نموذج حضاري ( 1 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -

يعتبر الرسل والأنبياء بحق هم رواد الحضارات وصفوة الخلق لأنهم جاءوا بالمنهج الذي يكفل السعادة في الحياة الأولى والآخرة، وكانوا تطبيقاً عملياً وقدوةً فذةً لذلك المنهج. ومن المقتضيات العقدية والتربوية للإيمان بالله، الإيمان برسله جميعهم بدون استثناء. قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَينَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ, وَنَكفُرُ بِبَعضٍ, وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَينَ ذَلِكَ سَبِيلاً. أُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعتَدنَا لِلكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} النساء (150-151).

فالجماعة صغيرةً كانت أو كبيرةً إذا لم تهتد بمنهج الهداية المنزل من الله على رسوله فقد كفرت، والكفر يعني الجحود ويأتي بمعنى الإخفاء والتغطية وهؤلاء الكافرون غطوا منهج الهداية والسعادة عن أنفسهم وعن غيرهم، وجعلوا بينهم وبينه حاجزاً وحجراً محجوراً، واستحقوا بالتالي حجب السعادة الأخروية عنهم ولم يحصلوا السعادة الدنيوية أيضاً.

ومن تتبع التاريخ وسبر أحوال الأمم والحضارات يرى أن إمكانية التقدم بمفهومه الشامل وليس الجزئي هو الذي يتحقق، ويستمر إذا كان موجوداً من قبل عند توفر شرط واحد و هذا الشرط هو الالتزام بالمبادئ الروحية و الأخلاقية التي جاء بها أولئك الأنبياء. وهذه الحضارات وتلك الأمم سيبقى كيانها الحضاري ثابتاً ما دامت ملتزمةً بمنهج الأنبياء والرسل، وإذا انحرفت وحادت فقد حكمت على نفسها بالفناء والدمار. قال - تعالى -: {وَتِلكَ القُرَى أَهلَكنَاهُم لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلنَا لِمَهلِكِهِم مَوعِداً} (الكهف: 59).

وعن طريق هؤلاء الأنبياء يستمر الوحي الإلهي يمد تلك البشرية الضعيفة بما يرفعها إلى مستويات سامقة ويجلب لها النماء والخير والفلاح والتفوق الحضاري. يقول توفيق الواعي (1408):

\" لقد كان الوحي الإلهي في كل حضارة نورها الهادي الذي تنبعث منه ملامح المجتمع الجديد بعد صراع مرير مع قوى الطغيان حتى إذا اكتملت مقومات هذا المجتمع الوليد بتمام الرسالة واكتمال البلاغة، جد هذا المجتمع في البناء والتقدم ثم لا يلبث أن يكون بعد ذلك ازدهاراً ليغري الإنسانية بالجنوح إلى نسيان ذاتها والنكوص عن حمل أمانة الخلافة المنوطة بها، ثم يتطور النسيان إلى جحود ونكران ثم إلى انحراف يؤدي إلى انحلال حضاري لا مفر منه. ومن هنا تنشأ حاجة المجتمع إلى رسالة جديدة و مبلغ آخر يحمل وحي السماء ليحي بها الأرض بعد موتها \" (ص334).

لا يوجد ثمة انفصال في حياة البشر الأسوياء بين الواقع المادي والوقع الروحي، فكلاهما متحدان. وباستقراء سيرة أنبياء الله ورسله، وهم المبلغون عن الله والأكثر اتصالاً به، لا نجد ما يوحي بالسلبية و الغياب عن الواقع المعيشي أو انعزالهم في أبراج عاجية. وكانوا من أول المبادرين إلى العمل بالقيم والمبادئ الحضارية التي ينادون بها وتدعو إليها الفطر السليمة. ومما يدل على تفاعلهم مع بيئاتهم أنهم ساهموا في المجالات المدنية القائمة آنذاك. يقول أكرم العُمري (1407): \" وأصدق الشهود هم أنبياء الله لاتصالهم بالوحي وتلقيهم عنه، وهم المثل العليا في نظر الإسلام، وهم قادة روحيون ودنيويون، لم تؤد يقظة أرواحهم إلى غيابهم عن العالم المادي\"، (ص100).

والقرآن الكريم والسنة النبوية يحويان العديد من المواقف والقصص التي تكشف عن الشهود المدني والحضاري للأنبياء والمرسلين. وقد مارسوا - عليهم السلام - بأنفسهم وبمن معهم ألواناً من النشاط الاقتصادي والاجتماعي إضافةً إلى جهودهم الدعوية والتربوية، ولابد إذن للتربية أن تُدرس المتعلمين سيرتهم لاستخلاص سنن التغيير، ومنها يستنبط المنظرون معالم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply