مزامير المحبة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

قد أكون انفعالياً وعاطفياً، وهي صفات مذمومة عند الكُمَّل من الرجال لكن لا ضير في ذلك، يتكلم المحبون عن محبوباتهم والعاشقون عن معشوقاتهم، وما هي إلا محبة زائلة وعشق فانٍ,، إما أن يفنى في الأعضاء أو يتكفل الزمن بكنسه، أما محبتي فمحبة راسية لا يمكن أن تحركها رياح الحياة، وتأبى أن تؤثر فيها زعازع الزمن وتعلو على السلو والأحزان. أو ليست محبة أساسها الدين وما أعرفه من أخلاقك العربية الأصيلة وعلمك الواسع العامل؟!

أو ما كنت معي صادقاً يوم أن كذب عليّ الخلصاء؟! أو ما قدمت أطايبك يوم أن حرق الخادعون غصني بعد أن جردوه من ثماره؟!

أو ما كنت ضدي عندما تبدو بدواتي وتتملكني نزواتي، وغيرك كان مسعرها، وخازنها، آهٍ, أيها الصديق الحبيب إلى قلبي!

لقد عرفتك مرتين: مرة بعقلي فكنت فوق الشبهات، ومرة بقلبي فكنت فوق الشهوات.

سررت فـي العـــــــمـر مـرةٍ,

وكـــــــــنـت أنــت الـمــسرة

 

كانـت حـيـــــــــاتي روضــا

وكـنت في الـروض نـضــرة

 

وكـان غصـــــــنـا شـبابــي

وكــنـت فـي الـغصن زهـرة

 

وكــــــان فـــــكـري سمــاءً

وكــان حـــــــبــك فــجـرة

 

وكــنـت للــــــــروح روحـاً

وكـنـت للـــــــــعــيــن قـره

 

لقد علمتني أن المرء لا يخلد إلا بأعماله الفاضلة فكل ما سوى ذلك إما أن يكون طعاماً للدود أو لقمة سائغة لفم كان عن الخيرات صدوداً! وأعتقد أن أعمالك التي أحيت قلبي وأنارت شمعة في طريقي كثيرة جداً ولذلك فأنت خالد في قلبي وخالد في قلوب من يتأثر بهذه الأعمال، ولعل أبرزها تلك الحكم الغوالي وما تهديه إليّ من إضاءات كاشفة تجعلني أعيش الدقائق كأنها ساعات متفكراً ومخرجاً الحكمة والعبرة من بواطن الأشياء لم أعد أبناً للظواهر، ولم أعد أسيراً للشكليات، أصبحت كالمكبر يبحث في الخفايا وفي خبايا الزوايا!!

ألم تقل لي: لقد كانت نفسك كعكة أفراح لا يأكل منها إلا الفم المحب فلا تكن خبز ثورة يقتاته بهائم الناس، لقد كنت سماء نقية بهوائها، جميلة بنجومها، لا يمكن أن تتلوث بغبار يثيره الحمقى، فلا تكن أرضاً تثير غبارها ذوات الأربع، لقد كنت سحابة طاهرة تسقى الناس وتطهرهم، فلا تكن مستنقع رذيلة يقتل الناس ويمرضهم. إن نفسك كالمدينة فيها ما يبهر النظر ويجعل العقل يتأمل، وفيها ما يستكره ويقود النفس إلى التسفّل فيها البيوت الفارهة وفيها الأكواخ المتهدمة والأعشاش البالية، فيها المترفون ذوو الكروش المنتفخة والعقول الفارغة وفيها من يتأذى القمل من رأسه، وفيها الفلاسفة الكبار وفيها العلماء الأفذاذ، فيها من يكنز ليكون ذخراً، فيها ما يكنس ليكون لعبة بين أيدي الرياح الهوج، فيها عطف وحنان، وفيها حقد وحسد، فيها شجاعة وإقدام وفيها جبن وإحجام.

كل ذلك يحتاج منك إلى يد الخادم القوي ينفضها نفضاً لتعود أقل غبرة وأكثر نظافة، آهٍ, يا صديقي، إياك أن تبقي نافذة نفسك مغلقة تحجب النور عن موتاك الأعزاء، أطلق النور في نفسك بتحطيم النافذة، واجعل الأفكار تتوالد من أجل الخير حتى نكون أحياء بقدر كافٍ, ونتنعم بإنسانيتنا ونحقق ذواتنا.

كل ما يبدو سيئاً هو من طرف آخر جميل يستحق البحث و العناء فلا تقف عند حدود الظلام، واقتحم الأهوال وتجاوز ما يبدو سيئاً، إنك إن فعلت ستكون حياً، ستكون إنساناً فلا تبخل على نفسك، إنها خطوة واحدة ثم تعانق المجد!

يا صديقي يجب أن نكون مختلفين، أي أن نكون محاربين نتأبى على التيار، نرفض المبدأ القائل: إذا كان هناك شخص مختلف فمعنى ذلك أنه غير صالح في قانون حياتنا المغلوطة، لاااا بل إذا وجد شخص واحد مختلف فإن من حوله وما يلف به سيكون تحت تأثيره، سيكون هو نقطة الانطلاق إلى التغيير، إلى العيش في عالم أفضل، عالم لا يحكمه الجنون السياسي أو الجنون الجنسي!!

يا صديقي، إياك أن تبحث عن ذاتك خارج نفسك! إن الذين يبحثون عن ذواتهم في عيون الآخرين أو في قلوبهم لا يجدون شيئاً، مثلهم مثل الباحث في المرآة عن حقائق مجهولة، لا يجد إلا الأشباح تطارده وتخلق له من أوهامه أشباحاً أخرى تطارده في دمائه!

إياك أن تقف مكتوف الأحاسيس، ومكبل الكلمات أمام سطوة الكبار والمشاهير إياك أن تخر راكعاً يتلون عليك المبادئ من فم لا يعرف الطهر ولا القداسة!! أما إنه حين يتحدث الرجال الكبار عن المبادئ فإن الفقراء يخسرون كل ما يملكون، فلا تكن خاسراً في دنيا لا تعترف بالخاسرين يا صديقي!! لا يمكن لما يسمّى \"بالحب العاطفي\" أن يكتمل لأنه ناتج عن رغبة، والرغبة لا تنتهي ولا تقف عند حد، والبشر لهم حدود من الزمان والمكان ينتهون عندها ويفرغون من معانيهم، ولا يمكن عند أهل العقول الجمع بين ما ينتهي وما لا ينتهي وإن نبح الشعراء وضبح أم القصاصون يا صديقي، إن عالم اليوم عالم الدعاية لا ينتصر فيه إلا الملمعون أولئك الذين إذا ضربتهم أكف الضاربين سمعت لهم لحناً يطرب، فإذا بحثت عن المضمون لم تجد إلا هواء، ألا إن في البطون الفاسدة هواء لا تقبله الأنوف الزكية ولا النفوس الحمية. يا دعاة الشكل، إن في قوة المضمون ما يكفي أن يحل الرعب في قلوبكم ولو كنتم على مسيرة شهر!

يا صديقي، إن ارتضيت أن تعيش حياتك مع العاديين من البشر فارفق بنفسك وكن مثلهم رجلاً عادياً، فإذا بدرت منك بوادر العبقرية أو النبوغ فاحكم على نفسك بالنهاية لأنك أصحبت شيئاً خطراً، شيئاً لا يفهم ولا يمكن التنبؤ بما يصدر منه، شيئاً يخالف العوائد والمألوفات، أي يخالف الإنسانية المتخشبة، ويحي! ألم يطلق الشريف الرضي صيحته وشكاته بسببهم:

 

وإن مقـام مثـلـي في الأعـادي

مقـام الـبدر تنـــــبـحه الكـلابُ

 

رمــــونـي بالـعـيوب ملــفقات

وقـــد علــمـوا بأنـي لا أعُابُ

 

ولـــمـــا لـم يلاقـوا فيَّ عيـبـاً

كسوني من عيوبهـمُ وعـابـوا

 

يا صديقي، عش حياتك بقلب فتي يستعصي على الزمن ويأبى العوائد، إياك أن تتحول مع مرور الأيام إلى حزمة من العادات الرديئة تنتظر جمار إبليس يتقضمها ويصيرها وقوداً!! كن شاباً أي متحولاً ومتنقلاً تبطش بساعديك عوادي الأيام وحصار الساعات المتفلتة من الرقابة، كن فأساً لكل ما ستخشب في داخلك، إياك أن تقف مسالماً إنك إن فعلت فقد أعلنت للناس نبأ وفاتك.

يا صديقي، بين أول العمل وآخره تتغير الأهداف والأنفس ونمط الحياة فرق بين أول العمل حينما يبدأ الإنسان بقوة وعزم وشيء من جنون الجرأة، وبين آخر العمل حينما تهدأ النفس ويقبض الثمن ويبرز الخوف وتكثر المطامع.

يا صديقي، هناك أسماء يسكنها الخشوع فإذا ما ذكرت نفضت خشوعها في قلوب الحاضرين، فاحتشموا وتوقروا، لا يمكن لأسمائهم أن تنسى مع طول الخبرة وكثرة المعاشرة، لا يزال لأسمائهم روح الأطفال تستعصي على الممكنات وتتعلق بالمستحيل، إنها قوة المبدأ..إنها قوة الحق... إنها قوة الله!!

يا صديقي، عندما يفقد المرء شيئاً عزيزاً عليه تختل علاقته بمن حوله وحتى يعود كما كان يتوقف الأمر على أشياء كثيرة لعل أبرزها الثقافة الواسعة ثم تفريغ ذلك عن طريق الكتابة. اكتب ما يجول في نفسك، اكتب عن نظرتك في الحياة عن مواقفك مع الآخرين، عن صلاحية هذا العالم للعيش فيه، اكتب ما ينبت في صدرك بكل صدق ووضوح.

إن كبار الأدباء والفلاسفة لم يكن لأسمائهم وجود في هذا العالم الصاخب لولا كتابتهم الصادقة عن أنفسهم وعن العالم. إن الكتابة نوع تفريغ وأداة ترميم ومشرط جراح..

يا صديقي، إياك أن تكتب مقالاً معجوناً بدمك وعرقك، لأن الكتابة الجيدة في هذا العالم مثل التزلج على الجليد يقودك إلى ما لا تريد والبركة في فهم من لا يريد أن يفهم..

ألا ما أشد العجب!! نصحتك أن تكتب قبل أسطر بالكتابة وهاأنذا أنصحك ألا تكتب، ترى هل أحتاج لقراءة ما أكتب بصدق وإخلاص فقد أجد العلاج أو أجد ما يعينني على فهم طبيعة المرض؟! يا صديقي:

 

أيٌ ســـر فــيــك يــسبــي

أيَّ ســرّ لـــــســـت أدري

 

كلـمـا أمـعــنــت فــكــري

فـيــك يـومــاً تــاه فكـري

 

أنـــت بــحــر مــن درار

ذات ألــــوان وســـحـــرِ

 

فـيـك مـدُّ فـــيــك جـــزرٌ

آه مــن مـــدٍ, وجــــــزرِ

 

أي مــوج مــنــك عـــاتٍ,

فـوق موج الناس يـسري

 

أي موج ذلك يا ترى؟ أيٌّ موج؟!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply