أيها الموسرون الأسخياء ارعوا العلم والعلماء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

\" الأسخياء هم سادات الدنيا \"

كما أن للآخرة سادة وهم الأتقياء، فكذلك فإن للدنيا سادة هم الأسخياء، فالسخاء مطلوب محبوب في كل المجالات، سيما في بث العلم ونشره، وعلى الغزاة والمجاهدين، والعلماء والدعاة العاملين، وعلى الأيتام، والأرامل، والفقراء، والمساكين، وفي سبل الخير المختلفة، وطرقه المتعدية النفع المتنوعة.

لقد أمر الله ورسوله بالإنفاق، ونهيا وحذرا من البخل والشح والإقتار، فقال عز من قائل: \"وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه\".

وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاًº ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً\".

قـال - صلى الله عليه وسلم -: \"ما نقص مـال من صدقة\"، وفي رواية: \"ما نقصت صدقة من مـال\".

وجعل الشارع الحكيم الإنفاق في سبل الخير قليلاً كان أم كثيراً من الكسب الطيب سبباً من أسباب دخول الجنة، فقال: \"اتقوا النار ولو بشق تمرة\"، وقال: \"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلوَّه حتى تكون مثل الجبل\".

لم يأمر الشارع أحداً أن يغبط أحداً إلا في خصلتين، فقال: \"لا حسد أي لا غبطة إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها\".

فالإنفاق الذي أمر الله ورسوله به، ووعدا بخلفه، هو الإنفاق في أوجه الخير والحق، وعلى العكس والنقيض من ذلك الإنفاق في أوجه الشر والباطل، كالإنفاق على أهل البدع والفسوق، والسفهاء من الفنانين، والأدباء، والشعراء، والرياضيين، والإعلاميين الخبثاء، فالإنفاق على هؤلاء وبال ليس بعده وبال، وخسران وكساد، واعلم أخي الموسر أنه لن تزول قدماك عن الصراط حتى تسأل عن أربع، منها: \"عن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته\".

واحذر كذلك أن تكون من الكانزين الغافلين، ومن المكثرين المقلين الخاسرين: \"والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون\".

عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: \"هم الأخسرون ورب الكعبة\"، قلت: فداك أبي وأمي، من هم؟ قال: \"الأكثرون أموالاً، إلا من قال: هكذا وهكذا، من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم\".

 

بعض الآثار في ذم البخل والإقتار:

لقد ذم السلف الصالح البخل وعابوه، وأكثروا من ذلك، نذكر طرفاً منها:

1. عن علي - رضي الله عنه - قال: \"البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة\"، أي مع قلة أعماله الصالحة إذا مات على التوحيد.

2. خطب الزبير بن العوام - رضي الله عنه - بالبصرة فقال: \"أيها الناس، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا زبير، إن الله - تعالى - يقول: \"أنفق أنفق عليك، ولا توكئ فيوكأ عليك، وأوسع يوسع الله عليك، ولا تضيق فيضيق الله عليك، واعلم يا زبير أن الله يحب الإنفاق، ولا يحب الإقتار، ويحب السماحة ولو على فلق تمرة، ويحب الشجاعة ولو على قتل حية أو عقرب\".

3. وقال جعفر بن محمد: \"قال الله - عز وجل -: أنا جواد كريم، لا يجاورني في جنتي لئيم\".

4. وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز: أفٍ, للبخل، والله لو كان طريقاً ما سلكته، ولو كان ثوباً ما لبسته\".

5. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعي: \"السخاء والكرم يغطي عيوب الدنيا والآخرة، بعد أن لا يلحقه بدعة\".

قلت: لأن المبتدع في دين الله لا يقبل منه صرف ولا عدل، أي لا فرض ولا سنة.

6. وقال حبيش بن مبشر الثقفي الفقيه: \"قعدتُ مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون، فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلاً صالحاً بخيلاً\".

7. وقال بشر بن الحارث الحافي: \"لا تزوج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أن يكون بخيلاً\"، رواه الخلال في \"الأخلاق\".

8. وقال بشر الحافي كذلك: \"شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل\".

 

البخل قبيح من جميع الخلق:

لا شك أن البخل قبيح من جميع الناس، ولكن يزداد قبحه ويسوء فعله من:

1. العلماء.

2. الأغنياء.

3. العباد.

والبخل من العلماء قبيح، سواء كان بخلهم بالمال، أو بالعلم، وبخلهم بالعلم أسوأ من بخلهم بالمال.

قال ابن المبارك- رحمه الله -: \"من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما موت يُذهب علمه، وإما ينسي، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه\".

 

أفضل ما ينفق فيه المال العلمُ الشرعي:

سبل الخير كثيرة ومتنوعة، وكل ميسر لما خلق له، ولكن أفضل وأحسن ما ينفق فيه المحسنون ويبذل فيه الموسرون أموالهم هو بث العلم ونشره، وتعهد العلماء، وطلاب العلم الشرعي، والدعاة، هذا كله بعد صدق النية وتجنب الأذية بالمن والأذى.

قال العالم التاجر المجاهد عبد الله بن المبارك- رحمه الله - وقد عُزل في إنفاقه على العلماء وطلاب العلم، وعوتب في ذلك، وكان ذلك هو الدافع له للاشتغال بالتجارة، دون أن يقتصر على بل

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply