قالوا عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مونتغمري وات

[1] \"منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابه (الأبطال وعبادة البطل) أدرك الغرب أن هناك أسبابًا وجيهة للاقتناع بصدق محمد. إذ إن عزيمته في تحمل الاضطهاد من أجل عقيدته، والخلق السامي للرجال الذين آمنوا به، وكان لهم بمثابة القائد، وأخيرًا عظمة عمله في منجزاته الأخيرة، كل ذلك يشهد باستقامته التي لا تتزعزع. فاتهام محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه دجال Imposteur يثير من المشاكل أكثر مما يحلّ. ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حط من قدرها في الغرب كمحمد - صلى الله عليه وسلم -. فقد أظهر الكتاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ الأمور عن محمد - صلى الله عليه وسلم - وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من الوقائع ممكنًا قبوله. ولا يكفي، مع ذلك، في ذكر فضائل محمد أن نكتفي بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه. وإذا أردنا أن نصحح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل حالة من الحالات، لا يقوم الدليل القاطع على ضدها، أن نتمسك بصلابة بصدقه. ويجب علينا أن لا ننسى عندئذ أيضًا أن الدليل القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنًا وأنه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه..\"(1).

 

[2]\"هناك على العكس أسباب قوية تؤكد صدق (محمد) - صلى الله عليه وسلم - ونستطيع في مثل هذه الحالة الخاصة أن نبلغ درجة عالية من اليقين، لأن النقاش حول هذه المسألة.. يعتمد على وقائع ولا يمكن أن يتضمن خلافًا في التقدير حول الأخلاقية.. \"(2).

 

[3]\".. ليس توسع العرب شيئًا محتومًا أو آليًا وكذلك إنشاء الأمة الإسلامية. ولولا هذا المزيج الرائع من الصفات المختلفة الذي نجده عند محمد - صلى الله عليه وسلم - لكان من غير الممكن أن يتم هذا التوسع، ولاستنفذت تلك القوى الجبارة في غارات على سوريا والعراق دون أن تؤدي لنتائج دائمة. ونستطيع أن نميز ثلاث هبات مهمة أُوتيها محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكانت كل واحدة منها ضرورية لإتمام عمل محمد - صلى الله عليه وسلم - بأكمله. لقد أوتي أولاً موهبة خاصة على رؤية المستقبل. فكان للعالم العربي بفضله، أو بفضل الوحي الذي ينزل عليه حسب رأي المسلمين، أساس فكري (إيديولوجي) حلت به الصعوبات الاجتماعية، وكان تكوين هذا الأساس الفكري يتطلب في نفسه الوقت حدسًا ينظر في الأسباب الأساسية للاضطراب الاجتماعي في ذلك العصر، والعبقرية الضرورية للتعبير عن هذا الحدس في صورة تستطيع إثارة العرب حتى أعمق كيانها.. وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا رجل دولة حكيمًا. ولم يكن هدف البناء الأساسي الذي نجده في القرآن، سوى دعم التدابير السياسية الملموسة والمؤسسات الواقعية. ولقد ألححنا خلال هذا الكتاب غالبًا على استراتيجية محمد - صلى الله عليه وسلم - السياسية البعيدة النظر على إصلاحاته الاجتماعية ولقد دلّ على بعد نظره في هذه المسائل الانتشار السريع الذي جعل من دولته الصغيرة إمبراطورية، وتطبيق المؤسسات الاجتماعية على الظروف المجاورة واستمرارها خلال أكثر من ثلاثة عشر قرنًا. وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - ثالثًا رجل إدارة بارعًا، فكان ذا بصيرة رائعة في اختيار الرجال الذين يندبهم للمسائل الإدارية. إذ لن يكون للمؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق خاطئًا مترددًا. وكانت الدولة التي أسسها محمد - صلى الله عليه وسلم - عند وفاته، مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود في وجه الصدمة التي أحدثها غياب مؤسسها، ثم إذا بها بعد فترة تتلاءم مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساعًا رائعًا\"(3).

 

[4]\"كلما فكرنا في تاريخ محمد - صلى الله عليه وسلم - وتاريخ أوائل الإسلام، تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل. ولا شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فرصًا للنجاح لم تتحها لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف تمامًا. فلو لم يكن نبيًا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلاً مهمًا في تاريخ الإنسانية. ولي أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام، من جديد، برجل هو أعظم رجال أبناء آدم\"(4).

 

--------------

(1) محمد في مكة، ص 94.

(2) نفسه، ص 497 498.

(3) نفسه، ص 510 511.

(4) نفسه، ص 512.

 

----------------------------------------

ولز(1)

[1]\".. هل تراك علمت قط أن رجلاً على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانًا به. وقد آمنت به خديجة [رضي الله عنها] كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر [رضي الله عنه] شاهد أفضل وهو لم يتردد قط في إخلاصه. كان يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن العسير على أي إنسان يقرأ تلك الأيام إلا يؤمن بأبي بكر [رضي الله عنه]، وكذلك علي [رضي الله عنه] فإنه خاطر بحياته من أجل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحلك أيامه سوادًا.. \"(2).

 

[2]\"حجّ محمد - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها\"(3).

 

[3]\"لقد منح [العرب] العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم أما الرجل الذي أشعل ذلك القبس العربي فهو محمد - صلى الله عليه وسلم -(4).

 

--------------

(1) هربرت جورج ولز (1866 1946) H.G.Wells

الكاتب والأديب البريطاني المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل (آلة الزمن) و(الرجل الخفي)، فضلاً عن رواياته النفسية والاجتماعية من مثل (ميكا فيللي الجديد) و(الزواج). ولم يغفل ولز البحث في التاريخ فأنجز عام 1920 (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) (1944). ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان: (تجربة في كتابة السيرة الذاتية).

(2) معالم تاريخ الإنسانية، 3 / 639.

(3) نفسه، 3 / 640 641.

(4) موجز تاريخ العالم، ص 200 201.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply