آداب طالب العلم ( 6 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لاشك أن طلب العلم من أهم الواجبات وأفضل المطلوبات بعد أداء الفرائض والقيام بالشعائر، كما قال الثوري: \"ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم\"، حيث أمر الله - تعالى - بالعلم الشرعي، ومدح العلماء وطلبة العلم، وذم الجهل وأهله، وذلك في مواضع كثيرة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.

 

ونتابع فيما يلي آداب طالب العلم

ثانياً: أن يتواضع لشيخه مع كمال التوقير والاحترام

أخرج أحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه\".

قال الشعبي: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت، فقال: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: إنا هكذا نصنع بالعلماء، وفي لفظ: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا.

وقال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدا ما حيي، فكلما لقيته سألته عنه.

 وعن خلف بن سالم الأحمر قال: جاءني أحمد بن حنبل يسمع حديث أبي عوانة، فاجتهدت أن أرفعه فأبى وقال: لا أجلس إلا بين يديك، أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.

وقال الحسن بن علي الخلال: كنا عند معمر بن سليمان يحدثنا إذ أقبل ابن المبارك فقطع معتمر حديثه، فقيل له: حدثنا، فقال: إنّا لا نتكلم عند كبرائنا.

 قال الزهري: كان أبو سلمة بن عبد الرحمن يسأل ابن عباس فكان يخزن عنه ـ أي يحبسه ـ وكان عبيد الله بن عبد الله يلاطفه فكان يغره غرا، فكان أبو سلمة يقول: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما كثيرا.

 وقال مالك لفتى من قريش لم يحسن الأدب: يا بنيّ تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم.

 وعوتب الشافعي على تواضعه للعلماء فقال:

 أهين لهم نفسي فهم يكرمونها *** ولن تكرم النفس التي لا تهينها

 قال الشافعي: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحا رقيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها.

 وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له.

 قال الغزالي: لا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع، وقال عبد الله بن المعتز: المتواضع من الطلاب أكثرهم علما، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء.

 

وقيل: إنما ينتفع المتعلم بكلام العالم إذا كان في المتعلم ثلاث خصال: التواضع والحرص على التعلم والتعظيم للعالم، فبتواضعه ينجح فيه العلم، وبحرصه يستخرج العلم، وبتعظيمه يستعطف العالم.

 

ثالثاً: الصبر على الجفوة التي قد تصدر من الشيخ

من آداب طالب العلم أن يصبر على ما قد يصدر من الشيخ من سوء خلق أو غلظة في المعاملة، ولا يمنعه ذلك من ملازمته والاستفادة منه، وإنما عليه أن يحسن الظن به ويتأول أفعاله على أحسن تأويل، وأن يبادر شيخه بالاعتذار وإدامة حبال الصلة فإن ذلك أطيب لخاطر الشيخ وأبقى لمودته وأنفع للطالب، فقد قيل: من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة.

قال ابن عباس: ذللت طالبا فعززت مطلوبا.

 قال الشافعي: كان يختلف إلى الأعمش رجلان أحدهما كان الحديث من شأنه والآخر لم يكن الحديث من شأنه، فغضب الأعمش يوما على الذي من شأنه الحديث، فقال الآخر: لو غضب عليّ كما غضب عليك لم أعد إليه، فقال الأعمش: إذن هو أحمق مثلك يترك ما ينفعه لسوء خلقي.

 وقال الشافعي: قيل لسفيان بن عيينة: إن قوما يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك، فقال للقائل: هم حمقى إذاً مثلك إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply