المنتديات والاستطالة في أعراض العلماء والدعاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السؤال

هناك منتديات متخصِّصة في سبِّ العلماء وأساتذة الجامعات وطلبة العلم، فهل هذه المنتديات من البدع المعاصرة، مثل تجمع المستهزئين بالمؤمنين؟ وهل يشملها حكم المنتديات التي تقام من أجل التسبيح والتهليل؟ وهل ينطبق عليها حديث عبد الله بن مسعود في النفر الذين اجتمعوا يسبحون بالمسجد؟ فإذا كان غير ذلك نرجو التوضيح.

 

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:

فالأحكام ثابتة، والوسائل تأخذ أحكام الأفعال و الغايات والمقاصد، فالفعل المحرم في أصله يبقى محرماً بأي وسيلة صدر، وبأي كيفية كان، سواء كان بالقول أو بالفعل أو بالكتابة أو بالتسجيل أو بالتلفاز أو بالإنترنت.

 

بيان حكم السب والغيبة والنميمة:

لقد حرم الإسلام الغيبة والسب والشتم، وجاءت نصوص كثيرة في ذلك، منها قوله - تعالى -: \"يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغتَب بَّعضُكُم بَعضاً أَيُحِبٌّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتاً فَكَرِهتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ\" [الحجرات: 12].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه- أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: \"كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله\" رواه مسلم (2564).

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \"أَتَدرُونَ مَا الغِيبَةُ؟ \" قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: \"ذِكرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكرَهُ\" قِيلَ: أَفَرَأَيتَ إِن كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ: \"إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَد اغتَبتَهُ وَإِن لَم يَكُن فِيهِ فَقَد بَهَتَّهُ\". رواه مسلم (2589). وكلا الأمرين محرم: الغيبة والبهتان.

وقال- صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: \"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. صحيح البخاري (105)، وصحيح مسلم (1679).

وعن أنس رضي الله عنه- قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم\" رواه أبو داود (4878).

فلا يجوز لمسلم أن يغتاب مسلماً أو يشتمه أو ينال من عرضه بأي وسيلة كانت، وقد أجاز العلماء الغيبة لأسباب محددة، وهي ستة أسباب ذكرها النووي في كتابه القيم (رياض الصالحين ج1/ص346) وهي:

1- التظلٌّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمهº فيقول ظلمني فلان بكذا.

2- الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصوابº فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.

3- الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو زوجي أو فلان بكذا، فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي ودفع الظلم ونحو ذلك؟ فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول ما تقول في رجل أو شخص أو زوج كان من أمره كذا، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز.

4- تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه منها:

- جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.

- ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو معاملته أو غير ذلك أو محاورته، ويجب على المشاوَرِ أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوي التي فيه بنية النصيحة.

- ومنها إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة. وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة، فليتفطن لذلك.

- ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بألا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا أو مغفلا ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامةº ليزيله ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به

5- أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة حقوق الناس، وأخذ الأموال ظلما، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

6- التعريف فإذا كان الإنسان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأصم والأعمى والأحول وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.

فهذه الحالات التي يجوز فيها الغيبة، وذلك من باب تغليب المصلحة العامة على الخاصة، ومن باب إزالة المنكر ودفع الضرر، وما سوى ذلك من الغيبة والسب والتشهير فلا يجوز بحال.

 

وهذه المنتديات ما هي إلا وسيلة من وسائل التعبير عن القول أو الرأي، وهي تأخذ حكم ما يرد فيها. فإذا كانت منتديات متخصصة في ذم أهل العلم وسبهم والإساءة إليهم والدعوة إلى ذلك فإن المشاركة فيها بغير نقدها، أو نصح القائمين عليها يأخذ حكم الفعل نفسه، وهو السب والشتم. ولا شك أن من يشتم أهل العلم فإنه في الغالب- لا يشتمهم لأشخاصهم، وإنما يشتمهم لما يحملونه من علم، ولما يقدمونه للناس من خير.

والغيبة والسب فيه انتقاص واعتداء واستهزاء، ويجب على من يسمع ذلك أو يقرأه أن ينكر على قائله وكاتبه، ويبين له حرمته ويحذره من عاقبته، فإذا لم يجد استجابة فعليه عدم المشاركة في مثل هذا المجلس أو المنتدىº لقوله - تعالى -: \"وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُستَهزَأُ بِهَا فَلاَ تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذاً مِّثلُهُم إِنَّ اللّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً\" [النساء: 140]. فالمشاركة في السب والشتم ولو بمجرد المجالسة دون إنكار تجعل المستمع في حكم المتكلم. قال الرازي: في تفسير الآية: (ج 5/ ص415) (قال أهل العلم: هذا يدل على أن من رضي بالكفر فهو كافر، ومن رضي بمنكر يراه وخالط أهله وإن لم يباشر كان في الإثم بمنزلة المباشرº بدليل أنه - تعالى -ذكر لفظ المثل ههنا، هذا إذا كان الجالس راضياً بذلك الجلوس).

وإذا كان في هذه المنتديات استهزاء بالله ورسوله وآياته فلا يجوز الدخول إليها والمشاركة فيها أيضاً، وقد أخبرنا الله عن المنافقين عندما قال لهم \"وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِئُونَ. لاَ تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمَانِكُم إِن نَّعفُ عَن طَآئِفَةٍ, مِّنكُم نُعَذِّب طَآئِفَةً بِأَنَّهُم كَانُوا مُجرِمِينَ\" [التوبة: 65- 66]. وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخوض في الكلام الذي لا يدري صاحبه عواقبه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى -لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم\" رواه البخاري (6478)، ومسلم (2988).

ولا يجوز الدخول والمشاركة في هذه المنتدياتº لما في الدخول إلى هذه المنتديات من تقوية ودعم لها من خلال تكثير المشتركين والمتصفحين.

وإذا كانت المنتديات لذكر الله ونصح المسلمين فهي جائزة بل مطلوبة، وهي وسيلة محمودة، ولمن يشارك فيها أجر من يستجيب لما يدعو إليه من الخير من الناس، وهو داخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - \"من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها\" رواه مسلم (1017). وإذا كان فيها تذكير بذكر الله والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فكل من يذكر الله بسببها فلصاحبها مثل أجورهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - \"مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ, فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ\" رواه مسلم (1893) وإذا كان فيها تذكير بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإحيائها فلصاحبها أجر إحياء السنة النبوية الشريفة، حيث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - \"وَمَن أَحيَا سُنَّتِي فَقَد أَحَبَّنِي وَمَن أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ\" رواه الترمذي (2678) وقال حسن غريب.

وعلى المتخصصين من المسلمين أن يكثروا من هذه المنتديات والدخول عليهاº لدعمها وتقويتها وتكثير سواد العاملين فيها لما في ذلك من نشر الخيرº لأنه كما هو معلوم فإن قوة المنتديات بعدد المشتركين والمتصفحين لها.

فالإنترنت بما فيها المنتديات ما هي إلا وسيلة تأخذ حكم ما يعرض فيها. نسأل الله - تعالى -أن يوفق المسلمين لاستثمارها على الوجه الذي يرضيه، ويخدم دينه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply