من لا يملك النصح يملك الدعاء


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

سماحة الشيخ صالح اللحيدان يتحدث عن النصيحة: من لا يملك النصح يملك الدعاء.

من النصح للنبي -صلى الله عليه وسلم- متابعة سنته والصلاة عليه امتثالا لأمر الله وطلبا للأجر العظيم.

إذا نصحت لله وأخلصت العبادة لربك انفتحت لك أبواب الخير والسعادة.

انشغل الناس عن القرآن بصوارف الزمان..فهل من عودة إلى كتاب الله تلاوة وتعلما وعملا.

الواجب علينا طاعة أئمة المسلمين وولاة أمرنا والنصح والدعاء لهم..فصلاح الأئمة هو صلاح للأمة.

النصيحة شأنها عظيم في الإسلام ونتائجها دائما ما تكون طيبة على الفرد والمجتمع، الذي يتخلى عن النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصيبه ما يصيبه من الفساد وانتشار المنكرات وتفشي الأمراض الاجتماعية التي لا تكون عاقبتها حميدة كما تدل على ذلك الشهود، وقد أمر المسلمون كل على قدر استطاعته بالقيام بواجب النصيحة وبذل النصح بطرقه المشروعة بالأسلوب الذي حدده القرآن الكريم وبينته السنة المطهرة.. لكن النصيحة لله كيف تكون؟ وماذا يعني النصح للرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف نفهم مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (الدين النصيحة)، ثم فصل فقال: (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)؟.. هذا ما دارت حوله الكلمة الطيبة والمفيدة التي ألقاها سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في اللقاء المفتوح الذي عقد مؤخرا بجامع الأمير فيصل بن فهد بالرياض وحضره جمع غفير من طلبة العلم والمتابعين للمحاضرات والدروس العلمية التي تعقد بمساجد المملكة.

 

الدين النصيحة:

وقد تحدث سماحة الشيخ اللحيدان عن النصيحة موضوع هذا اللقاء المفتوح فبين اهتمام الإسلام بأمر النصح والنصيحة ودور النصيحة في صلاح أحوال الناس، وافتتح سماحته بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء فيه: (الدين النصيحة، قالها ثلاثا، فقال الصحابة رضوان الله عليهم: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). وفي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبايعهم على شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والنصح لكل مسلم).

وفي حقوق المسلم على المسلم: حق المسلم على المسلم خمس، وفي رواية ست ومنها إذا استنصحك فانصح له.

(النصيحة لله) طاعته بإخلاص العبادة له - جل وعلا -، والالتزام بما شرعه لعباده في عبادتهم وعلاقاتهم فيما بينهم وفي طلب أرزاقهم وفي كسب أموالهم وانفاقه. يطيعون الله - جل وعلا - في كل الأمور، إذا خلا أحدهم بنفسه أو خلا بإخوانه، يتذكر المسلم أن الله رقيب عليه، ويقف عند ما أحله الله - جل وعلا - ولا يتجاوزه إلى ما حرم، يعظم شعائر الله - جل وعلا - بإخلاص العبادة له وبأداء فرائض الدين، أن الله - سبحانه - غني عن العباد، وعبادة العباد لربهم فيها مصلحة لهمº فطاعتهم لا تنفعه - جل وعلا - ومعصيتهم لا تضره - سبحانه - {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها}[الإسراء: 7].

النصح لله ألا يقول الإنسان على ربه ما ليس له به علم وإنما يتقيد بما جاء عن الله - جل وعلا - ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، النصح لله أن يحب العبد ما يحبه الله ويكره ما يكرهه - جل وعلا -، إذا خلا العبد بنفسه لا يقول لا أحد يراني وإنما يتذكر أن ربه مطلع عليه ويرى - سبحانه - السر وأخفى.. إن بعبادة الناس لربهم وإخلاصهم في العبادة هي النصيحة لله، وبهذه النصيحة والعبادة والإخلاص تنفتح أبواب الخير للعباد وتكون حياتهم مباركة سعيدة.

 

كيف ننصح لكتاب الله؟

وتحدث سماحة الشيخ صالح اللحيدان عن النصيحة عندما تكون لكتاب الله وكيف ينصح المسلم لكتاب الله فيقول إن النصح للقرآن الكريم هو بتلاوته والاجتهاد في حفظه والعمل به، أن يقرأ المسلم القرآن متلذذا بكلام رب العالمين فليس هناك أحد أحسن قولا من الله، فكلام الله أوفى الكلام وأجله، فالنصح للقرآن ولكتاب الله الرغبة في قراءته وتدبر معانيه والتنبه إلى النداء عندما يأتي في القرآن {يا أيها الناس}، {يا بني آدم}، {يا أيها الذين آمنوا}، {يا عبادي}، يتنبه قارئ القرآن إلى ألفاظه المحكمة ثم يحرص أن يعمل بما يقرأ إن كان أمرا التزم بأوامر الله - جل وعلا - وإن نهيا انتهى، إن من لطف الله بالعباد أنه في الأوامر لا يطالب عباده إلا بما يقدرون عليه، فقد يقرأ العبد أمرا وهو يعجز القيام به، ولهذا يقول - جل وعلا -: {فاتقوا الله ما استطعتم}، أما المنهيات يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وما نهيتكم عنه فاجتنبوه) ولا بد لقارئ القرآن أن يتأثر بالقرآن وما ورد فيه من القصص والعبر، فلم ترد هذه القصص وأنباء من قبلنا لمجرد تلاوتها والمرور عليها فقط، وإنما لا بد من أخذ العبر والعظة. فما أورده القرآن من قصص هي عبر وعظات وبيان للاتعاظ والاعتبار، فهذه القصص عن مصارع الهالكين لا بد أن يتوقف عندها قارئ القرآن متسائلا: لماذا أغرق من أغرق؟ ولماذا خسف من خسف؟ ولماذا أهلكت الريح من أهلكت؟ كل ذلك بسبب عصيانهم لله - جل وعلا - وصدهم عن الحق..

ينبغي للمسلم أن يجعل لبيته جزءا من القرآن الكريم فالبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن كالبيت الخرب، والبيت الذي يقرأ فيه القرآن هو بيت مضيء تتهيأ له الحراسة، وبيت تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه الشيطان.

في هذا الزمان تكاثرت الصوارف وتعددت الملهيات التي تلهي وتصرف عن قراءة القرآن، ما بين فضائيات وصحف ومجلات وانترنت وغير ذلك، وكلام كثير لا ينفع وربما كان كلاما ضار.. وهذا ما ينبغي أن ينتبه إليه المسلم فلا تشغله هذه الشواغل والصوارف، وعليه أن يعطي القرآن حقه تلاوة وحفظا وتدبرا وتعلما وتعليما وعملا به، وهذا هو النصح لكتاب الله.

 

صلوا على النبي:

ويوضح سماحة الشيخ اللحيدان معنى النصيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث النبوي (الدين النصيحة، قيل لمن؟: قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، فيذكر أن النصيحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكون بالصلاة عليه كلما مر اسمه أو ذكر، والإكثار من ذلك امتثالا لقوله - تعالى -: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}[الأحزاب: 56]. ورغبة في الأجر الذي وعد المصلون عليه - صلى الله عليه وسلم – يقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرة).

ومن النصح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعوة لملته هذه الحنيفية السمحة وبيان ما فيها من كمال وشمول ووضوح وترغيب الناس في دعوة الإسلام تأكيدا على أنه لا ينطق عن الهوى وأن كل ما قاله حق لا لبس فيه. ومن النصح له - صلى الله عليه وسلم - متابعة سنته وقراءة وحفظ ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - (أوتيت القرآن ومثله معه) فالسنة توضح ما أشكل في القرآن، والله - جل وعلا - أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبين للناس ما نزل عليهم وقد فعل، فالنصح له الاجتهاد في متابعة سنته، وانصح كل أحد يحسن القراءة أن يتخذ ولو دقائق من وقته يقرأ حديثا أو حديثين ثم يتأمل ما يقرأ من هذه الأحاديث، فإن الإنسان إذا كان له ارتباط بالقرآن الكريم وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقد أخذ بحبل متين للاستمساك بالحق وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن حب الله وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أعظم مرسخات الإيمان، كما أن حب الله وحب رسوله يتذوق به المؤمن حلاوة الإيمان، فما من خير نحن فيه إلا والله جعل محمدا -صلى الله عليه وسلم- سببه ولذلك فما من مسلم يعمل عملا موافقا سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حظ من ذلك لأن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها وهذا من شرف النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

 

من هم أئمة المسلمين؟

وإذا وصلنا إلى النصيحة لأئمة المسلمين كما في الحديث النبوي فما المقصود بأئمة المسلمين؟ يقول سماحة الشيخ صالح اللحيدان: أئمة المسلمين هم من بيدهم الأمر من ملوك وسلاطين ومن له مسؤولية، فالواجب طاعتهم والنصح لهم والدعاء لهم بالثبات على الحق والنصرة في الدين. إن صلاح أئمة المسلمين من أعظم مكاسب الأمة لأن صلاح ولي الأمر صلاح للأمة بإذن الله، وفي الحديث الصحيح (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، وقال: (ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارم الله، فإذا صلح السلطان وصلح الحاكم صلح المجتمع، فلا يقرون منكرا ولا يرضون بباطل ولا يسمحون بالخروج عن الحق واتخاذ طرقا ملتوية، فالنصح لأئمة المسلمين بقدر المستطاع فليس كل إنسان قادر على الوصول إليهم ولكن كل إنسان يستطيع أن يتوجه إلى ربه ويدعو لهم بالصلاح والتوفيق والنصر لهم، وأن يقمع بهم الباطل وينصر بهم الحق وأن يملأ قلوبهم بمخافة الله، فإن من خاف الله أحق الحقوق وحمى الحمى وقمع عن الباطل، ولهذا كان علماء السلف حريصون على الدعاء للحاكم ويقول قائلهم: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لخصصت بها السلطان).

 

بذل النصح للناس:

ويوضح سماحة الشيخ اللحيدان - ضمن حديثه عن النصيحة - أهمية بذل المسلم النصيحة لإخوانه ولطالب النصيحة مبينا أنه إذا لم يبذل النصيحة التي يعرفها لطالبها، كان قد خان الأمانة، وأمر الأمانة خطير حيث جاء في الحديث الصحيح: (أول ما تفقدوه من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدوه من دينكم الصلاة) فالأمانة تفقد وفي وقت مبكر وأما الصلاة إذا افتقدت فلم يبق شيء.

وقد جاءت الأحاديث الكثيرة فيما يتعلق بالنصيحة وأهميتها فالواجب على المسلم أن يؤدي هذا الواجب تجاه إخوانه المسلمين فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجتهد ألا يرى في موقع إثم أو منكر ليكون قدوة، وليحرص الناصح على التزام اللين والرفق في النصيحة وألا ينصح بطريقة يظهر شماتة بأخيه المنصوح، بل لا بد أن يبين له أن نصيحته هي حب في صلاحه وخوف عليه وحرص على هدايته، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوتنا وأسوتنا أبلغ الناس بيانا وأروعهم نصحا وإرشادا وأرحمهم وأبرهم، كيف لا وقد وصفه ربه بأنه {بالمؤمنين رءوف رحيم}، فلا بد أن تعود نفسك أيها المسلم وأيتها المسلمة على حب الخير للناس والحرص على نصيحتهم رغبة في صلاحهم وأن تكون سببا في هداية ضال أو تعليم جاهل أمرا ينفعه في دينه ودنياه فإن أحب الناس لله أنفعهم لعباده.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply