حقوق النبي صلى الله عليه وسلم


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده مستحق الحمد ووليه، وصلواته على خيرته من خلقه وصفيه، نبينا محمد خاتم الرسل، المبعوث بأفضل الأديان والملل وعلى آله وصحبه والمتمسكين بسنته وسلم تسليما كثيرا

أما بعد:

فما حدث في هذه الأيام من حملة شعواء على النبي - صلى الله عليه وسلم -، باتهامات لا دليل عليها، ولا برهان، مع مخالفة للعقل والمروءة في نوع القدح، والاستهانة بالأديان، لتذكرنا بالجاهلية الجهلاءº في اتهام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه ساحر وكاهن ومجنون..وغير ذلك.

وفي هذا المقام نذكر باختصار ملاحظ تستوقفنا وتدعونا للتأمل فيها:

1ـ حكم سب النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال ابن المنذر أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه القتل، وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي.نقله القرطبي (8/82) في الجامع لأحكام القرآن وابن حجر في الفتح (12/281).

قالوا: ولا تقبل توبته، قال المرداوي في الإنصاف (10/333): لا تقبل توبته إن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه حق آدمي لا يعلم إسقاطه وأنها تقبل إن سب الله - تعالى -لأنه يقبل التوبة في خالص حقه، وقيل لأن الخالق منزه عن النقائص فلا يلحق به بخلاف المخلوق فإنه محل لها ولهذا افترقا.

2ـ أن الله - تعالى - عظَّم قدر نبيناً- صلى الله عليه وسلم -، وخصه بفضائل ومحاسن ومناقب، ونَبَّه على جليل نصابه، وأثنى عليه في أخلاقه وآدابه، وحضَّ العباد على التأسي به، فحري بالمؤمن أن لا يغفل عن النظر في محاسنه الجميلة، وأخلاقه الحميدة، ومذاهبه الكريمة، وشمائله العديدة، وأن يجعله نبراساً يُقتدى به. ومن الكتب المعينة لذلك:

أ ـ الشمائل المحمدية للترمذي، وشرحها/ أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل لابن حجر الهيتمي.

ب ـ كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض.

ج ـ الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة، للسيوطي.

3 ـ أن يزن المسلم نفسه بميزان شرعي، يعرف من خلاله مبلغ الإيمان في قلبه، كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-; عن نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)).

قال ابن حجر في فتح الباري (1/80): قوله: (لا يؤمن) أي إيماناً كاملاً.

ففي هذه الأحداث يتأمل المسلم نفسه، ويسبر الإيمان في قلبه، ومدى تأثره بما نالوه من جناب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

4 ـ إن هذه المواقف، تعزز مدى قوة هذا الدين وأن أعداءه يقفون حائرين أمام حججه وبراهينه، فما أشبه اليوم بالبارحة، عندما عجز كفار مكة عن التصدي له، أخذوا يلمزون النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهº ساحر وكاهن وغير ذلك، وكذلك حال اليهود عندما كانوا يمرون به - صلى الله عليه وسلم - ويقولون: السام عليك، و كذلك حيلة كل عاجز، كما جاء في نهاية مجادلة موسى - عليه السلام -; مع فرعون عندما أفحمه موسى قال فرعون: ((إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون))، مما يدل على عجزهم الظاهر، وبرودة مسلكهم.

5 ـ النظرة الشاملة للدين الحق، وأنه من حكيم خبير، قال الله - تعالى -: ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)) الآية

فالله - سبحانه وتعالى - قد نهى رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عن سبِّ آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو، وفي ذلك ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها.

فشتان بين الحكمتين، فأنا لهم أن يتحلوا بهذه الآداب.

ومن هذا المنطلق يُطالب المسلمون بصدور قرار دولي يُلزم بعدم التطاول على حرمة أنبياء الله ورسله عليهم أفضل الصلاة والسلام وحفظ حقوقهم.

6 ـ إن في قوة الذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتماسك المسلمين في نصرته -صلى الله عليه وسلم-  فَرَضَ لهذا الرمز الذي أسر قلوب المسلمين حبه، وبذلوا النفس والنفيس من أجله، أن يُنظَرَ في سيرته، وتدرس جوانب حياته، فيكون في اطلاعهم عليها سببا لدخولهم في هذا الدين، وفي التخلي عن الدفاع عنه خلاف ذلك. قال - تعالى -: ((ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا)).

7 ـ ضبط العاطفة في مثل هذه المواقف، فالعاطفة هي المحرك وهي الوقود في نفس الوقت الذي يجعل موقفنا مستمراً، مع الحذر من عدم ضبطها مما ينتج عنه فتنة وصدُّ عن دين الإسلام، وهذا يقودنا إلى أن يكون العمل في مثل هذه المواقف جماعياً، منظماً، يقوم على أيدٍ, نيرة من أهل الحل والعقد.

ويُلتف حول العلماء وولاة الأمر وفق عمل منظم.

8 ـ إن في نيلهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المبلغ عن الله - سبحانه وتعالى -، ليدل دلالة واضحة على حقد دفين على الإسلام والمسلمين، تُنتَهز فيه أسنح الفُرص، قال - تعالى -: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)). فلا يؤمن جانبهم في صغير ولا كبير.

9 ـ إن وصمهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالإرهاب، فيه دلالة قوية على عدم نظرهم في سيرته، ومعرفتهم بشخصه، وفي هذا الصدد نعطر هذه الصفحات بذكر شيء مما يخالف ما اتهم به - صلى الله عليه وسلم - بهتاناً وزورا وهو منه براء:

قال - تعالى -: ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم)). فهذا حكم الله - سبحانه وتعالى -.

فالرحمة: العطف والإشفاق والرقة وهو صحيح في حقه - صلى الله عليه وسلم -، والرأفة أشد الرحمة وأبلغها، ولهذا قدمت.

وقال - تعالى -: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) فهذا ما وصفه به ربه - عز وجل -.

ومن رأفته - صلى الله عليه وسلم - بأمته تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم

* كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ومع كل صلاة). أخرجه البخاري

* وخبر قيام رمضان، وتركه للاجتماع له لئلا يفرض على أمته. أخرجه البخاري

* ونهيه عن الوصال في رمضان. أخرجه البخاري ومسلم

*رأى - صلى الله عليه وسلم - ولد إحدى بناته تفيض روحه، فبكى فلما سئل عن ذلك قال: (هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) أخرجه البخاري ومسلم.

*وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من أم منكم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذو الحاجة). أخرجه البخاري ومسلم

* وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (هلك المتنطعون)). أخرجه مسلم.

* وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه). أخرجه مسلم

* ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والغلو). أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.

* ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). أخرجه البخاري ومسلم

* وقد عفا - صلى الله عليه وسلم - عمن ظلمه وآذه وحاربه، فقال لهم يوم فتح مكة: ما ترون إني صانع بكم، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). أخرجه الشافعي في الأم والطبيري في تاريخه والبيهقي في الكبرى، وفي رواية للبيهقي (9/118): أقول كما قال يوسف - عليه السلام -: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين).

فأي قلب يحمله - صلى الله عليه وسلم - بين أضلعه، وصدقت عائشة - رضي الله عنها -، عندما سئلت عنه، قالت: (كان خلقه القرآن). أخرجه أبو داود

وفي هذه الملاحظ إشارة أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجعل فيها إنارة.

وأختمها بهذه القصيدة التي تشير إلى بعض هذه الملاحظ:

أيا دنمركُ ويحكِ ما دهاكِ  * * * أصابَ العقلَ خرفٌ واعتلاكِ

أردتِ العز في نيلِ الحبيبِ  * * * لقد أخطأتِ فالشوكُ جَنَــاكِ

فهلا قد عرفتِ بِمن نَزَلــتِ  * * * نبيُ الرحمةِ المُهدى عسـاكِ

بشيرُعيسى خاتمُ الرُسلِ كُفي  * * *شمائله تترا فنظـرتُها دواكِ

خليلُ اللهِ قد فاقَ الأنـــامَ * * * بلا فخرٍ, فأمسـكِ عنه فــاكِ

بنو الإسلامِ تفديـه بِعَرَضٍ, * * * وعِرضٍ, وآلٍ, هم شُواظُ مساكِ

مُقَارَعَةُ الحِجِاجِ فليس قدحـاً * * * بشخصِ رسولٍ, إن أردتِ هُدَاكِ

أوَليس في أرضكم رجلٌ حصـ * * * يفٌ بديـنِ اللهِ يَردِعُ عن غِواكِ

عُرى الإسلامِ أضحى لها حُماةٌ * * * أسودٌ تَعشَقُ إن أردتِ عَنــَاكِ

فإن عُدتِ لرُشدٍ, وانتهيـتِ  * * * فـخيرٌ وإن تَأبي يُسمع بُكَـاكِ

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply