زوجات النبي صلى الله عليه وسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين...وبعد...

فقد أباح الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الزواج بأكثر من واحدة، حتى بلغ عدد زوجاته اللاتي توفي عنهن ثمان نسوة وفي ذلك حكم كثيرة منها:

1- حتى يكثر من يشاهد أحواله الداخلية، فينتفي عنه ما يزعمه الكافرون أنه ساحر.

2- لتشرف قبائل العرب بمصاهرته - صلى الله عليه وسلم -.

3- زيادة تأليفهم في الإسلام.

4- تكثر عشيرته مت جهة أزواجه.

5- نقل الأحكام الشرعية ومحاسن أخلاقه التي لا يطلع عليها الرجال.

 

لمحة موجزة عن زوجاته - صلى الله عليه وسلم -.

1) خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

وهي أول نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، تزوجها وعمره خمسة وعشرين سنة. وكان عمرها أربعون سنة. وعاشت مع الرسول خمسا وعشرين سنة ورزقت منه ابنين وأربع بنات هما القاسم، عبد الله، زينب، رقية، أم كلثوم، فاطمة.

 

وكانت لها - رضي الله عنها - مواقف جليلة إلى جانب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنصر دين الله أكثر من أن تعد ومنها:

* عندما أخبرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما حدث له في الغار عندما أوحي إليه أول مرة.

روى الإمام البخاري في صحيحه وغيره عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنه عندما رجع رسول الله صلى الله وسلم أول ما أوحي إليه من غار حراء (فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد - ابن عم خديجة- وكان امرأ تنصر في الجاهلية فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى (أي في الغار).

فقال ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجي هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا).

* وكانت أول من آمن به من النساء.

* وكانت مؤازرة له في تبليغ دعوته.

ولها فضائل كثيرة منها: قال - صلى الله عليه وسلم -: (آمنت إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس).

 

* وأتى جبريل - عليه السلام - رسول الله فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ - عليها السلام - من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من نصب لا صخب فيه ولا نصب.

فلما جاءت خديجة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها: إن الله يقرأ على خديجة السلام. قالت: خديجة بنت خويلد إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام.

توفيت بمكة المكرمة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد أن بلغت من العمر خمسة وستين عاما.

فقد كانت- رضي الله عنها- مثالا عظيما للزوجة الصالحة المؤمنة.

 

2) سودة بنت زمعة

هي سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية.

من فواضل نساء عصرها، كانت قبل أن تتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو.

أسلمت وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم زوجها معها، وهاجرا إلى الحبشة، فلما توفي عنها، جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له: يا رسول الله ألا تتزوج؟.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ومن؟ قالت خولة: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك. قال: اذكريها علي (أي اخطبيها لي)

فانطلقت خولة إلى سودة وأبوها شيخ. فحيته.

فقال لها: من أنت؟.

فقالت خولة بنت حكيم. فرحب بها. ثم قالت له: إن محمداً بن عبد الله بن عبد المطلب، يذكر سودة ابنة زمعة.

فقال: هو كريم، فما تقول صاحبتك؟.

قالت: هي تحب ذلك.

فقال لها: قولي له فليأت، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها، ولما تزوجها كانت في حالة الكبر حتى أنها بلغت من العمر حين تزوجها - عليه الصلاة والسلام - الخامسة والخمسين - رضي الله عنها -. وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب سودة وكان لها خمسة صبية أو ستة، فقالت: والله ما يمنعني منك وأنت أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يتضاعى. هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشيا.

فقال لها: - يرحمك الله-!! إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل، صالح نساء قريش أحناهن على ولد في الصغر، وأرعاهن لبعل في ذات يده.

ولما كبرت سودة وعلمت مكان عائشة - رضي الله عنها - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت يا رسول الله جعلت يومي الذي يصيبني لعائشة وأنت منه في حل، فقبله النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة وبقيت في عصمته - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي عنها.

وتوفيت - رضي الله عنها - بالمدينة في شوال سنة 54 هـ في خلافة معاوية وفي رواية أنها توفيت في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

 

3) عائشة المرأة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها

كان زواجه بها عن وحي من الله، فخطبها وعمرها ست سنوات، ودخل بها وعمرها تسع سنين، وما عنها وعمرها ثمان عشرة سنة.

 

لها فضائل كثيرة منها:

· إنها المبرأة من فوق سبع سماوات من حادثة الإفك، · وكانت أم المؤمنين من أحب نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قلبه.

· أكثر أزواجه تلقيا للعلم عنه فقد كانت- رضي الله عنها- من أعلم الناس بتعاليم الإسلام. قال الزهري: (لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المومنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.

· وكانت- رضي الله عنها- زاهدة في الدنيا، فقد أخرج ابن سعد من طريق أم درة قالت: (أتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة فقلت لها أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه فقالت: لو كنت أذكرتيني لفعلت).

· و قال - صلى الله عليه وسلم -: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

· وعندما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد عودته من حجة الوداع، وشعر بأنه قد آن الأوان للرحيل. وكان يقول وهو يطوف عد نسائه سائلا أين أنا غدا؟ أين أنا بعد غد استدعاء ليوم عائشة فطاب نفوس بقية أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن جميعا. بأن يمرض حيث أحب فوهبنا أيامهن لعائشة. فسهرت عليه تمرضه وحانت لحظة الرحيل ورأسه - صلى الله عليه وسلم - في حجرها. قالت عائشة تصف هذه اللحظة (إن من نعم الله علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي في بيتي وبين سحري ونحري).

· ودفن - صلى الله عليه وسلم - حيث قبض في بيتها

توفيت - رضي الله عنها - في المنية في السادسة والستين من عمرها في ليلة الثلاثاء لسبع مضين من رمضان سنة سبع وخمسين من الهجرة.

 

 4) حفصة بنت عمر حارسة القرآن

حفصة بنت عمر بن الخطاب أخوها عبد الله بن عمر لأبيها ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي - عليه الصلاة والسلام - بخمس سنين تزوجت خنيس بن حذافة السهمي أسلم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وهاجرت حفصة معه إلى المدينة فشهدا بدرا وخرج يوم أحد فأصابته جراحة فمات. ولما رأى عمر أن ابنته تأيمت لقي عثمان بن عفان فعرضها عليه فقال عثمان: مالي في النساء حاجة.

فلقي عمر - رضي الله عنه - أبا بكر الصديق فعرضها عليه فسكت. فغضب عمر ووجد على أبي بكر. وانطلق عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه عثمان بن عفان، وكشف عما كان من أبي بكر بن أبي قحافة فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة. ثم خطب رسول الله حفصة فلقي أبو بكر عمر بن الخطاب فقال له: لا تجد علي في نفسك فإن رسول الله كان ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها لتزوجتها.

وورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل - عليه السلام - له بذلك، وقال: (إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة).

وعندما انتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى وخلفه أبو بكر الصديق، كانت حفصة هي التي اختيرت من أمهات المؤمنين جميعا لتحفظ أول مصحف خطي للقرآن الكريم.

أقامت أم المؤمنين حفصة عاكفة على العبادة قوامة صوامة حتى ماتت في عهد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه- فصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة وتبعها مروان إلى البقيع حتى فرغ دفنها مع أمهات المؤمنين.

 

5) زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين

هي زينب بنت خزيمة بن الحارث ينتهي نسبها إلى قيس عيلان عامرية هلالية. أمها هند بن الحارث حميرية زوجها الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي فطلقها وتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث، فقتل عنها يوم بدر شهيدا.

ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان وكان ذلك على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة. أصدقها النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة درهم.

وكانت حجرة زينب مجاورة لحجرة حفصة بنت عمر بن الخطاب ولكنها لم تمكث إلا ثمانية أشهر وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة فصلى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفنها بالبقيع. وكان عمرها ثلاثين سنة. وكانت أول من دفن من أمهات المؤمنين في المدينة.

 

6) هند بنت أبي أمية أم سلمة

أم سلمة هند بنت أمية بن المغيرة المخزومية كانت تحت زوجها وابن عمها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وهي من السابقين إلى الإسلام.

رافقت زوجها إلى الحبشة فرارا بدينها ولما عاد إلى مكة و الهجرة مع زوجته إلى المدينة صدها قومها وانتزعوها منه هي وابنها سلمة، ثم انتزع بنو الأسد آل سلمة ابنها من أمها بالقوة حتى خلعوا فكانت كل يوم تخرج إلى الأبطح تبكي حتى شفع فيها شافع من قومها فأعطوها ولدها فرحلت بعيدا ووضعت ابنها في حجرها وهاجرت معه.

وفي غزوة أحد أصيب زوجها بجرح عميق وبعد شهور توفي من هذا الجرح، وكانت أم سلمة عندها من الأولاد من زوجها أربعة هم: برة وسلمة، وعمر، ودرة خطبها بعد ذلك أبو بكر- رضي الله عنه- فلم تقبل. وكان رسول الله يفكر في أمر هذه المرأة الكريمة والمؤمنة الصادقة والوفية الصابرة.

وبينما كانت تدبغ إهابا لها في أحد الأيام استأذن عليها رسول فأذنت له، ووضعت له وسادة من أدم حشوها ليف، فقعد عليها وخطبها إلى نفسها فقالت: مرحبا برسول الله إني امرأة غيرى (غيورة) وإني مصبية وأنه ليس أحد من أوليائي شاهد وأنا كبيرة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما قولك: إني مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك أني غيرى فسأدعو الله يذهب غيرتك، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني. وأما ما ذكرت من الكبر فأنا أكبر منك. فقالت أم سلمة بنت زاد الراكب لابنها سلمة: يا سلمة قم فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أني لا أنقضك مما أعطيت أختك فلانة. رحبين وجرتين ووسادة. تروجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام بتربية أيتامها فكان الأب الرحيم.

كانت- رضي الله عنها- من النساء العاقلات الناضجات، ومن ذلك ما حدث يوم الحديبية حين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يتحروا بعد أن فرغ من توقيع عقد الصلح مع وفد قريش ولم يفعلوا وحرر النبي طلبه بالنحر ثلاث مرات دون أن يجيبه أحد. فدخل على أم سلمة وهو حزين، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره فقالت- رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك، اخرج فلا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك.

فقام وخرج، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضاً.

وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها وقد كانت تبلغ من العمر أربعاً وثمانين سنة فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً - رضي الله عنها -.

 

7) جويرية بنت الحارث امرأة عظيمة البركة على قومها

 (جويرية بنت الحارث) هي برة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية.

سماها رسول الله جويرية.

وكان صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق.

عندما أسرت مع قومها وعشيرتها في غزوة بني المصطلق أو المريسيع.

فلقد بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون على مهاجمته، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية. فلما سمع الرسول بهم خرج إليهم في شعبان سنة ست من الهجرة حتى لقيهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس، واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل، ونجا من نجا، وأسر أكثر القوم، وغنمت الأموال، وعندما كانت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس وكاتبته على نفسها، فأتت النبي تستعينه كتابتها فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: فهل لك في خير من ذلك؟.

قالت: وما هو يا رسول الله. قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك.

قالت: نعم يا رسول الله. قال: قد فبلت.

ثم خرج الخبر إلى الناس أن رسول الله تزوج جويرية بنت الحارث.

فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسلوا ما بأيديهم فبلغ عتقهم مائة بيت. لذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: ما رأيت امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.

وذكر ابن حجر في الإصابة عن قوة إيمان جويرية - رضي الله عنها - فقال: جاء أبوها فقال للرسول: إن ابنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنت؟).

قال: بلى فأتاها أبوها فذكر لها ذلك فقالت: اخترت الله ورسوله.

وروى ابن هشام أن أباها الحارث أسلم وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وتوفيت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث سنة خمسين من الهجرة وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة، وصلى عليها مروان بن الحكم عامل معاوية- رضي الله عنه - على مدينة رسول الله ودفنت بالبقيع مع أمهات المؤمنين - رحمها الله - رحمة واسعة.

 

8) زينب بنت جحش

أطول زوجات النبي يدا

المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب، أمها أميمة بنت المطلب اسمها برة، ولما دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماها زينب ابنة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عند زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد أن طلقها زيد زوجها الله- تبارك وتعالى -نبيه بنص كتابه، بلا ولي ولا شاهد قال - تعالى -: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) [الأحزاب: 37].

كانت - رضي الله عنها -، صالحة، تقية، صادقة، وقد شهدت لها بذلك عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقالت: (وكانت زينب امرأة صناع اليدين فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله.. لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل) وفي صحيح مسلم عن عائشة أيضاً قالت: (كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأيت امرأة خيرا من زينب أتقى لله، وأصدق حديثاً وأوصل للرحم، وأعظم صدقة رضي الله عنها).

 

وعن برزة بنت رافع قالت: (أرسل عمر إلى زينب بعطائها. فقالت: غفر الله لعمر، غيري كان أقوى على قسم هذا. قالوا: كله لك. قالت: سبحان الله! واستترت منه بثوب وقالت: صبوه واطرحوه عليه ثوبا، وأخذت تفرقه في أرحامها وأيتامها، وأعطتني ما بقي، فوجدناه خمسة وثمانين درهما. ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا. فتوفيت- رحمها الله - قبل أن تدرك عطاء العام التالي.

لقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه: (أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا.. ) فكنا إذا اجتمعن بعده نمد أيدينا في الجدار، نتطاول: فلم نزل نفعله حتى توفيت زينب بنت جحش، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد طول اليد بالصدقة).

حضرتها الوفاة سنة عشرين ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة فرحم الله زينب أطول أزواجه - صلى الله عليه وسلم - يدا.

 

9) صفية بنت حيي رضي الله عنها

هي صفيـة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن سعيد، من ذرية نبي الله هارون - عليه السلام - من سبط اللاوي بن يعقوب -نبي الله إسرائيل- بن إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام -، ولِدَت -رضي اللـه عنها- بعد البعثة بثلاثة أعوام، وكانت شريفـة عاقلة، ذات حسبٍ, وجمالٍ,، ودين وتقوى، وذات حِلم ووقار.

 

قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم - من صفية.

لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة، وأقبل هلال المحرم من أول السنة السابعة تهيأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز، فخرج - صلى الله عليه وسلم - مع ألف وأربعمائة مقاتل في النصف الثاني من المحرّم إلى خيبر (معقل اليهود)000و سار يفتح حصون خيبر ومعاقلها واحداً إثر واحد، حتى أتى القموص (حصن بني أبي الحُقين) ففتحه، وجيء بسبايا الحصن ومنهنّ صفية ومعها ابنة عمّ لها، جاء بهما بلال -رضي الله عنه-، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكّت وجهها وصاحت، وحثت التراب على وجهها، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (أغربوا هذه الشيطانة عني)000وصفية ثابتة الجأش رزينة، فأمر بصفية فجُعِلت خلفه، وغطى عليها ثوبه، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه، وقال لبلال: (أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تَمُرٌّ بالمرأتين على قتلاهما؟).

 

رؤيا البشارة

وقبل ذلك كانت صفيـة قد رأت أن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها، فذكرت ذلك لأمهـا فلطمت وجهها وقالـت: (إنّك لتمدّين عُنُقك إلى أن تكوني عند مَلِك العرب)000فلم يزل الأثر في وجهها حتى أُتيَ بها الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلمّا سألها عنه أخبرته، فكبرت في نفسه حين سمع منها هذه البشارة التي زفُها الله - تعالى -إليها في هذه الرؤيا الصالحة، وواسى آلامها وخفّف من مُصابَها، وأعلمها بأن الله - تعالى -قد حقق رؤياها.

وقد قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (هل لك فيّ؟)000يرغّبها بالزواج منه، فأجابت: (يا رسول الله، قد كنتُ أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام)000فأعتقها - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها، وكان عتقُها صداقُها.

 

ولما أعرس الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصفية، بخيبر أو ببعض الطريق، وكانت التي جمّلتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشّطتها وأصلحت من أمرها، أم سليم بنت مِلحان أم أنس بن مالك، فبات بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قبة له، ولمّا قدمت صفية -رضي الله عنها- من خيبر، أنزلت في بيت الحارث بن نعمان فسمع نساء الأنصار، فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت السيدة عائشة متنقبة، فلما خرجت، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على أثرها فقال: (كيف رأيت يا عائشة؟) قالت: (رأيتُ يهودية) فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسُنَ إسلامها)

 

وما أن حلّت صفية -رضي الله عنها- بين أمهات المؤمنين شريكة لهن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أثارت حفيظة بعضهن، وقد لاحظت هي ذلك، فقدمت لهنّ بعض الحلي من الذهب كرمز لمودتها لهن، كما قدمت أيضاُ لفاطمة -رضي الله عنها-.

ومن بعض المواقف التي حصلت بين الضرائر، بلغ صفية أن حفصة قالت لها: (بنت يهودي)000فبكت فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي فقال: (ما شأنك؟)000قالت: (قالت لي حفصة إني بنت يهودي)000فقال لها النبي: (إنك لبنتُ نبيّ، وإنّ عمّك لنبيّ، وإنّك لتحت نبيّ، فبِمَ تفخرُ عليكِ) ثم قال: (اتق الله يا حفصة).

وقد حج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنسائه، فبرك بصفية جملها، فبكت وجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمّا أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكي وهو ينهاها، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس، فلمّا كان عند الرواح، قال لزينب: (أفقري أختك جملاً)000أي أعيريها إياه للركوب، وكانت أكثرهن ظهراً، فقالت: (أنا أفقِرُ يهوديتك؟!)000فغضب - صلى الله عليه وسلم - فلم يكلّمها حتى رجع إلى المدينة، ومحرّم وصفر فلم يأتها، ولم يقسم لها ويئست منه، حتى جاء ربيع الأول، وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في حُسنِ معاشرته لـ(صفية) يبدلها الغم سروراً، والغربة أنساً.

 

كانت - رضي الله عنها- صادقة في قولها، وقد شهد لها بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعندما اجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضـه الذي توفـي فيه، قالت صفيـة: (إني واللـه لوددت أن الذي بك بـي)000فغَمَـزنَ أزواجه ببصرهـن فقال الرسـول - صلى الله عليه وسلم -: (مضمِضنَ)000أي طهّرن أفواهكنّ من الغيبة000قُلنَ: (من أي شيء؟)000فقال: (من تغامزكنّ بها، والله إنها لصادقة)000

كما أن صفية -رضي الله عنها- كانت حليمة تعفو عند المقدرة، كما اتصفت -رضي الله عنها- بعمق الفهم ودقة النظر، توفيت -رضي الله عنها- حوالي سنة خمسين للهجرة، والأمر مستتب لمعاوية بن أبي سفيان، ودفنت في البقيع مع أمهات المؤمنين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply