الإفراط في الصداقة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

إن المتأمل لأوضاعنا وعلاقاتنا الشخصية في معظم الأحوال يدرك أن العلاقات الأسرية ووشائج القربى وروابط الأقرباء تسير من سيء إلى أسوأ وأصبح الجميع رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، يميلون بل يحرصون على تكوين العلاقات الشخصية مع الأصدقاء على حساب الأقارب..

تجد البعض منا إن لم يكن الكل لا يلتقي أقاربه وإخوانه وأخواته وأعمامه وأخواله وأنسابه إلا في المناسبات، مثل الأعياد والزواجات أو العزاء ونحو ذلك، بل إنه يبخل حتى بالاتصال والسؤال عنهم عن طريق الهاتف، وإذا حدث نوع من اللقاءات تجد الشخص يتضجر من الجلوس مع هؤلاء الأقارب بل لا يحضر إلا وقت تناول الوجبة سواء ً غداءً أو عشاءً، وينصرف إلى أصدقائه الذي أعطاهم كل وقته ليلاً ونهاراً دون كللٍ, أو ملل.

وهذا الصنف من الناس تجده غارقاً في عالم الأصدقاء، إذا لم يسعفه الوقت للحضور تجده يتصل بالهاتف، منشغلاً بهم في زياراته واجتماعاته وأسفاره، على حسابه أهله وأقربائه.

تجده مكتئباً عند أقربائه، وكأنه مجبراً على الحضور إليهم أو الجلوس معهم، فرحاً مسروراً مع أصدقائه!

وهذه الظاهرة خطيرة جداً، فهي قطيعة للأرحام التي حثنا ديننا على صلتها، بل توعد من قطعها باللعن، قال- تعالى-: [فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم] (محمد 23-22)

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال الرسول- صلى الله عليه وسلم -: \"الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله\" متفق عليه.

وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: \"من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه\" متفق عليه.

فصلة الأرحام مسألة محسومة من عند الله ليست خاضعة لمدى الانسجام من عدمه فهي مسالة دينية بالدرجة الأولى ثم إن عادتنا وتقاليدنا الأصيلة تحثنا على ذلك، وليس من السهل على الإنسان تناسي الأقارب أو الصد عنهم أو مجافاتهم لأن ذلك له وقع كبير على نفس القريب، يقول المتنبي:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند

لابد أن يأتي اليوم الذي يحتاجهم فيه، والعقلاء هم الذين يدركون ذلك ويحرصون على مواصلة الأقارب وعدم تناسيهم أو الابتعاد عنهم لأنهم خط الدفاع الأول في حياة القريب وعند مماته وهم(العزوة) إذا ألمت به المصيبة أو الحاجة أو تعرض هذا القريب لأي أمر من أمور الدنيا فليس له سوى أقاربه الذين قربهم الله إليه.

ولست أنادي إلى التخلي عن الصديق أو تجاهله أو الإعراض عنه خاصة إذا كان هذا الصديق صالحاً ومن الأخيار، ولكني أدعو إلى عدم الإفراط في تقريب الأصدقاء على حساب الأقرباء والأرحام، يقول المتنبي:

شر البلاد مكان لا صديق به وشر ما يكسب الإنسان ما يصم

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply