؤه على الإنسان، وكرمت في ظل رسالاته قيمة هذا الإنسان، خليفة الله في الأرض، وسليل آدم أبي البشر الذي استخلفه الله - عز وجل - في الأرض.

والله - عز وجل - أعلم بأمر خلقه، وأعظم حام لحقوق هذا الإنسان الذي خلقه، حقه في الحياة والحرية وحقه في الإخاء والمساوة، وحقه في إدارة شؤونه الخاصة كما يهديه عقله القويم، الملتزم بتعاليم السماء، وصدق القائلون: (لا حرية دون التزام، ولاحق دون واجب، ولا حياة دون دين).

 

------------------------------------------

الهوامش:

1ـ رواية مسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته.

2 ـ أي لا يلقيه في الهلكة أو يحميه من عدوه.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

شكرا

16:43:09 2022-10-04

شكرا