فضل بر الوالدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يقول يوسف القرضاوى:

أكد الله الوصية بالوالدين في كتابه، وجعل ذلك من أصول البر، التي اتفقت عليها الأديان جميعًا، فوصف الله يحيى بقوله: (وبرًا بوالديه، ولم يكن جبارًا شقيًا) (مريم: 14) وكذلك وصف عيسى على لسانه في المهد: (وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا) وكذلك جاء القرآن فجعل الأمر ببر الوالدين بعد عبادة الله وحده، بعد التوحيد..(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا) (النساء: 36) (أن اشكر لي ولوالديك) (لقمان: 14) (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا) (الإسراء: 23) وبخاصة الأم، فهي التي حملت الإنسان كرها ووضعته كرهًا، وتعبت في حمله وتعبت في وضعه، وتعبت في إرضاعه، ولذلك وصى النبي بها ثلاث مرات، وبالأب مرة واحدة.

 

والقرآن جعل للوالدين المشركين حقًا، قالت أسماء بنت أبي بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي زارتني وهي مشركة، أفأصلها؟ فنزل قول الله - تعالى -: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين الممتحنة: 8) وقال - تعالى -في سورة لقمان في الوالدين اللذين يجاهدان ويحاولان كل المحاولة لتكفير ولدهما وجعله مشركا بدل كونه مؤمنًا.. يقول الله - عز وجل -: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا) (لقمان: 15) حتى مع محاولة التكفير والصد عن طريق الله، وعن الإيمان، مع هذا يقول \" لا تطعهما \" ولكن \" صاحبهما في الدنيا معروفًا \".

فهذا ما جاء به الإسلام، أن يكون الإنسان بارًا بأبويه، وإن جارا عليه، وإن ظلماه.. وإن جفواه.. وهذا هو شأن مكارم الأخلاق: أن تصل من قطعك، وتبذل لمن منعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك. هذا في الناس عامة، فكيف في ذوي الأرحام؟ فكيف بالوالدين؟

 

ويقول فضيلة الشيخ المنجد

أولاً: أنها طاعة لله - تعالى -ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - تعالى -: (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً)، وقال - تعالى -: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً) وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل قال إيمان بالله ورسوله ثم بر الوالدين.. الحديث. وغيرها من الآيات والأحاديث المتواترة في ذلك.

 

ثانياً: إن طاعة الوالدين واحترامهما سبب لدخول الجنة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَغِمَ أَنفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنفُ قِيلَ مَن يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَن أَدرَكَ أَبَوَيهِ عِندَ الكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَو كِلَيهِمَا فَلَم يَدخُل الجَنَّةَ. صحيح مسلم 4627

 

ثالثاً: أن احترامهما وطاعتهما سبب للألفة والمحبة.

 

رابعاً: أن احترامهما وطاعتهما شكر لهما لأنهما سبب وجودك في هذه الدنيا وأيضاً شكر لها على تربيتك ورعايتك في صغرك، قال الله - تعالى -: (وأن اشكر لي ولوالديك.. ).

 

خامساً: أن بر الولد لوالديه سببُ لأن يبره أولاده، قال الله - تعالى -

(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

و يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس:

وردت نصوص كثيرة تؤكد هذا الحكم، من ذلك قوله - سبحانه -: (ووَصَّينَا الإنسانَ بوالِدَيه حُسنًا.. ) (العنكبوت: 8) وقوله - تعالى -: (ووَصَّينَا الإنسانَ بوالديه حَمَلَته أمٌّه وَهنًا على وَهنٍ, وفِصَالُه في عامين أنِ اشكُر لي ولوالديكَ إليَّ المصير) (لقمان: 14) وقوله جل شأنه: (ووَصَّينَا الإنسانَ بوالديه إحسانًا حَمَلَته أمٌّه كُرهًا ووَضَعَته كُرهًا.. ) (الأحقاف: 15) ورُوِيَ عن ابن مسعود قال: سألت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله\"..

ورُوِيَ عن عبد الله بن عمرو: \"أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذَنَه في الجهاد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أحَيُّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجَاهِد\"، ورُوِيَ عن أبي سعيد: \"أن رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبوايَ، قال: أَذِنَا لك؟ قال: لا، قال: فارجع إليهما فاستأذِنهُما، فإن أَذِنَا لك فجاهد وإلا فبِرَّهما\"،

وأتيُ رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - يستَشِيره في الجهاد، فقال: ألكَ والدان؟ قلتُ: نعم، قال: الزَمهُما، فإن الجنةَ تحت أرجُلِهما\"... إلى غير ذلك من نصوص قرآنية وأحاديث كثيرة، كلها تأمر ببر الوالِدَين، وليس من البر بهما التأفيف، أو إغلاظ القول لهما، أو رفع الصوت عليهما، أو تجاهلهما، أو التَّنَكٌّر لهما، أو إبعادهما إلى دُور العَجَزة والمسنِّين، أو الحَجر عليهما، أو ضربهما، أو غير ذلك من أنواع الإيذاء التي تتنافى وما أمر به الشارع من الإحسان إليهما، ومصاحبتهما بالمعروف.

وبر الوالدين لا يقتصر على حال حياتهما، فللمرء أن يَبَرَّ بوالِدَيه بعد موتهما، وذلك بالدعاء لهما، وفعل القُرَب والطاعات المختَلِفة وإهداء ثوابها إليهما، وأداء الواجبات الشرعية من زكاة أو حج أو صوم أو كَفَّارة أو نحو ذلك عنهما إذا لم يتمكَّنا من أدائها حتى ماتا، أو قَصَّرا في أدائها، فقد رُوِيَ عن الحجاج بن دينار أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إنه كان لي أبوان أَبَرٌّهما في حال حياتهما، فكيف لي ببِرِّهما بعد موتهما؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: إن من البر بعد البرِّ أن تصليَ لهما مع صلاتك، وأن تصومَ لهما مع صيامك\"، وأحاديث كثيرة غير هذا رواها ابن عباس وغيره تفيد جوازَ أداء الولد عن والديه الواجبات والقُرُبات كوسيلة من وسائل برهما بعد موتهما.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply