لا تجزع إذا تأخرت إجابة الدعاء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة ولا يرى أثرا للإجابة، فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر.

 

وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب ولقد عرض لي من هذا الجنس.

فإنه نزلت بي نازلة، فدعوت وبالغت، فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده، فتارة يقول: الكرم واسع والبخل معدوم، فما فائدة تأخير الجواب؟

فقلت له: اخسأ يا لعين فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلا.

ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك ومساكنة وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو لكفى في الحكمة..

قالت: فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة.

فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله - عز وجل - مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه.

 

والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.

والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة والاستعجال مضرة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يزال العبد في خير مالم يستعجل، يقول قد دعوت فلم يستجب لي.

 

والرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت لدعاء في غفلة أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه.

 

والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب فربما كان في حصوله زيادة إثم أو تأخير عن مرتبة خير فكان المنع أصلح.

والسادس: أنه ربما كان ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجا وحصوله سببا للاشتغال عن المسئول.

وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ. فالحق - عز وجل - علم من الخلق اشتغالهم بالبر عنه فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به، فهذا من النعم في طي البلاء.

 

-----------------------------

صيد الخاطر..... ابن الجوزي

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply