الزوج الكريم صلى الله عليه وسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 خيركم خيركم لأهله:

 يلخص لنا عمر - رضي الله عنه - وضع المرأة قبل الإسلام بكلمات قليلة، فيها البلاغة والإيجاز، فيقول: (والله ما كنا نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم) [متفق عليه].

وهكذا نزلت آيات القرآن الكريم لتفرض لهن، وتبين ما لهن..

 وكانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - البيان العملي في إعطاء الصورة الحقة التي يريدها الإسلام من الرجل تجاههن.

ثم كان البيان القولي الذي يلخص سيرته العملية - صلى الله عليه وسلم - لمن لم يتح له الوقوف عليها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله) [الترمذي وقال: حسن صحيح].

ويضع - صلى الله عليه وسلم - الميزان الحق الذي تقاس به فضيلة الرجل وخيريته. وهو حسن معاشرته لأهله ومصاحبته إياهم، وبمقدار ما يرتفع هذا المستوى من الحسن بمقدار ما يرتفع عنصر الخير فيه.

والأهل هنا: الزوجة

والحديث هنا وإن كان بصيغة الخبر، ولكنه في حقيقة معناه توجيه كريم وحث للمسلم على الوصول إلى هذا المستوى من الخير، بالإحسان إلى زوجته، وحسن معاملتها. الأمر الذي يحقق بدوره معنى الآية الكريمة (وجعل بينكم مودة ورحمة).

ومن هذه الصور التي تبين جوانب من حياته - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه الأمور التالية:

العدل:

قال ابن القيم: وكان - صلى الله عليه وسلم - يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة. وأما المحبة فكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) [أخرجه أصحاب السنن وغيرهم. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].

وقالت عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا [أبو داود].

ولما كان في مرضه استأذنهن أن يمرض في بيت السيدة عائشة فأذن له.

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه [متفق عليه]

وكانت الهدية إذا جاءته وزع عليهن بالتساوي. فقد أخرج الإمام أحمد عن أنس: أن أم سليم بعثته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقناع (وهو الطبق الذي يؤكل عليه) عليه رطب، فجعل يقبض قبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه، ويقبض القبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه.. ثم جلس فأكل بقيته، أكل رجل يُعلم أنه يشتهيه. [الفتح الرباني للبنا وقال في تخريجه: صحيح ورجاله رجال الصحيحين، وهو من ثلاثيات الإمام أحمد، ولم أقف عليه لغيره].

وهكذا قدم زوجاته على نفسه في التوزيع، ولم يبق له إلا القليل الذي لو أكله المرء لانتهى منه وما زال في نفسه رغبة إليه.

كما سوى بينهن فكان لكل منهن قبضة.

الحب:

أخرج الشيخان عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب غليك؟ فقال: (عائشة) فقلت: من الرجال؟ فقال: (أبوها).. [متفق عليه].

وهكذا يصرح - صلى الله عليه وسلم - بحبه، حتى انتشر ذلك بين الصحابة.

قال ابن القيم: وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا هوت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عِرقاً وهو العظم الذي عليه لحم أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حجرها. [زاد المعاد (1/152) وانظر حديث مسلم ذي الرقم (300) الذي نص على الشرب والتعرق].

إنها صورة الحب في كمالها الإنساني، ترسمها أفعاله وتصرفاته - صلى الله عليه وسلم -، أحببنا أن نسوقها مختصرة لأولئك الذين باتوا يرون في ذكر شيء من ذلك عيبا ومنقصة.

وفعله - صلى الله عليه وسلم - هو الكمال والجمال والخير والصواب بشهادته - سبحانه وتعالى - بقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومن رأى غير ذلك فليراجع حساب إيمانه، حيث وصل الأمر ببعضهم أنه رأى في اسم زوجته عورة، فلا ينبغي لأحد أن يعرفه.

ومن حسن معاشرته - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه حديث أنس - رضي الله عنه -، والذي ينقل لنا صورته - صلى الله عليه وسلم - وهو يساعد صفية على ركوب الراحلة فيقول: ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب.. [البخاري].

وحين وقع - صلى الله عليه وسلم - ووقعت معه صفية - رضي الله عنها -، وكان أبو طلحة قريبا منهما فقال: يا نبي الله جعلني الله فداك- هل أصابك من شيء؟ فقال: (لا، ولكن عليك بالمرأة) فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه فقصد قصدها فألقى ثوبه عليها فقامت المرأة [البخاري].

أرأيت كيف كان اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - أكثر من اهتمامه بنفسه، فوجه أبا طلحة للعناية بها.

وانظر لأبي طلحة - رضي الله عنه - ما أسرع بديهته وما أحسن تصرفه، كيف ألقى ثوبه على وجهه لا يبصر المرأة ثم قصد تجاهها فألقى الثوب عليها، وما هذا بمستغرب على من تتلمذ في مدرسة النبوة والرحمة، رضي الله على صحابة رسول الله أجمعين.

ثم تراه - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فتزوره صفية في اعتكافه، وتتحدث عنده ساعة ثم تقوم لترجع إلى بيتها، فيقوم معها حتى يوصلها إليه [متفق عليه].

ويزداد اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - بمن تمرض منهن، ففي حديث الإفك تقول عائشة: ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي [متفق عليه].

وفي حجة الوداع رغبت عائشة - رضي الله عنها - أن تأتي بالعمرة بعد الحج فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن تلبية لرغبتها.. يقول جابر: وكان رسول الله رجلا سهلاً إذا هوت الشيء تابعها عليه[مسلم].

وتصف عائشة - رضي الله عنها - جانبا من سلوكه - صلى الله عليه وسلم - فتقول: ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله [مسلم].

ولو أخذنا نعدد صور كريم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته وحسن معاشرته لهن وصبره عليهن لأخذ ذلك الصفحات الطوال.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply