كيف تكون ايجابياً؟


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وبعد:

المقصود بهذا العنوان: \" كيف تكون إيجابياً \" هو: كيف يكون الإنسان نافعاً، وكيف يكون الإنسان إيجابياً في نفع المسلمين، ونفع إخوانه، وفي القيام بما أوجب الله من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كيف يكون إيمانياً فيتألم ويتحرق لما يراه من حال المسلمين، فيكون عنده من الهم ما يبعث لديه همةº تجعله ينطلق نحو عمل الخير بجميع وسائله وطرقه، لا يحول دون ذلك حائل.

ونحن بحاجة ماسة لهذا، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، ونشط فيه أهل الباطل نشاطاً لم يسبق، ولهم من الإمكانيات ما لا يخفى، حتى استطاعوا بهذه الإمكانيات أن يغزو المسلمين في بيوتهم، وهذا أمر لا شك أن ظاهره ونتائجه جلية واضحة، وهم والله يعملون على مدار الساعة، والأهداف معروفة ومرسومة، لكن ينبغي أن تنظر إلى هذا بأنه الزبد الذي يذهب جفاءº بشرط أن يوجد الحق، وأن يوضح الحق، والله - سبحانه - قضى أن الحق لابد له من رجال يحملونه وهم مؤهلون لذلك.

ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قام وحيداً ينادي الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، أنقذوا أنفسكم من النار، ولم يكن معه أحد، فقام - عليه الصلاة والسلام - على تربية جيل ورجال يحملون معه هذه المسئولية التي حمله الله إياها، وأخذ يدعو الله، وجاء من حوله أصحابه وأتباعه، ولما اقبلوا إلى الإسلام راغبين نالهم من الأذى والمشقة، ومن التعدي والظلم، ومن الضرب والبطشº الشيء الكثير، حتى كانوا يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيطلبون منه أن يستنصر لهم، وأن يطلب النصر: \" أَلا تَستَنصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدعُو اللَّهَ لَنَا؟ \"رواه البخاري، فكان - عليه الصلاة والسلام - يثبتهم بذكر أمثال الأمم السابقة، وهذا منهج في القرآن، فمن الوسائل التي ثبت بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أخبار السابقين، وأنه له فيها سلف، وهو كذلك كان يقص فكان يقول لهم: ( كَانَ الرَّجُلُ فِيمَن قَبلَكُم يُحفَرُ لَهُ فِي الأرض فَيُجعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالمِنشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُشَقٌّ بِاثنَتَينِ وَمَا يَصُدٌّهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحمِهِ مِن عَظمٍ, أَو عَصَبٍ, وَمَا يَصُدٌّهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأمر حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنعَاءَ إِلَى حَضرَمَوتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَو الذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُم تَستَعجِلُونَ ) رواه البخاري.

وربما قص لهم خبراً طويلاً كما في حديث صهيب عند مسلم في خبر الغلام المؤمن، فهذا كان من وسائل التثبيت لهم - رضي الله عنهم -، ولما اشتد الأذى أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، كل هذا ولم يأت شيء من القوة التي يستطيع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدافع وأن يجاهد بها ذلك الباطل.

فكانت مرحلة تربية حتى يكونوا جديرين بحمل هذا الحق، بحمل هذا القول الثقيل: (( إِنَّا سَنُلقِي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً[5] ))[سورة المزمل].

وهكذا وُجِدَ الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -، فكانوا قد أهلوا ليحملوا هذا الحق، ويجابهوا به الباطل، فانطلقوا وفي فترة قياسية - ما يقارب عشرين سنة - عمَّ الإسلام الأرض تقريباً في ذلك الوقت، ودانت الدنيا بلا إله إلا الله.

فهذه إشارة إلى أن الحق لا بد له من رجال يحملونه، يجابهون به أهل الباطل كما يقول سبحانه: (( بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ[18] ))[سورة الأنبياء]، وليس هناك حق أجلى ولا أوضح من الحق الذي في أيدي المسلمين: كتاب الله، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الأمة لن تضل ما تمسكت به، فهذا الذي نراه من الباطل كله يذهب لو قام أهل الحق بما يجب عليهمº فبينوه، لكن المشكل في أن الباطل يمتد، وأهل الحق كثير منهم لا يقومون بما يجب عليهم، وهناك ضعف، أو شك في الإمكانيات، أو خوف من إمكانيات أهل الباطل، كل هذه الأمور ينبغي أن تنمحي من الأذهان، ولا يمنعنا كل ذلك أن نقوم لله بما يجبº لأن الخطر في القعود والسكوت: (( وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِل قَوماً غَيرَكُم ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمثَالَكُم[38] ))[سورة محمد].

لا بد أن نري ربنا من أنفسنا أننا جديرون بحمل هذه الرسالة وتبليغها للناس، والقيام بما يجب علينا، ومن عجائب قصة النملة: ألا يحتقر الإنسان نفسه، فلو تأملنا القرآنº نجد الله - عز وجل - ضرب لنا مثلاً عجيباً يلفت أنظار الناسº ففي سورة النمل ذكر قصة النمل مع سليمان، يقول سبحانه: (( وَحُشِرَ لِسُلَيمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالأِنسِ وَالطَّيرِ فَهُم يُوزَعُونَ[17]حَتَّى إِذَا أَتَوا عَلَى وَادِ النَّملِ قَالَت نَملَةٌ يَا أَيٌّهَا النَّملُ ادخُلُوا مَسَاكِنَكُم لا يَحطِمَنَّكُم سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُم لا يَشعُرُونَ[18] ))[سورة النمل].

 

لماذا هذه القصة؟

من فوائد هذه القصة: تأملوا فهذه نملة قومها كثر، حتى سمى الوادي بوادي النمل، وهي واحدة.

أولاً: هي شعرت بالخطر المحدق بقومها، فلم تهتم بنفسها فقط وتذهب، بل حملت هم قومها.

ثانياً: لم تهتم فقط بمن حولها من مئات النمل، ولكنها تجاوزت ما هو أكثر من ذلك فإذا هي تنادي جميع النمل: (( يَا أَيٌّهَا النَّملُ )) تنبههم للخطر القادم، ولا حظوا أنها ما احتقرت نفسها، ما قالت: ما قدري في هذا المجتمع، فالنمل كثير جداًف، لكنها رأت أن عليها واجباً يجب أن تقوم به، فقامت به.

ثالثاً: الجيش كبير (( وَحُشِرَ لِسُلَيمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالأِنسِ وَالطَّيرِ فَهُم يُوزَعُونَ )) فما ضعفت لما رأته، ولكنها قامت بما يجب عليها.

رابعاً: هذه النملة تعتذر عن سليمان وجنوده فتقول: (( وَهُم لا يَشعُرُونَ )) فحذرت من الخطر مع أنها أمام أمة لا تريد بها شراً، فنحن أولى بالتحذير، فجيوش الباطل هذه تريد بنا شراً واضحاً، فلا يريدون بقاء الإسلام، يحسدون هذه الأمة على ما هي فيه من استقامة وطهر وعفاف: (( وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً...[89] ))[سورة النساء]، (( وَدَّ كَثِيرٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم...[109]))[سورة البقرة].

هكذا أخبر الله - جل وعلا - عن هذه النملة العجيبة، التي لها همّة، وعندها اهتمام ليس عند كثير منّا.

 

والهدهد أيضاً!

وفي السورة نفسها ذكر الله قصة هدهد سليمان، وكيف أن هذا الهدهد لما رأى أمة تعبد غير الله تأثر لذلك، والقصة طويلة، ولكن نجد في آخرها قوله تعالى: (( قَالَت رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفسِي وَأَسلَمتُ مَعَ سُلَيمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ[44] ))[سورة النمل]، فما الذي جرى؟

أمة أسلمت لله، فمن كان السبب؟

إنه الهدهد، هذا الطائر قام لما رآهم يسجدون للشمس من دون الله فلم يعجبه هذا الأمر، وأوصل الأمر إلى من يستطيع تغيير هذا المنكرº ليقوم بما يجب عليه لله حيال إنكار هذا الشيء الذي لا ينبغي أن يبقى، ونحن نحتاج إلى هذا الأمر خصوصاً في الزمن الذي ينشط فيه أهل الباطل، فماذا فعلنا نحن؟

إن المسئولية عظيمة فلا يكفي أن يجلس كثير منا يهز رأسه كلما سمع بفتنة حصلت، أو شر انتشر، أو داء تفشي، - سبحان الله - نظل نسمع ونهز رؤوسنا، ونقول: الله المستعان، وينجح أهل الباطل، ماذا فعلنا لكي نصلح هذا الواقع؟!

الخير لا يزال موجوداً رآه، فما في قلوب بعض الناس من أن الزمان قد فسد، والناس خربت، وأننا لا نستطيع أن نغير في هذا الوقتº هذا كله لا يصح، فنحن نستطيع إذا قمنا بما يجب، وصدقنا مع الله، وأخلصنا لله، فالله - سبحانه - يفتح ويوفق ما لم يخطر في بال الإنسان، لكن الإنسان ينطلق وهو واثق بربه، فالذين نخشى شرهم وباطلهم هم عبيد لله، نواصيهم بيده، قلوبهم بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فالله - سبحانه - ينصر عباده ويعين، وما صدق إنسان في دعوته وفي نشاطه الحق إلا وفقه الله، نسمع الآن عن شباب يذهبون يدعون في بعض جهات أناس أهل بدعة، وأهل ضلال، يرون أنفسهم على حق، فتعود قرى بأكملها إلى السنة، وإلى الاستقامة، وإلى التوحيد ربما على يد رجل واحد، فالإنسان متى كان عنده نية العمل، وأصبح قلبه متحرقاً لما يرى من الفساد، ومن كثرته، ومن انتشارهº فإن الله إذا علم منه الصدقº سدده وفتح عليه أموراً لم تكن في باله.

لكن المشكلة أن يعمل أهل الباطل و نقف نحن مكتوفي الأيدي، ويظن بعضنا أن العمل لدين الله محصور في خطبة، أو محاضرة... وما إلى ذلك.

لا.. فأبواب العمل لدين الله واسعة ليست محصورة في كرسي أو منبر، ومن أراد أن يعمل فالميدان أمامه، ونحن بحاجة لكل عامل، وبحاجة لكل جهد ولو قليلاً، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما ترك لأحد حجة وهو يقول: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً)رواه البخاري، وركام الباطل حجب بين الناس وبين الخيرº حتى أن بعض الأمور السهلة، والأحكام الظاهرة أصبح بعض المسلمين لا يعرفها اليوم.. لماذا؟

للتقصير في الدعوة، والتقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( مَن رَأَى مِنكُم مُنكَراً فَليُغَيِّرهُ بِيَدِهِ فَإِن لَم يَستَطِع فَبِلِسَانِهِ فَإِن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ ) رواه مسلم، فأين الاستجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

إن الكثير من المنكرات الموجودة في المجتمع تبدأ على استحياء شيئاً فشيئاً، فلو كان المنكر عندما يظهر نقوم بإنكاره، وبيان الحق، وبيان الحكم الشرعيº لوجدنا استجابة، وربما انتهى أمره، فأين غضبنا لله - سبحانه -؟! فلابد من بذل الجهود، ومن مضاعفتها، وأن يدعو بعضنا بعضاً إلى الخير، ولا يكفي صلاح الإنسان في ذاته، فالله - سبحانه - ذكر في كتابه أن العذاب لم يسلط على أهل بلد وفيها من يدعو إلى الإصلاح، وهم المصلحون: (( وَمَا كَانَ رَبٌّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ, وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ[117]))[سورة هود]، أما وجود الصالح فليس ضماناً لسلامة المجتمع من عذاب الله، فقد قالت زَينَبُ بِنتُ جَحشٍ, - رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا - للنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَم إِذَا كَثُرَ الخَبَث ) رواه البخاري ومسلم، وهي المعاصي بأنواعها، فالصالح ينبغي أن يقوم بدوره في الوقوف في وجه الخبث، وذلك على حسب توجيه وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

من دوافع الإيجابية:

من الجوانب التي تدفعنا إلى هذا الخير علم الإنسان بما يترتب من أجر وثواب على هذا العمل العظيم، فعَن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ( فَضلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِي عَلَى أَدنَاكُم )، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّملَةَ فِي جُحرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلٌّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ ) رواه الترمذي.

انظر كم المسافة بين سيد ولد آدم وبين أدناكم!!

هكذا يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المقارنة، وليس المقصود مجرد العلم الذي لا ينفع صاحبه، فإن اله - تعالى-يقول: (( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ[3]))[سورة العصر]، فهذه أربع قضايا مهمة في هذه السورة مترابطة بعضها ببعض، لابد من القيام بها حتى تنجو من الخسارة: (( وَالعَصرِ[1] إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ, [2]))[سورة العصر].

فالمقصود أثر العالم على الأمة، وأثره على الناس، ولن يكون له ذلك الأثر إن لم يكن عاملاً أولاً بعلمه، فالإنسان إذا علم بالأمور المترتبة على هذا العمل العظيم فإن ذلك يكون سبباً في أن يستهين بالصعاب التي ربما واجهها وهو يعمل هذا العمل، عندما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّملَةَ فِي جُحرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلٌّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ ) رواه الترمذي، فأي فضل هذا! وهذا التعليم أحياناً تقوم به بنفسك، وأحياناً تكون سبباً في إيصال العلم والخير إلى الغير، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ( مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ, فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ )) رواه مسلم، فلماذا لا تكون دليل خير؟ فقد يدعو الإنسان إلى شيء من الخير إعذاراً إلى الله، ولكن قد يضعف الإنسان فلا يقوم بهذا العمل فيلتقفه إنسان يسمع منك فيقوم بهذا العمل أو الشيء الذي دعوت إليه، فيكتب لك الأجر كما عمله هو.

بل الأمر أعظم من ذلك فربما تكلم إنسان فاهتدى بسبب هذه الدعوة رجل أو امرأة، ثم أصبح هذا الإنسان داعية، أو ربما أصبح مجاهداً في سبيل الله، أو ربما قتل شهيداً في سبيل الله، فما من خير يحصل عليه إلا كتب لك منه مثلهº لأنك أنت الذي دللته إلى الخير، وهذا والله ما ينبغي أن نتنافس فيه، وأن تسعى في تحصيله، وأن يكون أحد الأهداف في حياة الإنسان، ولنا في نبينا - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، لقد كان من أهم المهمات في حياته - عليه الصلاة والسلام - إنقاذ الناس من الظلام، وهداية الناس: (( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ عَلَى آثَارِهِم إِن لَم يُؤمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً[6]))[سورة الكهف].

وقد وقع في نفس عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما مر به شدة كما مر به يوم أحد، فأخذت تسأل: هل مر بك شيء أشد مما في يوم أحد، فذكر أن لا إلا ما حصل في الطائف، وليست القضية أنهم رموه بالحجارة، إنما أكثر ما أثر فيه - عليه الصلاة والسلام - هو عدم قبول دعوته، أثر فيه أنه لا يجد أرضاً خصبة لـ\" لا إله إلا الله \".

يقول بعض الصحابة:\" رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لعشر سنين وهو في مكة يعرض نفسه على القبائل في المواسم \"، يمشي فيعرض عليهم دين الله لا يمل ولا يكل، في كل مكان، حتى في الأسواق، وهو لنا أسوة، وهذا الدين أمانة في أعناق من بعده، وهكذا تسلسلت هذه المسئولية حتى وصلت إلينا، فإما أن نقوم بها كما ينبغي، وإلا فنحن نخشى على أنفسنا أن نخسر قبل غيرنا.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply