الرسول الرحيم


  

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الناس في حاجة إلى بشاشة سمحة..الناس بحاجة إلى ودٍّ, يسعهم، وحِلم لا يضيق بهم..بحاجة إلى قلب كبير يحمل همومهم. والإنسان بغير قلب أشبه بآلة صمَّاء، وهو بغير روح أقرب إلى الحجر الصلب.. الإنسان يتميز بقلبه وروحه، وبهما يرحم الإنسان.

والرحمة من صفات الله، هو الرحمن الرحيم، وهو أرحم الراحمين. قال - تعالى -: {وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ,}. الأعراف: 56.

ولو تراحم الناس لما كان بينهم مظلوم ولا بائس ولا محروم.. لو تراحم الناس لما اقتتلوا ولا سفكوا الدماء.. لو تراحم الناس لما تخاصموا ولما لجؤوا إلى المحاكم لحل النزاعات فيما بينهم.. لو تراحم الناس لسكنت النفوس.

قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنما يرحم الله من عباده الرحماء)) متفق عليه.

وقال: ((لا تُنزَع الرحمة إلا من شقي)). رواه أبو داود والترمذي.

ونُقل عن المسيح - عليه السلام - قوله في عظة الجبل: \" طوبى للرحماء فإنهم يُرحَمون \".

والرحمة دعوة الأنبياء والمرسلين، وتمثلت بأسمى معانيها وأروع صورها في شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان الرحمة المهداة للعالمين، يحدو بهم نحو طريق الفلاح، ويضع خطط التغيير والإصلاح، محاطاً برعاية الله، مستنيراً بهديه، لا يأخذ الناس في دعوته بالمكر والخداع، ولا بالعنف والإكراهº بل يترفق بهم، ويلين لفظاظتهم، ويخاطبهم بما يفهمون. قال - تعالى -: {وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ}. الأنبياء: 107.

كان - صلى الله عليه وسلم - رحمة في الدين والدنيا، أمَّا في الدين: فلأنه بُعث والناس في جاهلية وضلالة، فدعاهم إلى الحق، وبيَّن لهم الأحكام، وميَّز الحلال من الحرام. وأمَّا في الدنيا: فلأنهم تخلصّوا ببعثته من الذل والهوان، فالرسالة المحمدية رحمة للبشرية، وما تزال هذه الرحمة وارفة لمن يريد أن يستظل بها.

والبشرية اليوم في مسيس الحاجة إلى هذه الرحمة، وهي حائرة في متاهات المادية، وجحيم الحروب، وجفاء الأرواح والقلوب.

وعنصر الرحمة يظهر في رسالته - صلى الله عليه وآله وسلم - في مبدأ التوحيد الذي ينقذ الناس من الضلال وأثقال الوثنية والوهم والخرافة، فلا تنحني الرؤوس إلا لله الواحد القهار.

وحتى الكفار رُحموا ببعثته - صلى الله عليه وسلم -º حيث أخَّر الله عقوبتهم، فلم يستأصلهم بالعذاب، كالخسف والمسخ والغرق كما حدث للأمم السابقة، إكراماً له - عليه الصلاة والسلام -: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم} الأنفال: 33.

روى الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء)).

وروى الطبراني ورجاله رجال الصحيح عن أبي موسى - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((لن تؤمنوا حتى تراحموا)). قالوا: كلنا رحيم. قال: ((إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكن رحمة العامة)).

ولما كسرت رباعيته قال: ((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)). وجاء في بعض كتب التفسير في قوله - تعالى -: {وَلَسَوفَ يُعطِيكَ رَبٌّكَ فَتَرضَى}. الضحى: 5. أنه لما نزلت عليه هذه الآية قال: ((اللهم لا أرضى يوم القيامة وواحد من أمَّتي في النار)).

وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قيل يا رسول الله ادع على المشركين. قال: ((إني لم أُبعث لعَّاناً وإنما بُعثت رحمة)).

وروى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: \" ما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم - صلى الله عليه وآله وسلم - لنفسه إلا أن تُنتَهَك حرمة الله فينتقم لله بها \".

 

وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((مثَل المؤمنين في تبادلهم وتوادهم وتراحمهم كمثل الإنسان إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر)).

قال - تعالى -: {فَبِمَا رَحمَةٍ, مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لاَنفَضٌّوا مِن حَولِكَ}. آل عمران: 159. وقال - تعالى -: {لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتٌّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}. التوبة: 128.

وروى الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا)).

ومرَّ برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جنازة فقال: ((مستريح أو مستراح منه)). قالوا: ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: ((العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)).

ومن جوانب رحمته - صلى الله عليه وآله وسلم -، ما رواه البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: تقبِّلون الصبيان فما نقبِّلهم. فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((أوَ أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!)).

وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبَّل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم)).

وجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يشكو قسوة قلبه، فقال له: ((أَتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك)).

وهاهو خادمه أنس بن مالك - رضي الله عنه - يحدثنا كيف كان تعامل النبي معه فيقول: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عشر سنين، لا والله ما سبَّني سبَّة قط، ولا قال لي أف قط، ولا قال لي في شيء فعلتُ لِمَ فعلتَه، ولا لشيء لم أفعله أَلا فعلتَه.

وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فلما سلَّم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال للأعرابي: ((لقد تحجّرت واسعا)). يريد رحمة الله.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة حتى رأيت صفحة عنق رسول الله قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، فقال: يا محمد، أعطني من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء.

وروى البخاري: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)).

وروى معاوية بن قرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها. فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن رحمتها رحمك الله)). يعني: إذا ذبحتها فاذبحها وأنت راحم لها.

وعن عبد الله بن جعفر قال: ركب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بغلته وأردفني خلفه، فدخل حائطاً بستاناً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حنَّ وذرفت عيناه، فنزل - صلى الله عليه وآله وسلم - فمسح ذفراه وسراته فسكن فقال: ((مَن صاحب هذا الجمل؟)). فجاء شاب من الأنصار وقال: أنا. فقال: ((أَلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها، فإنه شكاك إليّ أنك تجيعه وتدئبه)).

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل فملأ خفَّه، ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)).

ولم يكن - عليه الصلاة والسلام - يطيق أن يرى دابة تحمل فوق طاقتها، ونهى أن يُتخذَ مَن فيه روح غرضاً للتسلية، كحال ما يُعرَف بمصارعة الثيران، ونهى عن التحريش بين البهائم. وأنكر على أهل الجاهلية شق آذان الأنعام. وأمر عند ذبح الحيوان أن يحد المرء شفرته، وألا نذبح ذبيحة ودابة أخرى تنظر إليها، وألا يحد الذابح شفرته بحضرة الذبيحة. وعندما كبرت بغلة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يطحن لها الشعير، ويطعهمها بيديه الشريفتين.

وما حصل ويحصل من تكالب الأعداء على نبي الرحمة محمد - عليه الصلاة والسلام -، قابلته الأمَّة قاطبة بالحكمة المعهودة، فوحدت صفوفها على اختلاف مذاهبها، وجمعت كلمتها في نصرة نبيها، وذلك دلالة واضحة على خيرية هذه الأمة، أمة محمد - عليه الصلاة والسلام -، فلنكن على الدوام دعاة الخير والهدى، ولنلتزم هدي النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولننشر رسالته للناس كافة. والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply