راعوا ظروفهم وأحوالهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يلتقي الناس في مناسبات جميلة، الأقارب والجيران والأصدقاء، وهذا شئ جميل والتواصل مطلب شرعي ولاشك، لكنّ الأغنياء منهم قد يغفلون عن جلسائهم من الفقراء والمحتاجين فيتكلّفون في مناسباتهم الخاصة، ويظهرون بأحسن وأبهى وأجمل صورة في المأكل والمشرب والملبس، لأنّ الله - تعالى -قد أنعم ووسّع عليهم، أمّا أصحاب الحاجة من جلسائهم فلا يدركون ذلك، وقد يضطرون إلى الاستدانة لمواكبة مجالسيهم من الموسرين، ويحدث هذا مراراً وتكراراً وخصوصاً بين الأقارب، فالفقير إذا جاء دوره، واقتربت مناسبته ووليمته علاه الهمّ والغمّ، كيف سيظهر أمام ضيوفه وخصوصاً الأغنياء منهم بالمظهر اللائق؟

فضلاً عمّا يدور في عالم النساء من حيث الملبس ونحوه مما يثقل كاهل الضعيف فتنقلب المناسبة السعيدة إلى حزن وكآبة، فالأب يقول: ماذا يسعني فعله؟ والأمّ تقول: البنيّات لهنّ مطالب وحاجات حتى يظهرن أمام مثيلاتهنّ بما يناسب فتضعف أمام إلحاحهنّ، وتلبّي اضطراراً، أمّا الضيوف فقد قطفوا ثمرة هذه الترتيبات، وآخر عهدهم بالمناسبة قولهم (أطعم الله من أطعمنا.. إلخ) دون أن يشعروا بالمعاناة،

 

وهنا كلمة لابد منها للأغنياء: راعوا ظروفهم وأحوالهم، ولا تتكلفوا في كل شئ فيتكلفون مثلكم، أنتم تستطيعون، وهم لا يستطيعون، أنتم لا تتأثرون مالياً، وهم قد تأثروا وغصّوا... ما المانع، -حتى وإن كنتم موسرين أن تتواضعوا في كل شئ حتى لا ترهقوهم، بل حتى تشجعوهم على عدم التكلّف فإذا رأوا منكم تواضعاً في المأكل والمشرب والملبس في المناسبات، فإنّ ذلك يحفّزهم ويشجعهم على استمرارية التواصل والألفة والمحبة، وكم من غني تواضع لأقربائه وجيرانه وأصحابه ذوي الحاجة فاقتربوا منه وأحبّوه وأنسوا برؤيته، وبالمقابل كم من غني غفل عن هذه الفئة فظهر أمامهم بأغلى وأحسن وأبهى وأجمل صورة، فعجز ذوو الحاجة عن مجاراته ومحاكاته ومسايرته فاعتذروا عنه وتركوه، وخافوا على نسائهم من الاختلاط بنسائه حتى لا يتأثرن فيمارسن الضغط عليهم وظروفهم لا تسمح، وخافوا على أولادهم من الاختلاط بنظرائهم فآثروا القطيعة، والمشكلة تزداد إذا كان بين الأقارب جدّاً كالإخوة والأخوات.

ولذا سمعت عن أم فقيرة، ولها أولاد في سنّ المراهقة لم تصل أختها الغنية وهي ذات أولاد أيضاً - منذ زمن، والسبب: هو التفاوت بينهما في هذا الجانب، تقول الفقيرة: ما ذنب أولادي إذا رأوا أبناء خالتهم عليهم أثر النعمة والغنى؟ ينظرون إليهم يريدون مثلهم وأنا لا أستطيع توفير ما يريدون، وأختى هداها الله - ترى فقرنا وحاجتنا ولم تحرّك ساكناً سوى فرحتها بمجيئنا وإكرامنا بما جرت العادة أن يكرم به كل ضيف، لم تقل يوماً: هذا لابنك، وهذه لابنتك، هذه هدية لأولادك بمناسبة كذا وكذا، أنا لا أتسوّل لكن يجدر بكل أخت غنية أن تصل أختها المحتاجة بما يرسم البسمة على محياها خصوصاً إذا كانت ذات أولاد، ومتطلبات الحياة كثيرة، ذات يوم دعوتها لوليمة عشاء، فآثرت عدم التكلّف فرفض أولادي إلا التكلّف بما يليق بخالتهم وأولادها، وقالوا: ستخجليننا إن لم تتكلّفى، لابد أن نظهر بالصورة المشرفة حتى لا يظنّوا أننا...!!!! فوافقت الأم على مضض وتكلّفت كثيراً، ولم تنته من تسديد تكاليف العشاء إلا بعد ثلاثة أشهر، والله المستعان، إذاً راعوا ظروفهم وأحوالهم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply