ظاهرة العنف في مجتمعاتنا العربية .. محاولة للتفسير


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يحتاج الإنسان العادي، غير المتخصص، إلى وقت كثير، أو جهد كبير، للتأكد من ازدياد ممارسة العنف في مجتمعاتنا العربية.فالتعامل بالأيدي بين الناس في الشارع أمر لا تخطئه عين، وتعامل المعلمين العنيف ضد تلاميذ المدارس أمر معرف، نتج عنه عنف مضاد من التلاميذ ضد الأساتذة.

كما أن العنف في المنزل منتشر، حيث يضرب الآباء الأبناء، وحيث يعتدي الزوج على الزوجة، وربما اعتدت الزوجة بالضرب على الزوج.

وهناك العنف السياسي الذي تمارسه الدولة ضد الأفراد إذا فكروا في مجرد الاحتجاج السلمي والتظاهر، وهذا العنف ولد عنفا آخر تمثل في خروج الشباب على الدولة في شكل أعمال مسلحة ينتج عنها قتل وتدمير.

فما هي أسباب هذا العنف؟ وهل يمكن القضاء عليه؟

 

الأسباب السياسية للعنف

غير خاف أن المشهد السياسي العربي يعيش الكثير من المشكلات البنيوية والهيكلية، وبسبب هذه الأزمات، تعمل الكثير من النظم والمؤسسات على ممارسة أنواع العنف كلها لتجاوز نقاط الضعف الكامنة فيها. وبدل أن تبحث هذه المؤسسات عن حلول حقيقية وواقعية لهذه الأزمات، فإن استخدمها للعنف يزيد من حدة المشكلة، ويوفر لها المزيد من أسباب وعوامل الحياة.

ومن الطبيعي أن ينتهي إغلاق المجال السياسي أمام المجتمع، بإعمال القمع وتقييد الحريات وهضمها، إلى دفع هذا المجتمع إلى سلوك طرق أخرى للتعبير عن مصالحه وحقوقه، وإلى ممارسة الاحتجاج على التسلط والقمع الذي تمارسه مؤسسات الدولة.

 

فقدان الإحساس بالعدالة

ومن المفترض أن القوانين والضوابط التي تحكم المجتمع تحد من عنف الأفراد، ولكن يبدو أن تلك القوانين والضوابط قد أصبحت ضعيفة بدليل أن منطق القوة أصبح هو السائد الآن، فكل فرد يريد أن يأخذ حقه بنفسه بعد أن فقد الإحساس بالعدالة خاصة في ظل بطء إجراءات التقاضي، كما أن السياسات الحكومية الفاشلة ولجوء السلطات الرسمية نفسها أحيانا للعنف في تعاملها مع المواطن، دفعه إلى اللجوء هو أيضا للعنف.

كما أن الأمر يعود في جانب منه إلى السياسات التي لا تهتم بالفقراء ومعدومي الدخل، خاصة بعد أن عجزت المؤسسات الرسمية عن حل مشاكل المواطنين، فأصبح منطق القوة هو السائد، وتوارت القيم والأخلاقيات جانبا لتفسح المجال للصراعات العنيفة والسلوكيات المرفوضة.

وكلما زادت حدة الضغوط أصبح رد فعل المواطن أكثر عنفا، وأمام اتباع الحكومات العربية لأساليب البطش والشدة لقمع المواطنين، كانت النتيجة تحولا في سلوك المواطن العربي ليصبح أكثر عدوانية.

 

الأسباب الاقتصادية والاجتماعية

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فلو تأملنا في وقائع العنف في المجال العربي لاكتشفنا، أن إخفاقات التنمية والتفاوت الصارخ في مستويات المعيشة والبطالة وتدني مستويات الحياة والعيش الكريم، من الحقائق التي تساهم في بروز ظاهرة العنف في مجتمعاتنا.

لذلك نلحظ، بوضوح وفي العديد من الدول، أن القاعدة الاجتماعية التي تعتمد عليها جماعات العنف، وتوفر لها الكادر البشري والحماية، هي مدن الصفيح وأحزمة البؤس التي تضرب طوقاً رمزياً ومادياً على كبرى المدن العربية.

فلا يمكن أن نغفل الأسباب الاقتصادية والعوامل الاجتماعية في بروز ظاهرة العنفº وذلك لأن آليات العنف تتحرك صعوداً وتصعيداً بالتناسب مع هبوط مؤشرات التنمية وتدهور معدلات التوازن في توزيع الثروة!

فالتدهور الاقتصادي يقود إلى تصدعات اجتماعية خطيرة، وبدورها (التصدعات الاجتماعية)، توفر كل مستلزمات بروز ظاهرة العنف في الفضاء الاجتماعي. فليس مستغرباً أن تتحول حالات التهميش الاقتصادي إلى قنبلة قابلة للانفجار. فماذا ننتظر من ذلك الإنسان الذي لا يملك أدنى ضرورات حياته، ويفتقد إلى نظام الرعاية والحماية الاجتماعية؟.

 

البطالة والعنف

تؤكد الدراسات الاجتماعية أن نسبة العاطلين المتهمين في جرائم الجنايات تجاوزت 30% من عدد الجرائم التي ترتكب، ورغم ذلك فإن أساتذة علم الاجتماع وعلم النفس يؤكدون أن الإجرام ليس صفة أصيلة في شخصية العاطل، لكنها مجرد هروب من الحياة اليائسة التي يعيشها، بعد أن فقد الأمل في الحصول علي وظيفة، الأمر الذي ينذر بظهور فئة جديدة من المجرمين وهم العاطلون، بعد أن تحولت البطالة إلى قنبلة موقوتة في كل بيت.

وتشير إحدى الدراسات الصادرة عن معهد التخطيط القومي المصري والتي أعدتها الدكتورة نادرة وهدان، أستاذة علم الاجتماع، أن هناك علاقة طردية بين زيادة معدل البطالة وبين انتشار الجريمة، مؤكدة أن العاطل يحتاج إلى المال لإشباع رغباته الأساسية، فإذا عجز عن الحصول عليه بطرق شرعية يلجأ إلى الطرق غير الشرعية مثل السرقة والاتجار في المخدرات وغيرها من المهن التي يعاقب عليها القانون.

كما تشير الدراسة إلى أن جريمة هتك العرض مرتبطة في أحيان كثيرة بالعاطلين نظرا لتأخرهم في الزواج بسبب ضعف قدراتهم المادية، لذا لم يكن من الغريب أن 78% من المتهمين في جرائم الاغتصاب وهتك العرض من العاطلين.

وتؤكد الإحصاءات أن نسبة المتهمين في الجنايات من العاطلين كانت 2.9% عام 1971 ارتفعت إلى 7.26% عام 1996 ثم إلى 29% عام 2000.

إن البطالة من أخطر الآفات التي تعاني منها المجتمعات، وهي تعتبر إحدى الأسباب الرئيسية للعنف، لأن الشخص العاطل وخاصة الشاب، يشعر أنه مقهور وهناك نظرية هامة تؤكد أن \"المقهور يقهر الآخرين\".

كما أن فشل التوقعات يؤدي إلى الإحباط، فالطبيعي أن كل شاب وفتاة يتوقع الحصول علي وظيفة عقب تخرجه في الجامعة وبعد عنائه في سنوات التعليم الطويلة، ولكن الواقع يقضي علي كل هذه التوقعات، والنتيجة هي إصابة الشباب بالاكتئاب وتسيطر مشاعر الحقد والكراهية عليهم، لذا ينتهز هؤلاء الشباب أية فرصة لإخراج هذا المخزون من المشاعر الغاضبة.

ومن جهة أخرى فإن العاطل يشعر بظلم كبير من 3 جهات أساسية هي علي التوالي، الحكومة والمجتمع والعالم، ونتيجة لهذا الظلم والقهر يتولد داخله سلوك عدواني سواء كان هذا السلوك ضد نفسه كأن يصاب بالاكتئاب أو أحد الأمراض النفسية والعضوية، أو ضد المجتمع مثل ارتكاب الجرائم واستخدام الألفاظ البذيئة في الحوارات اليومية والتطرف الديني والسياسي.

 

العنف ضد الزوجات

في مصر صدر أول مسح ديموجرافي وصحي عام 1995، وهو أول دراسة على الصعيد الوطني لبحث مدى انتشار بعض جوانب ظاهرة العنف في مصر.

وقد أوضحت نتائج المسح أن امرأة من كل ثلاث نساء تعرضت للضرب في العام السابق علي المسح، بينما وصل عدد من تعرض للضرب من 3 ـ 6 مرات في نفس الفترة إلى 17% كما أفادت 10% من النساء أنهن تعرضن للضرب بدرجة استدعت تدخلا طبيا، وكما هو متوقع فقد كانت نسبة النساء اللاتي احتجن تدخلا طبيا بسبب الضرب أعلى بين أولئك اللاتي تعرضن لضرب أكثر، كما أن الحمل لم يحم أولئك النساء من التعرض للضرب، فقد تعرضت 31.7% من النساء للضرب أثناء الحمل.

وهكذا أصبح العنف سائدا بصفة عامة، ولا يقتصر الأمر فقط بين الزوجين، فالعنف والضرب الآن أصبح منتشراً بين الأطفال بعضهم لبعض، ويرجع ذلك للضغوط الاقتصادية الموجودة والتفكك الأسري وانعدام القيم والمفاهيم الدينية. العملية كلها متفاعلة مع بعضها، الزوج الذي يضرب زوجته لا التمس له العذر ولكنه مضغوط وفعلاً يفعل أقصى جهده لتوفير حياة مادية معقولة، والزوجة، أيضا معذورة لأن متطلبات الحياة والأبناء والتعليم والإنفاق كثيرة ولا تنتهي، والزوج يشعر باليأس والإهانة من تكرار الزوجة للمتطلبات، بل إنه يشعر بطعن في رجولته لعدم قدرته على سداد متطلبات المنزل والأبناء، والزوجة عليها أعباء لابد أن تدبرها من الزوج، فيبدأ الاثنان في التشاجر وقد يصل الأمر للضرب وأحيانا يؤدي إلى القتل.

 

ضرب الأزواج!!

من ناحية أخرى أكدت دراسة للدكتور السيد عوض أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة قنا أن نسبة العنف ضد الأزواج وصلت إلي 6.50% من إجمالي عدد المتزوجين في مصر، وجاء بالدراسة أن هؤلاء الأزواج تعدت أعمارهم الخمسين عاماً وغالباً هم ـ فلاحون وتجار أو مدربون رياضيون أو يعملون خارج مصر.

وأكدت الدراسة أيضاً أن الظاهرة تنتشر في الريف المصري أكثر من الحضر وتتنوع أسبابها بين شك الزوج في سلوك الزوجة، والبخل وعدم المعاملة برفق، وهناك إشارة بالدراسة إلى أن هناك خلافات بين الزوجة وأسرة الزوج يظهر في الريف دون الحضر حيث يميل الزوج للعيش مع عائلته الأمر الذي يفجر الخلافات والمشاحنات.

هناك إذن حالات ضرب زوجات لأزواجهن، وهناك بيوت مغلقة على أنين الرجال.

في حالة ضرب الزوجات للأزواج تكون المشكلة في الرجل وليس في المرأة لأنه سمح لأن يحدث ذلك أساساً، وعلى كل فتطور الخلاف إلى حد الاعتداء البدني ينم عن شخصيات عدائية غير سوية.

من ناحية أخرى فالرجل الذي يتعرض للضرب غير قادر على الدفاع عن نفسه، وربما ارتكب من الأعمال ما يورط المرأة بحيث لا تجد سوى الضرب حلاً وحيداً للتعامل بينهما بعدما فقد الاثنان القدرة على التفاهم الإنساني. والبيت الذي يشهد هذا هو بيت مختل يفتقد إلي القدوة والمثل فكيف إذن يكون لدي الأولاد قيم؟ إنهم بالتأكيد لن يحترموا آباءهم وأمهاتهم، ولن يحترموا أنفسهم ولا إخوانهم أو حتى الآخرين، وبالتالي هناك نتاج لهذا الأسلوب يتركز في أبناء فاسدين ومنحرفين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply