قصة تبول المشرك عند الغار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة الثامنة والسبعون

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة والتي انتشرت على ألسنة القصاص والوعاظ وهذه القصة الواهية «قصة تبول المشرك عند الغار».

 

أولاً: المتن:

يُروى عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجل من المشركين حتى استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعورته يبول. قلت: يا رسول الله، أليس الرجل يرانا؟ قال: «لو رآنا لم يستقبلنا بعورته» يعني وهما في الغار.

 

ثانيًا: التخريج:

الحديث أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/46) (ح46) قال: حدثنا موسى بن حيان حدثنا عُبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، حدثنا موسى بن مُطير، حدثني أبي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدثني أبو بكر - رضي الله عنه - قال: فذكر حديث القصة.

 

ثالثًا التحقيق:

هذا الخبر الذي جاءت به القصة (باطل) والقصة واهية.

وفيها علتان:

الأولى: موسى بن مُطَير:

1- أخرج العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/163/1734) عن يحيى بن معين قال: «موسى بن مطير كذاب».

2- أورده النسائي في «الضعفاء والمتروكين» برقم (555) وقال: «موسى بن مطير منكر الحديث».

3- أورده الدارقطني في «الضعفاء والمتروكين» برقم (513) وقال: «موسى بن مطير،كوفي عن أبيه، ومطير أبوه لا يُعرف إلا به».

قلت: وقد يتوهم من لا دراية له بعلم الجرح والتعديل أن الدارقطني سكت عنه ولا يدري أنه بمجرد ذكر اسم موسى بن مطير في كتاب «الضعفاء والمتروكين» للدارقطني

يجعل موسى بن مطير من المتروكين، حيث قال البرقاني: «طالت محاورتي مع ابن حمكان للدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات». كذا في «مقدمة الضعفاء والمتروكين» للدارقطني.

4- أورده الإمام ابن أبي حاتم في «كتاب الجرح والتعديل» (8/162/717) وقال:

أ- «موسى بن مطير روى عن أبيه عن أبي هريرة وعائشة. روى عنه أبو داود الطيالسي وخلف بن تميم وأبو يوسف صاحب الرأي».

ب- وقال: «قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: موسى بن مطير كذاب».

جـ- وقال: سألت أبي عن موسى بن مطير فقال: «متروك الحديث ذاهب الحديث».

5- وأورده ابن حبان في «المجروحين» (2/242) وقال: «موسى بن مطير كان صاحب عجائب ومناكير لا يشك المستمع أنها موضوعة إذ كان هذا الشأن صناعته».

6- وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» (4/223/8928) حيث قال: «موسى بن مطير، عن أبيه، وعنه أبو داود الطيالسي: واهٍ,».

7- وأقره الحافظ ابن حجر في «اللسان» (6/153) (1903/8688) وزاد عما ذكره الذهبي في «الميزان»: أن أحمد قال: ضعيف، ترك الناس حديثه، وذكره العقيلي في الضعفاء وقال العجلي: كوفي، ضعيف الحديث، ليس بثقة.

الثانية: مطير بن أبي خالد: أورده الإمام ابن أبي حاتم في كتابه «الجرح والتعديل» (8/394/1805) وقال: «مطير

بن أبي خالد روى عن أبي هريرة وعائشة وثابت البجلي وروى عنه عوسجة وابنه موسى بن مطير وعلي بن هاشم بن البرير وقال: «سألت أبا زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث».

وقال: «سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث».

وأقره الذهبي في «الميزان» (4/129/8587).

 

بدائل صحيحة:

هناك في «الصحيحين» و«السنن» و«المسانيد» وغيرهما من كتب السنة الأصلية من القصص الصحيحة والأحاديث في الهجرة ما يغني عن هذه القصة الواهية.

وإلى القارئ الكريم على سبيل المثال لا الحصر:

1- أخرج البخاري في «صحيحه» (ح3653) قال: «حدثنا محمد بن سنان حدثنا همام عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما».

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا (ح3922، 4663)، وفي هذا الحديث قصة أخرجها مسلم (ح2381) حيث قال: «حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد بن عبد الرحمن الدارمي، (قال عبد الله: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا) حبان بن هلال، حدثنا همام، حدثنا ثابت، حدثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - حدّثه قال: «نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

فالحديث هنا متفق عليه، حيث أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرجه أيضًا أحمد (11)، والترمذي (3096)، وابن حبان (6278، 6279)، وابن أبي شيبة (12/7)، والبزار (36)، وأبو يعلى (66، 67)، وابن سعد في «طبقاته» (3/173، 174)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/480، 481) من طرق عن همام، به.

2- أخرج البخاري في صحيحه (ح3905) قال: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحَرَّتان، فبينما نحن يومًا جلوسٌ في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعًا - في ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن فأذن له، فدخل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: أخرج مَن عندَك. فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالثمن. قالت عائشة، فجهزنا أحث الجهاز وضعنا لهما سُفرة في جراب، فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليالٍ,، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثقف لقن.

فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأيتهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام.

ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسل - وهو لبن مِنحتهما ورضيفهما - حتى ينعِق بها عامر بن فهيرة بغَلَس. يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.

واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلاً من بني الدَّيل، وهو من بني عبد ابن عدي هاديًا خِرِّيتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش، فأَمِناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل.

3- أخرج أحمد في «مسنده» (ح3) قال: حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد يعني العنقزي قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: اشترى أبو بكر - رضي الله عنه - من عازب سرجًا بثلاثة عشر درهمًا، قال: فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى المنزل، فقال: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت معه. قال: فقال أبو بكر: خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فضربت ببصري هل أرى ظلاً نأوي إليه، فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها، فإذا بقية ظلها، فسويته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرشت له فروة وقلت: اضطجع يا رسول الله، فاضطجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدًا من الطلب، فإذا أنا براعي غنم فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش، فسماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قال: قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار، ومعي إداوة على فمها خرقة، فحلب لي كثبة من اللبن.

فصببت - يعني الماء - على القدح حتى برد أسفله، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافيته وقد استيقظ فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت ثم قلت: هل أَنَى الرحيل؟ قال: فارتحلنا والقوم يطلبونا، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له. فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا، فقال: «لا تحزن إن الله معنا».

حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة، قال: قلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا وبكيت، قال: لِمَ تبكي؟ قال: قلت: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك، قال: فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: اللهم اكفناه بما شئت، فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلبة، ووثب عنها وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأُغَمِّيَنَّ على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها سهمًا فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا حاجة لي فيها»، قال: ودعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلق. فرجع إلى أصحابه.

ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا معه حتى قدمنا المدينة، فتلقاه الناس فخرجوا في الطريق وعلى الأجاجير، فاشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاء محمد.

قال: وتنازع القوم أيهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك، فلما أصبح غدا حيث أُمر.

قلت: وقد أخرج البخاري في «صحيحه» هذا الحديث (ح3652) حيث قال: حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء وذكر قصة الرَّحل وهو كما قال الحافظ في الفتح (6/720): الرَّحل بفتح الراء وسكون المهملة هو للناقة كالسرج للفرس.

هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply