أدخلوا أبويه معه الجنة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت تعمل معلمة في السعودية...ولديها طفلان... ثم نزلت في الإجازة السنوية إلى بلدها وزيارة الأهل، وفي الإجازة حدث ما لم يُتوقع لقد نزل صهيب الصغير صاحب الأربع سنوات مع أقاربه ليشتري حلوى، وهو يعبر الطريق ترك أيديهم وجرى فصدمته سيارة فمات على الفور، فأخذوه بسرعة إلى المستشفى لإنقاذه... ولكن دون فائدة، فأخبروا والديه بنبأ وفاته، ويا له من نبأ قاسٍ,، جرى الأب والأم على المستشفى وجلسوا يسترجعون ويحمدون الله، تبكي أعينهم وقلوبهم ولا يقولون إلا ما يرضي ربهم.

وقد يقول قائل يمكن لهذه الأم أن تحمل وتنجب طفلاً آخر، ولكن العجيب أن هذه المرأة لم تنجب إلا بعد سنوات من العلاج، وأيضاً لم تنجب الطفل الثاني (صهيب) إلا بعد سنوات من العلاج، ثم يأتي قضاء الله ويموت هذا الطفل في الإجازة الصيفية.

 

 رجع الأب والأم والابنة إلى السعودية، وذهبت هذه الأيام الأم الثكلى إلى الطبيبة لتبدأ رحلة العلاج الذي قالت عنه الطبيبة إن الأمل ضعيف في الإنجاب... فتوجهت هذه الأسرة إلى مكة لعمل عمرة للتوجه إلى الله بالدعاء والصلاة حتى يهدأ القلب والنفس مما أصابهم من الحزن، ثم رجعت الأسرة إلى بيتها وبعد شهر أكرم الله هذه الأم بالحمل، وهذه كانت مفاجأة ربانية ومعجزة كما قالت الطبيبة، والحمد لله أنجبت ((صهيب)) وعوضها الله عن طفلها الصغير الذي فقدته في حادث في نفس العام، ترى ماذا ينتظر الوالدين من أجر في الآخرة؟

 

عزيزي القارئ والقارئة:

 كثير من الأزواج يموت لهم أبناء صغار قبل الولادة أو بعد الولادة أو بعد سنوات قليلة فيحزن الحزن الشديد وقد لا يعلم الحكمة العظيمة من هذا البلاء على الزوجين، ونحن هنا نكشف عن جانب من جوانب أهداف الزواج التي تتعلق بالآخرة، وتكون في ميزان العبد يوم القيامة وهذا الجانب هو:

موت الولد قبل أبيه شفاعة للأب، وهو مدار الحديث في هذا المقال:

 

المسلم المسافر:

إن المسلم منذ أن خلقه الله يصبح في سفر من محطة الدنيا إلى محطة الآخرة، ولابد أن يصل إلى ربه في النهاية: ((يَا أَيٌّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدحاً فَمُلَاقِيهِ)) [الانشقاق: 6]

فإن العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كُتب له، ثم جُعلت الأيام والليالي لسفره فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر، بما في هذه الأيام والليالي والمراحل من آلام وأحزان وسرور وصبور وأحداث لا يعلم الحكمة منها إلا الله - تعالى -...

والسؤال الآن كيف يتعامل الزوجين مع هذه المحنة بل المحنة من الله إذا مات طفلهم الصغير قبل أن يبلغ؟

ونحن هنا نهدي هذه الباقة من الهدايا الربانية إلى كل زوجين في فلسطين والعراق ولبنان وكل بلد إسلامي يموت فيه الأطفال ليل نهار فتابع معي عزيزي القارئ:

1- الصبر عند الصدمة الأولى:

مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة تبكي عند قبر فقال: ((اتقي الله واصبري)) فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم -فلم تجد عند بوابين فقالت: لم أعرفك، فقال: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) متفق عليه.

 

2- بيت الحمد في جنة الرحمن:

 عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: ((إذا مات ولد العبد قال الله - تعالى - لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله- تعالى -: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)) رواه الترمذي.

حمدك واسترجع: أي قال: الحمد لله وإنا لله وإنه إليه راجعون.

وقد قال - تعالى -عن هذا الصنف الكريم: ((وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ, مِّنَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيهِ رَاجِعونَ)) [البقرة: 155: 156].

وهذه ثمرة من ثمرات الرضا بقضاء الله - تعالى -:

 

 3- سراء.. ضراء.. كله خير:

 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرّاء (ما يسّره) شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء (ما يضّره) صبر فكان خيراً له)) رواه مسلم.

 

 4- الجزاء الجنة:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((يقول الله - تعالى -: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صفيه (أي حبيبه) من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) رواه البخاري.

 

5- عظم الجزاء مع عظم البلاء:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن البلاء - تعالى -إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي.

 

 6- فضل من مات له أولاد صغار:

 عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث (أي لم يبلغوا الحلم فُتكتب عليهم الآثام) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)) متفق عليه.

 

 وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، قال: ((اجتمعن يوم كذا وكذا)).

 

 فاجتمعن، فآتهن النبي فعلمهن مما علمه الله ثم قال: ((ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار، فقالت امرأة، واثنين؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -واثنين)) متفق عليه.

 

 7- موت الولد قبل أبيه شفاعة للأب:

 فقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أن الطفل يجر بأبويه إلى الجنة)).

 ((يأخذ بثوبه كما أنا الآن آخذ بثوبك)).

 

 وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المولود يُقال له ادخل الجنة فيقف على بابها، ويقول لا أدخل الجنة إلا ومعي أبوي فيُقال: ادخلوا أبويه معه الجنة)).

أما الأطفال فيجتمعون في موقف يوم القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقُال للملائكة: اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة، فيقفون على أبواب الجنة فيقُال لهم: مرحباً بذراري المسلمين، ادخلوا لا حساب عليكم، فيقولون وأين أباؤنا وأمهاتنا؟ فتقول لهم الخزنة: ((إن آباءكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم إنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون بها، قال فيتضاغون ويضجون، على أبواب الجنة ضجة واحدة، فيقول الحق - سبحانه - وهو أعلم بهم: ما هذا؟

فتقول الملائكة سبحانك ربنا، أطفال المسلمين قالوا لن ندخل الجنة إلا مع آبائنا فيقول الله - تعالى -: تخللوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم الجنة.

8- وأخيراً عزيزي القارئ، القارئة تصور وتخَّيل معي أنك قد تزوجت ورزقك الله بطفل ثم توفى قبل أن يبلغ الحلم فحمدت الله واسترجعت فكيف يكون حالك، وما هو أجرك في الدنيا وأيضاً في الآخرة يقول الله - تعالى -: ((وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)) [البقرة: 155]

وقد قال اندرو كارنجي: الإنسان الذي يمكنه الصبر يمكنه إتقان أي شيء آخر.

وقال بلانتوس: ((الصبر هو أفضل علاج لأي مشكلة)).

هل معنى ذلك أننا لا نبكي ولا نحزن على فراق أحبابنا الصغار؟

إن البكاء على المبيت يجوز بغير ندب ولا نياحة، والحزن طبعاً لفراق الأحباب أمراً قلبياً طبيعياً ومما يؤكد هذا موقفان:

 الأول: عن أسامة بن زيد - رضي الله عنها -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -رُفع إليه ابن ابنته وهو في الموت ففاضت عينا رسول الله، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: ((هذه رحمة جعلها الله - تعالى -في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)). متفق عليه.

الثاني: عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان (تدمعان)، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: ((يا بن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى فقال: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا)) وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) رواه البخاري.

 

من علامات الصحة النفسية:

تختلف قدرة الناس على تحمل الصعوبات التي تواجههم في الحياة، فنجد بعض الناس تصل إلى حالة من الانهيار عند تعرضهم للاحباطات والمواقف وخاصة في حالة الصدمات بسبب موت عزيز أو حادث أو زلزال أو، أو...، وبعض الناس تكون ذات صلابة قوية إزاء مواقف الحياة وعلى درجة عالية من التحمل والصمود.

وتعد قدرة الفرد في مواجهة المواقف التي تواجهنا في الحياة اليومية من علامات الصحة النفسية السوية، وبين أيدينا الآن نموذجاً فريداً في القدرة على مواجهة المواقف وخاصة فقد الطفل الصغير، إنها أم مات طفلها الصغير فوضعته مسجى في مكان من البيت وقالت لأهلها لا تحدثوا الأب بابنه حتى أحدثه أنا، فجاء الأب فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنّعت له (أي تجّملت) أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها، (أي جامعها) فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قال: أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، فقالت فاحتسب ابنك.

هل عرفت عزيزي القارئ من تكون هذه الأم؟

 

 إنها أم سليم بنت ملحان امرأة أبي طلحة، الذي دعا لها الرسول عندما شكي له أبو طلحة ما فعلت زوجته، وقاله له الرسول: بارك الله في ليلتكما، فحملت -وهذا الجزاء في الدنيا- وولدت عبد الله، فقال رجل من الأنصار: رأيت تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن من أولاد عبد الله المولود، أما أجرها في الآخرة فقد كانت من الذين رآهم النبي وسمع أصواتهم في الجنة قال - صلى الله عليه وسلم -: ((دخلتُ الجنة فسمعتُ خشفة بين يدي، فقلتُ ما هذه الخشفة، فقيل:الغميضاء بنت ملحان)) أخرجه مسلم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply