آداب العمل


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

ذات يوم ذهب رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسأله أن يعطيه شيئًا من المال أو الطعام، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما في بيتك شيء؟).

قال الرجل: بلى، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب (إناء) نشرب فيه من الماءº فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ائتني بهما). فأتاه الرجل بهما فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: (من يشتري هذين؟) قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال - صلى الله عليه وسلم -: (من يزيد على درهم؟) قالها مرتين أو ثلاثًا، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال له: (اشتَرِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا فأتني به). فأتاه به، فَشَدَّ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا بيده، ثم قال للرجل: (اذهب فاحتطب وِبع، ولا أَرَينَّك خمسة عشر يومًا).

فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكتةً (علامة) في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع (شديد) أو لذي غرم مفظع (دَين شديد) أو لذي دم موجع) [أبوداود].

***

جلس الصحابة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صباح أحد الأيام، فرأوا رجلا قويَّا، يسرع في السير، ساعيًا إلى عمله، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضحًا لهم أنواع العمل الطيب: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني].

 

فالإسلام دين العمل، وهو عمل للدنيا، وعمل للآخرة. قال - تعالى -: { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا } [القصص: 77]. وقد أمر الله - سبحانه - بالعمل والسعي في الأرض والأكل من رزق الله، فقال - تعالى -: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].

وحثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على العمل، فقال: (اعملوا فكلُّ مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له) [متفق عليه]. وكان الأنبياء جميعًا -عليهم الصلاة والسلام- خير قدوة لنا في العمل والسعي، فما من نبي إلا ورعى الغنم، وكان لكل نبي حرفة وعمل يقوم به، وقد شارك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الأعمال المختلفة، ولم يتميز عليهم كما حدث في بناء المسجد أو حفر الخندق، فكان يحمل التراب والأحجار.

 

وللعمل والسعي على الرزق آداب يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، منها:

استحضار النية: المسلم يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام، والتقوِّي على العبادة، وعمارة الأرض.

 

عدم تأخير العمل عن وقته: المسلم يقوم بأعماله في أوقاتها دون تأخير، وقيل في الحكمة: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد.

 

التبكير: قال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)

[الترمذي وابن ماجه وأحمد].

الجد في العمل: المسلم يذهب إلى عمله بجد ونشاط، دون تباطؤ أو كسل، فمن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد. قال الشاعر:

بقـدر الكَدِّ تُكتَســب المعـــالي     ***          ومـن طـلب العــُلا سـهر الليالــي

ومـن طـلب العــلا مـن غيـر كَـد     ***         أضاع العمر فــي طلـــب المــُحَالِ

 

إتقان العمل: المسلم يتقن عمله ويحسنه قدر المستطاع. قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليَحُدَّ أحدُكم شفرتهº فليُرِح ذبيحته) [مسلم].

 

التواضع: الكبر في الأمور كلها مذموم، وقد حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر)

[أبو داود والترمذي وأحمد]. فليتواضع كل رئيس لمرءوسيه، وليتعاون كل مرءوس مع رئيسه، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحـسنةº فقد كان يعاون أصحابه فيما يقومون به من عمل، ويساعد أهله في تواضع عظيم.

 

عدم الانشغال بعمل الدنيا عن العبادة والطاعة: المسلم يعمل لكي يحصل على الكسب الطيب له ولأسرته، وهو عندما يعمل يكون واثقًا من تحقيق أمر اللهº إذ يقول: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].

وإذا كان العمل لاكتساب الرزق وإعفاف النفس عن المسألة عبادة في

حد ذاته، فإن ذلك لا يشغلنا عن طاعة الله فيما أمرنا به من سائر العبادات.

البعد عن العمل الحرام: المسلم يختار عملا لا يتعارض مع أصل شرعي، فلا يعمل في بيع الخمور أو فيما شابه ذلك.

 

الأمانة: المسلم أمين في عملهº لا يغش ولا يخون، ولا يتقاضى رشوة من عمله وهو حافظ لأسرار العمل، ويؤديه على أكمل وجه، وكذلك صاحب العمل عليه أن يحفظ للعاملين حقوقهمº فيدفع لهم الأجر المناسب دون ظلم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون من العمل، كما أنه يوفر لهم ما يحتاجون إليه من رعاية صحية واجتماعية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply