حسن الخلق وأخلاق السلف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تعريف حسن الخلق:

جاء في لسان العرب: الحُسن: ضد القبح ونقيضه. وقال الأزهري: الحسن نعت لما أحسن وقال الجوهري: الجمع محاسن. وحسنت الشيء تحسيناً: زينته، وأحسنت إليه وبه. وروى الأَزهري عن أَبي الهيثم أَنه قال في قوله - تعالى -في قصة يوسف -على نبينا و- عليه الصلاة والسلام -: {وَقَد أَحسَنَ بِي إِذ أَخرَجَنِي مِنَ السِّجنِ} [يوسف: 100]أي: قد أَحسن إلي. وقوله - تعالى -: {وَصَدَّقَ بِالحُسنَى} [الليل: 6] قيل: أَراد الجنّة وكذلك قوله - تعالى -: {لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] فالحُسنى هي الجنّة، والزِّيادة النظر إلى وجه الله - تعالى -. وقوله - تعالى -: {قُل هَل تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحدَى الحُسنَيَينِ} [التوبة: 52] الحُسنَيان: الظفَر أَو الشهادة. تعريف الخلق: الخُلُق هو الدِّين والطبع والسجية، والخُلُق: المُرُوءة. وأَنت خَليق بذلك أَي: جدير. وقال المفسرون في قوله - تعالى -: **مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاَقٍ,}[البقرة: 102] الخلاق: النصيب من الخير. وأَنشد حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:

فَمَن يَكُ منهم ذا خَلاق، فإنَّه *** سَيَمنَعُه من ظُلمِه ما تَوَكَّدا

والأخلاق اصطلاحاً: صفات سلوكية إرادية حسنة أو قبيحة.

حسن الخلاق اصطلاحاً: ـ {البِرٌّ حُسنُ الخُلُقِ وَالإِثمُ مَا حَاكَ فِى صَدرِكَ وَكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ} رواه مسلم 6680 عبد الله المبارك وَصَفَ حُسنَ الخُلُقِ فَقَالَ: هُوَ بَسطُ الوَجهِ وَبَذلُ المَعرُوفِ وَكَفٌّ الأَذَى. الشَّافِعِىَّ يَقُولُ: المُرُوءَةُ أَربَعَةُ أَركَانٍ,: حُسنُ الخُلُقِ، وَالسَّخَاءُ، وَالتَّوَاضِعُ، وَالنٌّسُكُ. وقوله - تعالى -: {وَيَدرَؤونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد: 22] أي: يدفعون بالكلام الحَسَن ما وردَ عليهم من سَيِّءِ غيرهم. وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة بوصية عظيمة فقال: يا أبا هريرة! عليك بحسن الخلق}. قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: وما حسن الخلق يا رسول اللّه؟ قال **تصل مَن قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتُعطي من حرمك. رواه البيهقي

إذاً فحُسن الخُلق اصطلاحاً: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن، ومدارة للغضب، واحتمال الأذى. علاقة الأخلاق بالإيمان وسبب عدم تقيد المرجئة به: روى أبو داود وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً: (أكمل المؤمنين أحسنهم خُلُقاً). وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً) وروى الحاكم عن ابن عمر مرفوعاً: (أفضل المؤمنين أحسنهم خُلُقاً) الإيمان كما يُعرِّفه أهل السنة و الجماعة: هو اعتقاد بالقلب، و قول باللسان و عمل بالجوارح والإسلام عقيدة ينبثق منها أعمال و أقوال و أخلاق، وليست مجرد معرفات ذهنية، و قواعد نظرية، وإيمانيات قلبية، ثم لا أثر لذلك كله على سلوك العبد ومواقفه و أخلاقه في كل جوانب الحياة {قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} {الأنعام /162} و الأخلاق هي لا شك من أعمال الجوارح، كما أنها من أعمال القلوب ـ لا أدري إن كان المرجئة يفهمون ما نقول ـ قلنا بأن الأخلاق أعمال الجوارح و من هنا تبرز أهمية حسن الخلق. يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: « التوحيد ألطف شيء وأنزهه و أنظفه و أصفاه، فأي شيء يخدشه ويدنسه و يؤثر فيه، فهو كأبيض ثوب يكون، يؤثر فيه أدنى أثر، و كالمرآة الصافية جداً أدنى شيء يؤثر فيها، ولهذا تشوشه اللحظة، واللفظة، والشهوة الخفية، فإن بادر وقلع ذلك الأثر بضده، و إلا استحكم، وصار طبعاً يتعسر عليه قلعه» كتاب الفوائد ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىٌّ قَلبٍ, أُشرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ وَأَىٌّ قَلبٍ, أَنكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرٌّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ وَالآخَرُ أَسوَدُ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلاَ يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ} رواه أحمد و هو في صحيح مسلم فالأخلاق السيئة و الإصرار عليها، و استمرائها، قد يخدش في العقيدة نفسها فالتدرج بمتابعة المنكر حتى تستأنس القلوب به و من ثم الرضى به ثم إقراره يؤدي به إلى أن يصبح قلباً أسوداً مجخياً كما مر معنا في حديث حذيفة - رضي الله عنه -. من مآثر السلف - رحمهم الله - في حسن الخلق · يقول الإمام مالك - رحمه الله - \" بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام قالوا: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا \" · يقول لقمان الحكيم: \" إن العالم يدعو الناس إلى علمه بالصمت والوقار\" · وقال الإمام الشافعي: \" من وعظ أخاه بفعله كان هاديا \" · ابن وهب: \" ما تعلمت من أدب مالك أفضل من علمه\" · قال يونس بن عبيد \" كان الرجل إذا نظر إلى الحسن انتفع به وان لم ير علمه ولم يسمع كلامه\" · وجاء في مأثور الحكم: \" جميل أن تذكر الله ولكن الأجمل أن تذكِّر الناس بالله \" · وقيل: \" من لم تهذبك رؤيته، فاعلم انه غير مهذب، ومن لم ينعشك عبيره على بعد فاعلم انهلا طيب فيه ولا تتكلف لشمه\" · يقول مالك بن دينار: \" إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا \" · قال الفضيل بن عياض: لا تخالط سيئ الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر. وقال أيضًا: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابدٌ سيئ الخلق. · وقال الحسن: من ساء خلقه عذب نفسه. · وقال يحيى بن معاذ: سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنةٌ لا تضر معها كثرة السيئات. · وقال شهر بن حوشب: \" إذا حدث الرجل القوم فإن حديثه يقع من قلوبهم موقعه من قلبه · وسئل الحسن البصري رحمه الله: \" ما بالنا نعظ الناس فتبكيهم وأنت تعظ الناس فتبكي؟ فقال: \" ليست النائحة كالثكلى\" قال أبو حازم سلمة بن دينار - رحمه الله -: \"السيئُ الخلق أشقى الناس به نفسُهُ التي بين جنبيه، هي مِنه في بلاء، ثم زوجتُهُ، ثم ولدُهُ، حتى أنه ليدخل بيته، وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته، فينفرون منه فرَقًا منه، وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى إن قِطَّهُ ليفر.

قال ابن القيم - رحمه الله -: ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان: الجهل والظلم والشهوة والغضب. فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن. والكمال نقصا والنقص كمالا. والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضى، ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل ويبذل في موضع البخل، ويحجم في موضع الإقدام ويقدم في موضع الإحجام، ويلين في موضع الشدة ويشتد في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزة ويتكبر في موضع التواضع. والشهوة: تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والنهمة والجشع والذل والدناءات كلها. والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه. ويتركب من بين كل خلقين من هذه الأخلاق: أخلاق مذمومة. وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس في الضعف وإفراطها في القوة. فيتولد من إفراطها في الضعف: المهانة والبخل والخسة واللؤم والذل والحرص والشح وسفساف الأمور والأخلاق. ويتولد من إفراطها في القوة: الظلم والغضب والحدة والفحش والطيش. ويتولد من تزوج أحد الخلقين بالآخر: أولاد غية كثيرون (أي أخلاق سيئة كثيرة). فإن النفس قد تجمع قوة وضعفا. فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر، وأذلهم إذا قُهر، ظالم عنوف جبار، فإذا قهر صار أذل من امرأة. جبان عن القوي، جريء على الضعيف. فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضًا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply