بني قريظة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

وقعت هذه الغزوة بعد غزوة الأحزاب مباشرة، في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة الهجرية.

وواضح من سير الأحداث أن سبب الغزوة كان نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، بتحريض من حيي بن أخطب النضري.

وقد أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الزبير لمعرفة نيتهم، ثم أتبعه بالسعدين وابن رواحة وخوات لذات الهدف ليتأكد من غدرهم.

ولأن هذا النقض وهذه الخيانة قد جاءت في وقت عصيب، فقد أمر الله - تعالى - نبيه بقتالهم بعد عودته من الخندق ووضعه السلاح، وامتثالاً لأمر الله أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يتوجهوا إلى بني قريظة، وتوكيدا لطلب السرعة أوصاهم قائلاً: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) كما في رواية البخاري، أو الظهر كما في رواية مسلم.

وعندما أدركهم الوقت في الطريق، قال بعضهم: لا نصلي حتى نأتي قريظة، وقال البعض الآخر: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا منهم. وهذا اجتهاد منهم في مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن حجر: (… وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين البخاري ومسلم باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر، وبعضهم لم يصلها، فقيل لمن لم يصلها: لا يصلين أحد الظهر، ولمن صلاها: لا يصلين أحد العصر. وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر، وكلاهما جمع لا بأس به …).

 

خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ستة وثلاثون فرساً وضرب الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح، وضيق عليهم الخناق حتى عظم عليهم البلاء، فرغبوا أخيرا في الاستسلام، وقبول حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم. واستشاروا في ذلك حليفهم أبا لبابة بن عبد المنذر - رضي الله عنه -، فأشار إلى أن ذلك يعني الذبح. وندم على هذه الإشارة، فربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي، حتى قبل الله توبته.

وعندما نزلوا على حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس، لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فلما دنا من المسلمين قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: (قوموا إلى سيدكم أو خيركم، ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك). قال: تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قضيت بحكم الله - تعالى -.

ونفذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - حكم الله فيهم، وكانوا أربعمائة على الأرجح. و لم ينج إلا بعضهم، وهم ثلاثة، لأنهم أسلموا، فأحرزوا أموالهم، وربما نجا اثنان آخران منهم بحصولهم على الأمان من بعض الصحابة، أو لما أبدوه من التزام بالعهد أثناء الحصار. وربما نجا آخرون لا يتجاوزن عدد أفراد أسرة واحدة، إذ يفهم من رواية عند ابن إسحاق وغيره أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا القرظي، فاستحياهم، منهم عبد الرحمن بن الزبير، الذي أسلم، وله صحبة.

وجمعت الأسرى في دار بنت الحارث النجارية، ودار أسامة بن زيد، وحفرت لهم الأخاديد في سوق المدينة، فسيقوا إليها المجموعة تلو الأخرى لتضرب أعناقهم فيها. وقتلت امرأة واحدة منهم، لقتلها خلاد بن سويد - رضي الله عنه -، حيث ألقت عليه، جرحى، ولم يقتل الغلمان ممن لم يبلغوا سن البلوغ. ثم قسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أموالهم وذراريهم بين المسلمين.

 

مصير بعض سيي بني قريظة:

ذكر ابن إسحاق وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.

 

وذكر الواقدي في المغازي في شأن بيع سبايا بني قريظة قولين آخرين إضافة إلى ما ذكره ابن إسحاق، والقولان هما:

1- بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا ليبيعهم ويشتري بهم سلاحاً وخيلاً.

2- اشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما - جملة من السبايا … إلخ. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة بأن ذلك كله قد حدث.

واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة، وأسلمت. وقد توفي عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في ملك يمينه، وكان ذلك باختيارها.

 

أحكام وحكم ودروس وعبر من غزوة بني قريظة:

1- جواز قتل من نقض العهد. ولا زالت الدول تحكم بقتل الخونة الذين يتواطؤون مع الأعداء حتى زماننا هذا.

2- جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم. كما في تحكيم ابن معاذ.

3- مشروعية الاجتهاد في الفروع، ورفع الحرج إذا وقع الخلاف فيها. فقد اجتهد الصحابة في تفسير قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا لا يصلين أحد العصر أو الظهر إلا في بني قريظة)، ولم يخطئ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم.

4- ذكر النووي أن جماهير العلماء احتجوا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وغيره على استحباب القيام لأهل الفضل، وليس هذا من القيام المنهي عنه، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه هو جالس ويمثلون قياما طوال جلوسه، وقد وافق النووي جماهير العلماء في هذا، ثم قال: (القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاء في أحاديث، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح. وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيها عما توهم النهي عنه).

5- قال الدكتور البوطي: واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، لأن مشروعية إكرام الفضلاء لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته، بل إن من أبرز صفات الصالحين أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهادا في طلب هذا الشيء … (غير أن من أهم ما ينبغي أن تعلمه في هذا الصدد أن لهذا الإكرام المشروع حدود إذا تجاوزها، انقلب الأمر محرما، واشترك في الإثم كل من مقترفة والساكت عليه. فمن ذلك ما قد تجده في مجالس بعض المتصوفة من وقوف المريدين عليهم وهم جلوس، يقف الواحد منهم أمام شيخه في انكسار وذل … ومنه ما يفعله بعضهم من السجود على ركبة الشيخ أو يده عند قدومه عليه، أو ما يفعله من الحبو إليه عندما يغشى المجلس … فالإسلام قد شرح مناهج للتربية وحظر على المسلمين الخروج عليها، وليس بعد الأسلوب النبوي في التربية من أسلوب يقر).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply