نحو حوار صادق ... العفو والإحسان


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 إن من قيمنا الإسلامية الرفيعة، وأخلاقنا السامية، هذا الخلق الذي نحن أحوج ما نكون إليه وبخاصة في عالمنا المعاصر، أعني بذلك خلق العفو والإحسان، فكل منَّا مفتقر إلى عفو الله ورحمته وإحسانه إليه، وقرآننا الكريم يقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) النحل: 90.

 

والإنسان مهما سما به خلقه فإنه معرَّض إلى أن تعثر به قدمه، ولذا دعاؤنا دائماً (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا). وإنه لشيء يسر الجميع أن تتفق قبيلتان عريقتان من القبائل العربية الإسلامية وهما قبيلتا <العجمان والحوارين> يقول الله - سبحانه - (والصلح خير···)، هذا وإن كان القصاص من القاتل حقاً مشروعاً يدخل في نطاق العدل، إلا أن العفو عنه واللجوء إلى الصلح أمر يرغب فيه الإسلام، وهو يدخل في نطاق الإحسان، ونحن دائماً نرفع أيدينا بالدعاء إلى الله أن يعاملنا بإحسانه وفضله لا بما نستحقه.

إن ما اتفقت عليه القبيلتان يقع في دائرة قول الله - تعالى -: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) البقرة: 178.

ما أحوج المسلمين إلى أن يترجموا قيم الإسلام وأخلاقه الفاضلة إلى واقع متحرك، لا مجرد صور ذهنية وهذا هو ما أقدمت عليه القبيلتان، إنهما حققتا بموقفهما هذا صورة اجتماعية تدل على تلاحم المجتمع والتعاون على البر والتقوى، فما أعظم أن يتحكم الإنسان في نفسه ويعفو عمن ظلمه، قال - تعالى -: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران: 13.

 

وإن مبدأ العفو عن القاتل أو أخذ الدية منه هو مبدأ إسلامي تتحقق به الرحمة بين المسلم وأخيه··· فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس قوله: كانت بنو إسرائيل إذا قتل فيهم القتيل عمداً لا يحل لهم إلا القود، وأحل الله الدية لهذه الأمة، فأمر هذا أن يتبع بمعروف، وأمر هذا أن يؤدي بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن شريح الخزاعي <أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: <من أصيب بقتل أو جرح فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالداً فيها أبداً).

ولقد اشتهر تاريخنا الإسلامي بصور من العفو يأتي في مقدمها موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما فتح مكة وجمع أهلها ثم قال: <ما تظنون أني فاعل بكم>؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم فقال - صلى الله عليه وسلم -: <اذهبوا فأنتم الطلقاء>.

ولقد همَّ أبو بكر - رضي الله عنه - أن يتخذ موقفاً تحت ظرف معين، وقد سيء إليه فيه، فلما دُعي إلى العفو، سارع - رضي الله عنه - إلى الأخذ به والإحسان إلى المسيء، وقد سجَّل القرآن الكريم هذا الموقف في سورة النور: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) النور: 22.

نرجو الله - سبحانه - أن يوفقنا لنشر المحبة والود والتعاون على البر والتقوى والتغلب على نزعات النفس والهوى والأخذ بأسمى الأخلاق حتى تسود هذه الروح الطيبة التي جمعت بين القبيلتين كل المجتمع.

وهذه في الحقيقة هي ثقافتنا الإسلامية التي نعتز بها.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply