آداب الغسل ودخول الحمام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اهتم الإسلام بجميع الشؤون التي يصادفها المسلم ويتعرّض لها خلال خطوات حياته، فهو إلى جانب حرصه على بناء المسلم الكامل في عقيدته، الراجح في عقله، الزكيّ في نفسه، الفاضل في أخلاقه، الناجح في معاملاته، حرص على بناء المسلم السليم في جسده، القوي في بنيته، الطاهر في بدنه، النظيف في ثيابه، المعطر في رائحته، الجميل في هندامه.

قال - تعالى -: ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبٌّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبٌّ المُطَّهِّرِينَ (108) ) التوبة.

وعن عائشة- رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال: تنظّفوا فإن الإسلام نظيف رواه ابن حبان.

وإذا كان العقل السليم في الجسم السليم، فإن الإسلام جعل من الطهارة التي هي سبب في صحة الأجسام، ونشاط الأعضاء، جعل منها نصف الإيمان.

فعن أبي مالك الأشعري  رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان رواه مسلم.

وقد شرع الإسلام النظافة على هيئة الغسل أو الوضوء كمقدمة لأهم العبادات وأكثرها تكرارا في اليوم والليلة وهي الصلاة، وأكد على فضيلة إسباغ الوضوء وإبلاغ الغسل جميع البدن.

فعن علي – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مفتاح الصلاة الطهور رواه الترمذي وابن ماجه.

وعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من أظفاره ) رواه مسلم.

وسنّ الاغتسال لكثير من العبادات أو المناسبات الدينية التي يلتقي فيها المسلمون ومنها: غسل الجمعة، وغسل العيدين، وعند الإحرام، ولدخول مكة، وللوقوف بعرفة، وللطواف، ولدخول المدينة، ولكل ليلة من رمضان، ولمن دخل في الإسلام..

هذا وللغسل والاستحمام آداب إسلامية على المسلم أن يراعيها ويتعلمها ويتقيد بها، نذكر منها الآداب التالية:

1 - تسمية الله - تعالى -عند خلع الثياب للغسل، وتستحب التسمية ولو لجنب أو حائض دون أن يقصدا بها القرآن.

عن أنس – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا اله إلا هو رواه ابن السني.

 

2 - ستر العورة، إذ يحرم على المسلم أن يغتسل أمام أحد وهو مكشوف العورة، كما ينبغي عدم كشف العورة لغير حاجة وذلك حياء من الله - تعالى -، وإكراما للملائكة الحفظة الكاتبين، والانتباه إلى أن عورة الرجل على الرجل، والمرأة على المرأة، من السرة إلى الركبة.

 

قال - تعالى -: ( يَا بَنِي آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاساً يُوَارِي سَوءَاتِكُم وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقوَىَ ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوءَاتِهِمَا ) الأعراف 26 -27.

وعن جرهد – رضي الله عنه - من أصحاب الصفة قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا وفخذي منكشفة، فقال: أما علمت أن الفخذ عورة رواه أبو داود والترمذي.

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت إلا يراها أحد فلا يريّنها. قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله- تبارك وتعالى -أحق أن يستحيا منه رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

 

3 - تجنب الدخول إلى الحمام إلا وهو ساتر لعورته بفوطة أو مئزر، والاحتفاظ بها أثناء الاستحمام وخاصة في الحمامات العامة.

عن عائشة- رضي الله عنها -قالت: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في المآزر رواه أبو داود والترمذي.

وعن جابر – رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ) رواه النسائي والحاكم وصححه.

 

4 - غض البصر عن عورته، وعن عورات الآخرين، وتجنب استراق النظر الى أحد وهو يخلع ثيابه أو يغتسل.

قال - تعالى -: ( قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ ) (30) النور.

وقال عليّ– رضي الله عنه -: (لعن الله الناظر والمنظور إليه).

 

5 - طلب الخلوة، والاستتار عن الأنظار، وترك الاعتماد على أحد أو مساعدته في الاستحمام، إلا ما يكون من تعليم الوالدين لأبنائهما الصغار، وقد كان سيدنا عمر يخفي غسله فلا يدع أحدا ينظر إليه وهو يغتسل، ويقول إن ذلك من الدين.

عن يعلي بن أمية – رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يغتسل في الفلاة بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حيي ستيّر يحبّ الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر رواه أبو داود والنسائي.

 

6 - تجنب الكلام والحديث مع الآخرين، والسلام أورده على أحد والذكر الجهري وتلاوة القرآن، أثناء الاستحمام، إلا ما كان من النية وأدعية الغسل، والتزام الصمت والهدوء في صب الماء.

 

7 - تجنب تناول الطعام، أو شرب الماء البارد أثناء الاستحمام، وتجنب دخول الحمام بعد الطعام مباشرة، لأن ذلك يسيء الى عملية الهضم.

 

8 - التفكر والاعتبار وتذكر الموت والدار الآخرة عند التجرد من الثياب، والتعوّذ بالله - تعالى -من النار والحميم عند صب الماء الحار.

 

9 - تجنب الدخول الى الحمامات العامة إلا عند الضرورة، لأنه مظنة لكشف العورات، والنظر الى الآخرين، وخاصة إذا توفر الحمّام في البيت.

 

10 - تجنب الإسراف وصب الماء بلا حاجة، فهو من مكروهات الغسل، ولو كان يغترف من نهر جار، لأن الله لا يحب المسرفين.

 

عن عبدالله بن مغفل– رضي الله عنه - أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها\"، فقال يا بنيّ سل الله الجنة وعذ به من النار فإني سمعت رسول الله يقول: \" يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور رواه الترمذي.

 

11 - الانتباه إلى إسباغ الغسل وتبليغه جميع البدن، وإيصاله إلى معاطف الجسم ومنابت الشعر، وذلك حسب الطريقة الشرعية.

قال الإمام الغزالي: إن أردت غسلا فاحمل الإناء، وضعه عن يمينك إن كنت تغترف منه، وعن يسارك إن كنت تصب منه، واغسل يديك أولا ثلاثا، وأزل ما على جسمك من نجاسة أو قذر، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم صب الماء على رأسك ثلاثا مع استحضار النية، ثم على شقك الأيمن ثلاثا، ثم على شقك الأيسر ثلاثا، وأدلك ما أقبل من بدنك، وخلل الأطراف، وأوصل الماء إلى معاطف البدن ومنابت الشعر ما خف منه أو كثف، واعلم أن الواجب هو النية واستيعاب البدن بالغسل.

قال - تعالى -: ( إِنَّ اللّهَ يُحِبٌّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبٌّ المُتَطَهِّرِينَ ) (222) البقرة.

وعن عائشة- رضي الله عنها -قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أنه قد استبرأ ـ أي ابتلّ الشعر والجلد ـ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه\" رواه الخمسة.

 

12 - الانتباه إلى أنه يحرم على الجنب خمسة أشياء: الصلاة، وقراءة القرآن، ومس المصحف وحمله، والطواف والمكث في المسجد إلا لعذر.

ويحرم على المحدث حدثا أصغر ثلاثة أشياء: الصلاة، والطواف، ومس المصحف وحمله.

 

13 - ينبغي للمسلم أن يسارع إلى إزالة الحدثين بالغسل والوضوء فور حدوثهما، وعدم البقاء على جنابة فإنه لا يدري متى يقع الموت.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply