ذوقيات الكتابة في المنتديات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يسعد المرء في حياته العامة وتتهلل أساريره حينما يجد بينه وبين إخوته وأحبته الشعور المتبادل مِن الود والتقدير والاحترام، فيحظى مرة بالابتسامة الصادقة، وأخرى بالكلمة الطيبة، وثالثة بالتعاون على البر والتقوى، حتى تتقوى أواصر المحبة بينه وبينهم ويصبح لا يقوى على الابتعاد عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..

وواقعنا اليوم أحبتي الكرام في الساحة العربية لا يختلف كثيراً عما تم ذكره، فنجد هنا بحمد الله الكلمة الطيبة، وكذلك الابتسامة الصادقة والتعاون على البر والتقوى، بل يشعر المرء في بعض أوقاته التي يقضيها في الساحة العربية أنه يعيش جنة دنياه، وذلك بما أكرمه الله به من صحبة طيّبة مباركة، يجيدون انتقاء الكلام وترتيبه كما ينتقى أطايب الثمر..

 

لهذا أحببت أن أتوقف قليلاً مع هذا الواقع الجميل - أتم الله علينا وعليكم صفاءه - لأذكّر نفسي أولاً ثم أذكر أحبتي الكرام ببعض الذوقيات التي يجدر بنا الحرص عليها والاجتهاد في ترسيم حدودها بين بعضنا البعض أثناء تواجدنا في الساحة العربية، حتى يزداد الحضور الإيجابي بيننا ونتدارك ما قد نقع فيه - أحيانا - مِن أخطاء..

 

(1) ابتغ بما تكتبه وجه الله وطلب مرضاته..

احرص أخي الكاتب الكريم على مراقبة الله في أقوالك وأفعالك كلها، وأخص بالذكر هنا ما تكتبه في مواضيعك وردودك، فلا تكتب ما تعلم أنه سيكون حجة عليك يوم القيامة، ولا تتمادى في الزلل والخطأ إن وجدت من يتمادى فيه، بل ضنّ بنفسك عن مجاراة المخطئ في خطأه والمقصر في تقصيره، واحفظ لسانك وقلمك عن الخوض فيما يبعدك عن مرضاة خالقك - سبحانه وتعالى -..

 

(2) ابتعد عن الأمور الشخصية..

وأعني بها الأمور الشخصية الخاصة بك، وكذلك الأمور الشخصية الخاصة بغيرك من الكتاب..

فلا يليق بك أن تتحدث عن أمورك الشخصية التي لا فائدة تعود عليك من ذكرها ولا على الآخرين، كالحديث عن أهل بيتك مثلاً أو وظيفتك، إذ لا فائدة - في الغالب - من ذكر ذلك وإطلاع الآخرين عليه..

ولا يليق بك كذلك أن تتحدث عن أمور الناس الخاصة بهم، مالية كانت أو اجتماعية أو وظيفية، فلكل فرد من أفراد المجتمع شخصيته المستقلة وما له صلة بها، وكما أنك تكره أن يتعرض أحدهم لبعض شؤونك الخاصة بك فتذكر أن الآخرين يكرهون ذلك أيضاً، وعامل الناس بما تحب معاملتهم إياك به..

 

(3) تعامل مع المكتوب دائماً بغض النظر عن الكاتب..

فإذا ما وجدت موضوعاً طيباً نافعاً وكانت لك ملاحظات سابقة على كاتبه فلا تقف كثيراً عند ذلك بل اجعل تركيزك منصباً دائماً على ما يُكتب بغض النظر عن كاتبه..

والأمر كذلك ينطبق على أهل الجهة الأخرى، فإذا ما وجدت موضوعاً عليه بعض المآخذ وكان كاتبه معروفاً بالحضور الإيجابي الهادف فلا تجعل ذلك يثنيك عن كتابة الملاحظات له وإطلاعه عليها، فلا أحد معصوم بعد الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، وحتماً ستجد منه الترحيب بذلك وشكرك على موقفك الذي تجردت فيه عن النظر لما للكاتب من حضور وقبول ونحو ذلك..

 

(4) إياك وخفض الجناح مع الجنس الآخر..

والأمر هنا موجه لكلا الجنسين، رجالاً ونساءً..

 

فلا يليق بالرجل الحر الأصيل أن يخفض جناحه للنساء من حوله ولا أن يمازحهن ويكثر من حضوره الباسم بينهن، المعتمد على خفة الدم وإضحاك الآخرين، فرجولته وسمو نفسه وشهامته تجعله يبتعد عن ذلك ويكرم نفسه عن محاورة النساء بغير فائدة ولا حاجة تدعو لذلك..

ولا يليق كذلك بالمرأة العفيفة الطاهرة أن تزاحم الرجال في موضوعاتهم وتكثر الحضور بينهم بغير فائدة ولا حاجة، فمن لوازم الأنوثة التي عرفت عن النساء منذ قديم الأزل \"خصلة الحياء\" التي هي زينة المرأة الأولى، والتي تجعلها تضن بمروءتها عن أن تخدشها بالتواجد الدائم بين الرجال في موضوعاتهم لغير حاجة تدعو لذلك..

ولا يقصد بهذا أن يُحظر الحوار بين حواء وآدم، بل الغاية هي تقنين التعامل بينهما وحصره في إطار الفائدة العامة دون إفراط متشدد أو تفريط متحرر..

 

(5) لا تكوّن لنفسك العداوات..

ولا يخفاك أخي الكريم أن اهتمامات الناس مختلفة، وأفكارهم متعددة، وربما تجد في البيت الواحد إخوة لكل واحد منهم تفكيره المستقل واهتماماته المختلفة عن إخوته، ولذا فمن باب أولى أن تجد في عالم الانترنت شيئاً من ذلك الاختلاف، فاحرص على أن تقلل من أثره وأن يبقى محصوراً في الرأي والفكرة لا أن يشمل الاختلاف في كل صغيرة وكبيرة بينك وبين من يخالفك..

فإذا لم يستطع أي منكما إقناع صاحبه برأيه فلا يمنع ذلك أن تجد الأخلاق الإسلامية الشريفة موضعاً لها بينك وبينه، ولا يضركما أن تستمر الأخوة بينكما وإن اختلفتما في الأفكار..

 

(6) إياك وتلميع الذات..

فلا تكثر من تمجيد نفسك أمام الآخرين والظهور أمامهم بمظهر الإنسان الكامل الخالي من العيوب والأخطاء، فهذه صفة ذميمة أعيذك بالله أن تتصف بها، وقلّ أن تجد إنساناً يتصف بها إلا وابتعد عنه الآخرون لنرجسيته وحبه الأنا والذات، فالناس لا يهمهم من أنت وما رصيدك ونوع سيارتك ووظيفتك، إنما يهمهم ماذا تكتب وبمَ تفكر وما هو الأثر الذي تتركه كتاباتك في نفوسهم..

فاهجر الأنا وفرّ منها بكل ما تقدر، واحرص على خلو كتاباتك منها حتى يسهل عليك التواصل مع الآخرين دون أن يزعجهم ما يصدر منك من نرجسية وما ماثلها..

 

(7) اجعل الآخرين ينتظروا حضورك ويأنسوا به..

وذلك بحرصك على التواجد الأخوي الحاني أياً كانت صوره وأشكاله، تسأل عن هذا وتطمئن على الآخر، تبارك لأخيك المولودة الجديدة وتعزي أخاك الآخر في وفاة قريب له، وتحرص على أن تطمئن على أحبتك وإخوتك، ولا تأل جهداً في خدمتهم إذا ما طلبوا ذلك، حتى يحبك الآخرون وينتظروا حضورك دائماً، ليقينهم بأن البسمة لها رواج في وجودك، والكلمة الطيبة لها وقع في حضورك، ولإدراكهم بأن حضورك يتبعه حضور الذوق والأدب والمروءة والخلق الكريم..

 

(8) تقبل النقد بصدر رحب واحرص على الاستفادة منه..

وإذا ما كتب لك أحدهم بنقدٍ, أو وجه لك ملاحظة على رد أو موضوع كتبته فلا تكابر وتحاول تبرير موقفك وتطويع المقاصد لإثبات صحة ما كتبته، بل تقبل ذلك النقد بصدر رحب، واحرص على الاستفادة منه في كتاباتك القادمة، واحفظ لمن نقدك هذا الجميل واشكره عليه، واطلب منه تعاهدك بالنصح بين الفينة والأخرى، فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه..

 

وإذا ما دوّنتَ على أحدهم ملاحظة أو نقدته فيما كتب فاحرص قدر استطاعتك على أن توصل له ذلك سراً، فلا مقارنة بين النصيحة في السر وبينها في العلانية، وإن لم تجد له عنواناً بريدياً خاصاً به فاطلب منه في موضوعه تزويدك به دون أن تحرجه بنقده ونصحه أمام الملأ..

 

(9) لا تنتظر الشكر والثناء من أحد..

وإذا كتبتَ كتابتك، رداً كانت أو موضوعاً، فلا تنتظر الشكر والثناء من أحد، ولا تبحث عن كثرة الردود، بل اخلص نيتك لله واطلب منه - سبحانه - الأجر والمثوبة على ذلك، وتكون بذلك قد حزت الخير العميم والأجر الوفير، كما يجدر بك سؤاله - عز وجل - أن يكتب القبول لما كتبته ويجعل له وقعاً في نفوس الآخرين، ولا يتحقق لك ذلك دون أن تخلص كتابتك له - سبحانه -..

وإذا نجحت في تحقيق ذلك وصرفت اهتمامك عن طلب مدح أو ثناء فلن تجد في نفسك اهتماماً بشكر الآخرين ومديحهم وإن وُجد، فغاية ما يجب أن تحرص عليه هو نيل مرضاة الله..

 

(10) تذكر دائماً عند الكتابة قوله - تعالى -(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)..

فكل ما تكتبه ستجده أمامك في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ومن تذكر ذلك استعد له جيداً وحرص على أن يبقي سجله أبيضاً ناصعاً مشرقاً تزينه الكلمات الطيبة وتنيره الدعوات الصادقة وتخلو أسطره من السب والشتم والتعرض للآخرين وإيذائهم، وذلك أعظم مقصود حريّ بكل واحد منا أن يسعى لتحقيقه دائماً، فالله - سبحانه - مطلع على السرائر فضلاً عما نكتبه ونتحدث به، وإذا أدركت ذلك وآمنت به حقاً ازددت حرصاً على ألا تكتب إلا ما يشرفك ويرفع قدرك في الدارين..

 

(11) تنبّه أثناء الكتابة إلى أن كافة فئات المجتمع تقرأ ما تكتبه..

لابد أن تدرك أخي الكاتب وأنتِ أختي الكاتبة أن الانترنت عالم مفتوح للجميع، لا وجود فيه للأسرار والخصوصيات، ولا مكان فيه لتحديد فئة القراء إلا قليلاً، وإذا أدركنا هذا الأمر واستقر يقيناً في نفوسنا كان ذلك داعياً لنا إلى مراعاة مشاعر القراء فيما نكتبه، والذين هم في الغالب من كافة فئات المجتمع، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، أصحاء ومُعاقين، بل وجدنا من يتصفح الانترنت وهو أصمّ، ومن يتصفحه وهو أعمى..

فلا يليق بنا أن نكتب ما نجرح به مشاعر غيرنا، كالحديث بصورة قاتمة مظلمة عن الطلاق مثلاً ووصف المطلق أو المطلقة بأشنع الأوصاف وأقساها، أو عمّن يتصف بصفة خلقية معينة كالسمنة أو الشخير أو غيرها، فكما لك الحق في اختيار كتاباتك فإن للآخرين الحق في قراءة مالا يتسبب لهم في الإزعاج والإيذاء..

كما أن الأمر هنا يشمل احترام عقول القراء حين الحديث عن بعض الأمور الخاصة، كالحديث عن الزواج أو التعدد أو ليلة الزواج الأولى وما يترتب على هذه المواضيع من تفاصيل يتصفد منها وجه المرأة حياءً مما تقرأ، وإذا كان المطلب مُلحاً في الكتابة عن مثل هذه الأمور فلنتخذ من القرآن والسنة منهجاً لنا في ذلك، بالتلميح دون التصريح (أو لامستم)، والإيجاز دون الإطناب (لتسكنوا إليها)..

 

(12) أبدع \"كتابياً\" في المجال الذي تحسنه..

ابحث عن المجال الذي تجيد الحديث فيه، ثقافياً أو دينياً أو اجتماعياً أو رياضياً، ثم ابدأ بالكتابة فيه مستعيناً بما لديك من معلومات ومعارف عنه، وحريصاً على أن تقدم للقراء ما ينفعهم ويجعل لموضوعك في نفوسهم أثراً نافذاً..

 

(13) لا تجعل لظروف حياتك العامة تأثير على كتاباتك..

وذلك بأن تجتهد في استقلال كتاباتك وعدم تأثرها بما تمر به في حياتك العامة من ظروف، سواء كانت مفرحة أو محزنة..

فقد تكتب في وقت فرح شديد فتبالغ فيما تكتب وتغض الطرف عن الخطأ أو لا تنتبه له، وقد تكتب في وقت حزن أو غضب فينعكس ذلك بصورة سلبية على كتاباتك، ويدرك الأمر فيما بعد من كانت له أدنى متابعة لكتاباتك السابقة..

فلا تكتب حينما تشعر بأن ظروف حياتك لها تأثير بارز على ما ستكتبه، بل اختر الوقت المناسب لذلك واهجر الكتابة في الأوقات التي تعلم أنك لن تقدّم فيها ما تقدّمه عند صفاء الذهن وخلوه من المشاغل والهموم..

 

(14) إياك أن تكتب في وقت الغضب..

ولا أبلغ في هذا من قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - \"لا تغضب\" كررها ثلاثاً..

فالغضب - إن لم يكن على محارم الله أن تنتهك - فهو سلبي عليك وعلى كل من اتصف به، وإذا قٌدّر لك أن تكتب في وقت الغضب فستشعر بعد أن تهدأ بأنك قد كتبت كلاماً ربما تندم عليه طويلاً..

فابتعد عن الكتابة بالكلية إذا كنت غاضباً، وإياك أن تكتب أو تراسل وأنت مغضب، فسينعكس ذلك على كتاباتك ولابد..

 

(15) احرص على تطوير كتاباتك بقدر استطاعتك..

وذلك ببحثك الدؤوب عن أفضل الطرق الكتابية وأكثرها نفعاً للقراء وجذباً لهم..

فلا يعيبك أن تكون لك كتابات قديمة لم تحسن الأداء فيها كما يجب، بل احرص على تطوير كتاباتك، بالقراءة لكبار الكتاب والتبحر في فنون الأدب والبلاغة والثراء المعلوماتي الذي أصبح بحراً لا ساحل له في عالم الانترنت، وستجد كتاباتك بعد المحاولة تارة والمحاكاة تارة أخرى على مستوىً عالٍ, من الجودة مقارنة بما كتبته قديماً..

 

(16) أشرك الآخرين في اختيار كتاباتك..

وإذا أردت الكتابة في موضوع جديد، فاحرص على استشارة من تثق برأيه وذلك من أجل اختيار كتاباتك وماهيتها وعمّ تتحدث وتتمحور، واعلم أن هذه من أنفع الطرق وأكثرها فائدة في تصحيح نظرتك لما تكتبه، فقد يرسل لك أحدهم بفكرة أو يعرض أحدهم عليك أمراً فيكون سبباً في تغيير دفة ما تكتبه نحو الأفضل بصورة كبيرة لم تكن تتوقعها..

فليكن للآخرين نصيب من الرأي في اختيار كتاباتك، وأحق من تطلب استشارته في هذه الأمور زوجتك وأبناءك ووالديك واخوتك وسائر أهل بيتك، وليكن لأصدقائك في الانترنت نصيب مماثل، خصوصاً من تعلم بصدق الود بينك وبينه وأنه لن يضن عليك برأي سديد تنتفع من ورائه..

 

(17) اعرض كتاباتك على من تثق برأيه..

وإذا انتهيت من كتابتك، رداً كانت أو موضوعاً، ورأيت بأنك محتاج إلى من يُقيّم ما كتبته فيصحح خطأك ويكمل نقصك ويلفت انتباهك إلى ما قد تغفل عنه في كتابتك، فاذهب بما كتبته إلى من تثق بآرائهم وأسألهم أن يقيموها لك وألا يجاملوا في الحكم أو يداهنوا فيه، واستفد مما قد يُدوَن على كتابتك من ملاحظات واحرص غاية الحرص على تطبيق ما يَرد إليك منهم، نقداً كان أو مدحاً أو تصحيحاً، فالناقد بصير، ونظرة القارئ أعم وأشمل من نظرة الكاتب في الغالب..

 

(18) غض الطرف عن إساءة المسيء، واحفظ للمحسن إحسانه..

وإذا أخطئ أحدهم بحقك وتجاوز الحد معك، سواء بالتعدي عليك والتهجم بما لا يليق أو التشكيك في نواياك أو همّش رأيك وضرب به عرض الحائط فغض الطرف عنه ولا تجاريه في سفهه، واتخذ من آية الفرقان (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) منهجاً تسلكه في التعامل مع من يخطئ بحقك..

متاركة السفيه بلا جوابٍ, *** أشد على السفيه من الجوابِ

 

وفي المقابل، إذا أحسن أحدهم إليك، بنقد أو مناصحة أو شفاعة أو مساعدة أياً كانت هذه المساعدة، فاحفظ له هذا الجميل وادّخره له أبد الدهر، واحرص غاية الحرص وألزمه على رد الجميل له إذا ما وجدت الفرصة مواتية لتحقيق ذلك، فالمجتمع المسلم إنما بُني على التكاتف والتعاون، كالبنيان يشد بعضه بعضاً..

 

(19) قلل من أثر اختلافك مع الآخرين..

احرص على التقليل من أثر اختلافك مع الآخرين، واجتهد في أن ينحصر هذا الاختلاف في الآراء والأفكار وحدها، دون أن يشمل كل جزئية في التعامل بينك وبين من اختلفت معه..

 

فالاختلاف في مجمله أمر إيجابي كما يعده بعض علماء النفس، وفيه دلالة على الاستغراق في التفكير واستخراج الآراء والمذاهب، فانظر للجانب المشرق منه وأنه قد فتح لك آفاقاً أخرى كنت تجهلها وربما كانت هي الصواب دون أن تشعر، ولا تلقي كثير اهتمامٍ, إلى ما قد يبرز من سلبيات لم تكن من الخلاف ذاته بقدر كونها نتيجة تمسك كل طرف برأيه وانتصاره له وإن كان باطلاً..

فلتبقى الأخوة الإسلامية وإن تعددت الآراء، وهانحن نقرأ عن أئمة المذاهب الأربعة الاختلافات المتعددة في الأقوال، ورغم ذلك قد لا تجد من يمدح الواحد منهم أكثر من أصحابه الثلاثة الآخرين، - رحمهم الله - جميعاً..

 

(20) تذكر أنه من غير اللائق أن تتحدث بكل ما تسمع وتعرف..

فما كل ما يعرف يُقال، وقد يكون من التروي والتعقل أن تمسك لسانك عن الخوض في بعض الأمور التي لديك علم بها كما كان يفعل ذلك أبو هريرة - رضي الله عنه - مخافة أن يُفتن الناس في دينهم وتدبّ بينهم الوساوس والاختلافات..

فاحفظ لسانك عمّا يغلب على ظنك أنه سيكون مثار شبهة أو فتنة، ولا يضرك أن تحجم عن الكتابة في موضوع من المواضيع إذا علمت أن القراء سيكون لهم شأن آخر فيه، من تطاولٍ, على العلماء مثلاً أو التشكيك في نزاهتهم أو التعرض لبعض المسلّمات التي لم تـُـقصد لولا كتابتك عنها..

وكفاك في هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه مسلم في صحيحه: \"كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع\"..

والأمر كذلك يشمل تورعك عن الكتابة التي تهيّج المشاعر سخطاً وغضباً وربما كان لها أثر سلبي هائل في نفوس قرائها من الجنسين دون أن تشعر، فمواضيع الزواج والتعدد والتفاضل في القبائل والدول وألجناس والأعراق وإثارة النعرات الجاهلية أياً كانتº كلها موضوعات قد تكون لها جوانب مظلمة تلقي بظلالها على واقع الكثير من القراء ذكوراً وإناثاً دون أن يشعر الكاتب..

 

(21) عامل الآخرين بأخلاقك ولا تعاملهم بأخلاقهم..

تمسّك دائماً بمبادئك الراقية وأخلاقك العالية عند تحاورك مع الآخرين، ولا تجعل للآخرين مأخذاً عليك في أدبك وخلقك، وإن تجرأ أحدهم وتطاول عليكَ فلا ترد إساءته بالمثل بل ترفع عن مجاراته في سفهه وضنّ بأدبك وخلقك عن أن تدنسه بالإساءة إلى من أساء إليك، وتمثل قول القائل:

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً *** بالطوبِ يُرمى فيرمي أطيب الثمر ِ

 

(22) تعاهد الآخرين بنصحك..

فإذا رأيت من إحدهم زلة أو خطأ فتعاهده بنصحك، متمثلاً قول الحق- تبارك وتعالى -(بالحكمة والموعظة الحسنة)، وابدأ نصحك إياه بذكر ما فيه من خصال الخير والمعروف ومثمّناً دوره الفعال الذي يقوم به والثغر الهام الذي يقف عليه، وبيّن له أن النصح لا يعني التقليل من قدره بقدر الحرص على تلافي الأخطاء أمام الآخرين من قبله، وحتى يثمر هذا التلافي في ازدياد قبول الآخرين له وترحيبهم بما يقول..

 

(23) قلل من عتابك واجعله مقنناً..

وإذا رأيت من أحدهم تصرفاً يستلزم معاتبتك إياه فعاتبه ناصحاً ولا تعاتبه منتقماً أو شامتاً، واسلك درب العتاب في السر وإياك ومعاتبته أمام الملأ، ولا تثقل من عتابك له بل عاتبه بالقدر الذي يؤثر فيه دون أن يجرحه، وإذا رأيت أن المقام يستلزم معاتبة في العلن فليكن ذلك محفوفاً بالتقدير والاحترام دون أن يتحول إلى تصفية حسابات وتهميش آراء، وتخيّر لكل شخص الطريقة التي تناسبه، واعلم أن لكل واحد ممن حولك طريقته المستقلة وذوقه المتفرد في قبول العتاب أو النصح، فضع هذا نصب عينيك كي لا تحرج مستقبلاً إن رُد عتابك..

 

(24) تواصل مع إخوتك واطمئن على أحوالهم..

وذلك بالسؤال عنهم وعن أبنائهم والاطمئنان على صحتهم، وليكن ذلك بقدر ما بينك وبين أخيك من الود والوئام، فمنهم من يعد غيابك عنه أسبوعاً واحداً أمراً منكراً، لقوة ارتباطك به، ومنهم من تطول المدة عنده إلى أسبوعين، ومنهم إلى شهر، ومنهم إلى أكثر من ذلك بحسب علاقتك معه، ولكن لا تقطع الوصال بالكلية واجعله مستمراً وإن قلّ، واحرص إذا قرأت خبراً عن أخيك على أن تراسله وتهنئه إن كانت تهنئة أو تعزيه إن كانت تعزية، فسيبقى موقفك محفوراً في ذاكرته لفترة طويلة ولن ينساه لك..

 

(25) اكتب رأيك الصريح ولا تتبع الآخرين في آرائهم..

وإذا أردت المشاركة في قضية معينة ووجدتَ أن بعض من تقتدي بهم في كتاباتك قد خالفوك في رأيك فلا تنحني وتوافقهم في أقوالهم إن لم تقتنع بها تمام الإقتناع، فلا ممانعة من أن تستمر الأخوة بينك وبينهم وإن اختلفت آراؤكم..

 

(26) راع ِ نفسيات الآخرين وابتعد عمّا يكدرهم..

وإذا قرأت لأحد إخوتك أو أخواتك رداً أو موضوعاً ولمستَ فيه نبرة معينة فمن اللائق ألا تغيّر دفة الموضوع وتؤثر سلباً على كاتبه، فموضوع كموضوع العزاء لا يليق إطلاقاً أن تضع فيه ابتسامة أو تتحدث بحديث لا صلة له في العزاء، وذات الحال ينطبق في مواضيع التهنئة فلا يليق أن تتضمن أخباراً غير سارة أو تتضمن خلافات تشغل الرأي العام عن المغزى الأساسي لكتابة الموضوع، فلكل موضوع وضعه المستقل المتأثر - في الغالب - بنفسية الكاتب..

 

(27) كن وسَطاً في تواجدك وكتاباتك..

وسطية التواجد تعني الحضور في المواطن التي يُستحسن الحضور فيها، كسائر المواضيع النافعة، وكمواضيع الأعضاء الخاصة بهم من تهنئة أو تعزية ونحو ذلك، وفي الجانب الآخر التقليل أو القطع من التواجد في المواضيع الغير لائقة بأصحاب المروءات العالية، كالمواضيع التي تتحدث عن بعض الاهتمامات الدنيئة أو التي يكتبها من لا يريد من ورائها إلا إثارة الآخرين وجعلهم يتطاولوا عليه..

ووسطية الكتابة تعني الحرص من قبل الكاتب على تحري المواضيع الواقعية التي تمس المجتمع بصورة مباشرة، بعيداً عن المواضيع التي لا يُناسب طرحها إما لدنوها أو لعلوها عن شريحة القراء الكرام، وسبق أن أشرنا إلى أنه لا ينبغي كتابة كل ما يعرفه المرء، إنما يكتب ما يرى الحاجة تدعو إليه، وسطاً بين تحرر غير مقبول وتشدد غير مبرر..

 

(28) ابذل خدمتك للآخرين بما تستطيع..

وإذا رأيت بأن أحد الأعضاء أو الزوار بحاجة إلى خدمة ما، سواء كانت في الشبكة العنكبوتية أو في الحياة العامة وبمقدورك تلبيتها له فلا تبخل عليه بذلك، بل اخدمه بقدر ما تستطيع وكن سبباً في تحقيق مبتغاه ورسم البسمة على محياه، وتأكد أنك كما تخدم الآخرين فستجد من يخدمك ويمد إليك يد العون والمساندة إذا احتجت إلى ذلك، وتذكر أن المجتمع إنما بُني على خدمة الناس بعضهم لبعض (كالبنيان يشد بعضه بعضاً)..

 

(29) إياك والمنّ على من قدّمت له معروفاً..

وإذا قدمت لأحد معروفاً أو أسديت إليه خدمة فلا تنتظر منه الشكر، وإياك إياك أن يوسوس لك الشيطان فتتحدث بتفضلك وتكرمك على من أحسنت إليه، فهذه صفة ذميمة تهدم كل ما بنيته ولا تحفظ لك حمداً ولا شكوراً، بل اعمل المعروف مخلصاً فيه لوجه الله ومحتسباً خدمة أخيك المسلم، واترك المنّ والأذى كليّاً، واحرص على ألا يظهر من كتاباتك أو ما تتضمنه من إشارات ما يوحي لمن أحسنت إليه بأنك تمنّ عليه بما قمت به..

 

(30) تذكر أن دعاء المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجاب فادعُ لإخوتك..

ولا تنسى إخوتك وأخواتك من صالح دعواتك كلما تذكرتهم، في صلاتك وسجودك، وعند إفطارك إذا صمت، وفي سفرك، وبين الأذان والإقامة، وفي سائر الأوقات التي تدعو فيها، فلهم حق الأخوة عليك، ولا شك أنك قد استفدت من أحدهم وتعلمت من الآخر وصححت بعض أفكارك من الثالث، فاشملهم جميعاً بدعائك الصادق أن يحفظهم الله ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمارهم وأعمالهم وأموالهم وذرياتهم وأزواجهم ويغفر لهم ولوالديهم..

وكاتب هذه الأسطر أيضاً يطلب منك الدعاء له ولوالديه فلا تنسى أخاك ووالديه من صالح دعائك..

 

وختاماً أحبتي الكرام..

بانتهاء هذا الجزء تكون شمس هذه السلسلة المُباركة قد دنا وقت رحيلها وهاهي تتوارى على استحياء معلنة انتهاء تواجدها بيننا، وهي وإن انتهى حضورها النظري إلا أننا نأمل ونرجو أن يستمر حضورها التطبيقي من خلال تخلقنا بهذه الذوقيات وحرصنا الدؤوب على تطبيقها بقدر استطاعتنا أثناء تواجدنا في المواقع الحوارية على الشبكة وعلى رأسها هذا الموقع المبارك، وكما أشرتُ سابقاً فهذه السلسلة كتبتها لنفسي أولاً ثم لإخوتي وأخواتي، راجياً ومؤمّلاً أن يكتب الله بها النفع والفائدة وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply