فقه الأخوة في الله ( 2 - 2 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

وسائل حماية الأخوة

إدراك أهميتها: على كل مسلم أن يدرك أهمية الأخوة، وأن يكون كل مسلم عمقاً استراتيجياً لأخيهº يحميه، ويؤازره، ويدرك أنه كثير بإخوانه مع إدراك الثواب الجزيل لهذه النعمة.

معرفة فقه الخلاف: نحن يمكن أن نختلف وأن تتباين وجهات نظرنا دون أن يحنق أحدنا على الآخر أو يحمل لأخيه أية ضغينة، بل نتبع القاعدة الذهبية لصاحب المنار التي تقول: \" لنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه\".

 

استصحاب فقه الأولويات: فقد يكون رأيي صواباً ولكن هناك ما هو أولى منه في مرحلة ما، فإذا عرفنا ذلك عذرنا بعضنا بعضاً، وقوينا من أخوتنا وأعنا بعضنا بعضاً على المهام الموكلة لكل منا.

رفع سقف الخلاف: فينبغي أن نحسن الظن ببعض، وأن تتسع صدورنا للنقد البناء، وأن يعمل كل منا على احتواء الخلاف من جانبه، وكأنه هو المسؤول عن ذلك، وهذا لهدف أسمى وأرفع وأنبل، وهو إثراء روح الأخوة.

رفع مستوى الحوار: لابد من أن يحرص كل منا على نفس أخيه، و ألا يجرحه، وأن يراعي معه أدب الحديث، وألا تكون الأخوة مرادفاً لعدم الحرص في الحديث أو الابتذال فيه، أو زوال الفوارق السنية والاجتماعية، فلا بد من أن نرقى بأسلوب حوارنا، وأن يحترم كل منا الآخر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا\".

 

ثمار الأخوة في الله وآثارها الطيبة

أولاً: على مستوى العمل الجماعي: لاشك في أن روح الفريق ستجعل من كل فرد شعلة نشاط يبذل كل ما في وسعه، ويأخذ بكل الوسائل لإنجاح ما يعد له \"مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى\".

كما سيعمل على تنفيذ ما أعد له هو وإخوانهº فسيكونون جميعاً على قلب رجل واحد لتنفيذ ما اتفق عليه، متناسين أي خلاف قد يكون نشأ في مرحلة ما.

ولا شك في أن أي صف يعمل الجميع به -قيادة وجنوداً- بقلب رجل واحد، متجردين لله ولا يرجون من إنسان جزاء ولا شكوراً، أقدر على تحقيق أهدافه كلها بإذن اللهº فلقد حقق المسلمون الأوائل ما حققوه لعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثم بأخوتهم التي أرساها المصطفي - صلى الله عليه وسلم - حين آخى بينهم.

كما تعزز الأخوة وحدة الصف بكل معانيها، كما قال - تعالى -: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)، فروح الأخوة ستجعله صفاً واحداً يصعب اختراقه وتدميره.

 

ثانياً على المستوى الفردي: إن أول المستفيدين من روح الأخوة هو الفرد نفسه، إذ يستشعر أنه ليس وحيداً، وأن معه إخوانه يساعدونه على تقوى الله، وعبادته، وطاعتهº فقد جاء في الحديث \"إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية\".

كما سيجد فيهم خير الأصحابº فهو إذا ذكر الله أعانوه، وإذا نسي ذكروه.

وعندما يختلط المسلم بإخوانه سيكتسب منهم خبرات، وتجارب متنوعة في شتى المناحي، وسيرتفع بذلك مستوى أدائه في المجالات جميعاً: دعوية، ودنيوية، ومهنية. قال - تعالى -: (وتعاونوا على البر والتقوى).

 

كما سيجد الفرد من بعض إخوانه -ولا أقول كلهم- قدوة حسنة، تقربه من ربه، وتزرع فيه خصالاً، يحاول الوصول إليها دون جدوى، وذلك من خلال معايشته لهمº بل سيقتدي بهم في مختلف الأحوال والأوقاتº فيكتسب قدرات لا تقدر بثمن.

وتعين الأخوة الفرد على الثبات، ذلك أن من يسير في طريق الدعوة إلى الله يكون -بطبيعة الحال- عرضة لملاقاة الأذى، والابتلاء، والفتن، فالطريق محفوفة بالمكارة، مليء بالعقبات، والمسلم في حاجة لإخوانه، وقلوبهم معه، يعينونه على مكاره الطريق، ويتواصون معه بالحق.

 

ثالثاً: على مستوى المجتمع: المجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدر كبير من المحبة و التعاون، ويعرف كل منهم حقوقه وواجباته، يكون في مستوى متميز، حتى لو كان هؤلاء الناس قلةº لأنهم سيكونون قدوة، وسيؤثرون في المجتمع، وسيتأثر بهم المجتمع، وسيرتفع مستواه الإيماني والعلائقي والثقافي..إلخ، مما سيؤثر على إنتاجه في جميع المستويات والجوانب.

هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب، فلقد صمد الصحابة في شعب أبي طالب، وأبلوا بلاءً حسناً، بإيمانهم ثم بأخوتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحديات الداخلية والخارجية، وجاهدوا أفضل الجهاد.

واجهوا في بدر وأحد و الخندق أكبر التحديات، وكانت أكبر عدة لهم، بعد الله ثم إيمانهم الراسخ هي أخوتهم، ووحدة صفهم وتماسكهº فلقد ذاب كل واحد منهم في المجموع، فتشكلت قوة واحدة منهم يصعب اختراقهاº بل كان النصر حليفها.

كما أن المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوة بمكان ليقف في مواجهة شتى التحديات، أو على الأقل الخروج بأقل الخسائرº لأن هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أسرها وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كله على هذه الدرجة العالية من الأخوة والحب في الله؟.

 

رابعاً: على مستوى غير المسلمين: حبنا لبعضنا بعضاً وأخوتنا وروابطنا الإسلامية العظيمة تثير غيظ أعداء الإسلام مهما حاولوا إخفاء ذلكº لأن هذا الجانب الروحي قل -إن لم ينعدم- في مجتمعاتهم المادية.

وإذا وجد أعداؤنا أننا على درجة عالية من الحب والأخوة سيهابوننا، أما تفرقنا وتشرذمنا الآن فهو برد وسلام على قلوبهم، قال - سبحانه -: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله).

و إذا رأى أعداؤنا فينا القوة والصلابة العقدية، والأخوة الملتحمةº فسيؤثر ذلك حتماً فيهم، ويضعفهم معنوياً، إذ كيف يحاربون مجتمعاً متحاباً متعاوناً على قلب رجل واحد؟

ومن جانب آخرº فإن غير المسلمين إذا وجدوا فينا الصورة المشرقة للإسلام ومثله العلياº فربما اتجهوا إلينا لأن الإسلام دين الفطرة.

فالواجب علينا إذاً أن نقدم لهم الصورة المشرفة للأخوة الإسلامية كما قدمها أسلافنا، وفتحوا بسلوكهم المتآخي كثيراً من بقاع العالم.

 

والخلاصة: إذا ازدهرت شجرة الأخوة وترعرعت ونمتº فلابد من أن تنمو شجرة العمل وتزدهر، وتعطي حينها أطيب الثمار. ومن هنا علينا جميعاً -وعلى المخلصين العاملين للإسلام خاصة- أن يعملوا على ازدهار شجرة الأخوة، وعلى حمايتها، وصيانتها من الهجمات الشرسة التي تعمل على اقتلاعها. إننا في حاجة لهذه الروح وهذا الفقهº ليسري في جسد الأمة، فتبعث فيه الحياة بعد طول رقاد.

إن على الدعاة وقادة العمل الإسلامي والمربين العملَ على غرس روح وفقه الأخوة في نفوس إخوانهم من خلال برامح عملية، وكذلك تأصيل هذه الروح وتجذيرها في النفوس، بدلاً من الاهتمام بتوسيع رقعة الانتشار والاهتمام بالكم على حساب الكيف، أو الاهتمام بتوسيع القاعدة على حساب تربيتها.

فلقد انتصر المسلمون في بدر وهم قلة مؤمنة تتمتع بقدر عال من التربية والأخوة، لكنهم انهزموا في حنين على كثرتهم، ذلك أن الكثرة قد تحوي الخَبث الذي سرعان ما ينزوي عندما يواجه محنة أو اختبار.

وأختم بهذه الكلمات الرائعة للشيخ محمد أحمد الراشد في كتابة الرقائق:

\"وهكذا تكون الأخوة بين الدعاة هي الركن المهم في تربيتنا بعد الصلاة والتسبيح، وما من جزء من أجزاء الحركة الإسلامية يقذف بنفسه في ميدان العمل العام قبل إحلال معاني الأخوة الإيمانية في أعضائه إلا ذاق وبال تساهله وتفريطه، ولا مناص من أن تدرج بدايته على طرق الإيمان واستغلال دقائق الليل الغالية، ويكون فيه (أدب الأخوة) مترجماً في تناصح وتكافل وتحاب يجمع القلوب ويعلمها التحالم -إن لم يكن الحلم- عند إبطاء المقصر وتجاوز الملحاح، مثلما يعلمها المكافأة و الوفاء والشكر عند إسراع المبادر وعدل خفيض الجناح\".

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply