تعذيب المستضعفين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

منع الله - عز وجل - وحمى رسوله الكريم، - صلى الله عليه وآله وسلم -، بعمه أبي طالب، وأما المستضعفون السابقون للإسلام فقد نالهم عذاب قريش، لا لشيء إلا لأنهم قالوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، هؤلاء لم تكن لهم عشائر تحميهم، وليست لهم قوة يمنعون بها أذى المشركين لذلك وثبت كل قبيلة على من فيها منهم، فجعلت تحبسهم وتضربهم، وتمنع عنهم الطعام والشراب وتصليهم النار، وتجعل بعضهم على الرمضاء {1}، ومع ذلك فقد استقر الإيمان في قلوبهم ومن هؤلاء المستضعفين: عبد الله بن مسعود، - رضي الله عنه -: الذي كان أول من جهر بالقرآن الكريم بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يقوم بهذه المهمة؟؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا. فقالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة، يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني. فقام ابن مسعود حتى أتى المشركين في الضحى، وبدأ يقرأ بصوت مرتفع \" الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان\" 2

فسمع المشركون وتأملوه وجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه وجعلوا يضربونه على وجهه وهو يقرأ دون توقف، إلى أن جاء أبو جهل فلطمه فشق أذنه وأدماه، فانصرف عبد الله وعينه تدمع. فلما رآه الرسول الكريم، - صلى الله عليه وآله وسلم -، رق قلبه، وأطرق رأسه مغموما، فإذا جبريل قد جاء ضاحكا. فقال له: \"يا جبريل أتضحك وابن مسعود يبكي \" فقال جبريل: الأذن بالأذن والرأس زيادة. وفي بدر ذبح عبد الله بن مسعود أبا جهل وقطع أذنه وأخذها إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. الذي يقول عنه: \" من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا فليقرأه على ابن أم عبد {3} \". ومن هؤلاء الذين صبروا على أذى وتعذيب المشركين لهم، والذين ورغم الوحشية التي عوملوا بها، ظل قلبهم العامر بالإيمان يخفق بذكر الله - سبحانه وتعالى -: بلال بن رباح الحبشي وأمه حمامة: الذي كان عبدا لأمية بن خلف الجمحي، والذي كان يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقى على ظهره وصدره ويقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تترك هذا الدين الذي جاء به صاحبك وتعبد اللات والعزى فيقول بلال - رضي الله عنه -: أحد، أحد. إلى أن مر به يوما أبو بكر الصديق، - رضي الله عنه - وهو يعذب فقال ألا تتقي الله في هذا المسكين. فقال أمية: أنت أفسدته فأنقذه. ووجدها أبو بكر، فرصة سانحة فاشتراه منه وأطلق سراحه، وبلال - رضي الله عنه - أول من أسلم من العبيد إذ هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وقتل سيده أمية بن خلف. ومن هؤلاء أيضا: عمار ووالده ياسر وأمه سمية: الذين أسلموا في أوائل الدعوة الإسلامية ولاقوا على يد أبي جهل مر العذاب، إذ كان يخرجهم إلى الصحراء عندما تتوسط الشمس قرص السماء، فتلتهب الرمال، ثم يلقيهم فوقها دون أن يستر جسدهم شيء، أما النبي، - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكان يتمزق ألما وحزنا كلما رآهم وكان يقول لهم: \" صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة \". أما ياسر فكان يردد كلام الله - عز وجل - ويقول \"سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله 4

إلى أن مات ياسر - رضي الله عنه - تحت وطأة العذاب، أما زوجته سمية - رضي الله عنها - فقد رفعت صوتها غاضبة في وجه أبي جهل، فطعنها بحربة فقتلها، فهي أول شهيدة في الإسلام، كما أن زوجها ياسر، أول شهيد في الإسلام، أما عمار، فقد ضوعف له العذاب وشدد، وأقسم المشركون بأوثانهم، قاتلهم الله، قائلين لعمار: سنظل نعذبك حتى تترك دينك أو تسب محمدا، وتمدح آلهتنا وتقول فبها خيرا، ففعل عمار تحت وطأة التعذيب فتركوه، ثم انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، باكيا، وقص له ما جرى وما قال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: \" فكيف تجد قلبك \"، قال عمار ك أجده مطمئنا بالإيمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: \" يا عمار إن عادوا فعد. فأنزل الله - تعالى -

 

\"إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان \" 5

أما خباب بن الأرت: فقد أسلم بعد سبعة رجال، وناله العذاب الشديد كما نال غيره من المؤمنين الصابرين، فكان المشركون يجردونه من ثيابه ويلقونه فوق الرمال المحرقة، أو يضعون فوقه الحجارة المحماة بالنار، دون أن يجيبهم إلى ما يريدونه، إلى أن أفتدى نفسه من سيده، سباع بن عبد العزى. ومن هؤلاء المؤمنين الأوائل: صعيب بن سنان المعروف بالرومي، وذلك أن الروم أسروه صغيرا ثم باعوه فنسب إليهم، وكان يعذب في الله عذابا شديدا بعد إسلامه، ولما أراد الهجرة إلى المدينة، منعته قريش، فافتدى نفسه بماله كله، فرارا بدينه ومحبة للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنهم أيضا: عامر بن فهيرة الذي كان مستضعفا يعذب ي الله، فلم يرجع عن دينه، إلى أن اشتراه أبو بكر الصديق، - رضي الله عنه -، فأعتقه، ولما هاجر النبي، - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه -، كان عامر معهما يحاول إخفاء آثار أقدامهما بالغنم الذي كان يرعاه. وفي معركة \" بئر معونة \". استشهد عامر فقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: فزت ورب الكعبة. ومنهم أيضا: أبو فكيهة واسمه أفلح، كان عبدا لصفوان بن أمية بن خلف، أسلم مع بلال، فأخذه أمية بن خلف وربط في رجله حبلا وجره حتى ألقاه فوق الرمال التي تتلظى نارا، ومر به حيوان يدعى \"جعل \" {6} فقال له أمية ساخرا: أليس هذا ربك؟.فقال أبو فكيهة: الله ربي وربك ورب هذا، فخنقه خنقا شديدا، ومعه أخوه أبي بن خلف يقول له: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره، ومر به أبو بكر، - رضي الله عنه -، فاشتراه وأعتقه، وحتى النساء لم تفلت من أذى المشركين وتعذيبهم ومن بين هؤلاء اللواتي صمدن رغم العذاب الشديد امرأة يقال لها: زنيرة، فقد عذبت حتى عميت، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى قد فعلا بك ذلك، فقالت: إن اللات والعزى لا يدريان من يعبدهما، ولكن هذه إرادة الله - عز وجل -، وإن شاء رد بصري، فلما أصبحت زنيرة رد الله بصرها، فقالت قريش: هذا سحر من محمد، ثم اشتراها أبو بكر - رضي الله عنه -، فأعتقها، وفيها وفي أمثالها يقول أبو جهل: ألا تعجبون لهؤلاء وأتباعهم، لو كان ما أتى به محمد خيرا ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد فأنزل الله - تعالى -ردا على قوله\"وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليهم \" 7

وهناك عزيزي القارىء، غير هؤلاء ممن عذب في الله، اكتفينا بذكر أشهرهم، لتعرف أن ما ملأ الإيمان قلبه لن يضل أبدا.

ــــــــــــــــ

 

1-الرمضاء: الأرض الحارة

2-الآية 1-4 من سورة الرحمن

3-وفي رواية ثانية وردت: فليقرأه على قراءة ابن أم عبد

4-الآية 21 من سورة الحديد

5-الآية 106 من سورة النحل

6-جعل: حيوان يشبه الخنفساء

7-الآية 11 من سورة الأحقاف

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply