هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل


  

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال:

في صحيح البخاري المجلد (7/297) ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل خبزاً رقيقاً ولحماً مشوياً، فهل يمنع مثل هذا الطعام؟ وهناك أيضاً حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل طعاماً متتالياً مرتين طوال حياته، فهل يكون اتباع مثل ذلك سنة أو مباحاً أو مندوباً؟.

 

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد: أود قبل الإجابة عن الحديثين المستفسر عنهما أن أذكر شيئاً من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام فمن ذلك:

1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل من الطيبات ما تيسَّر له، فلم يكن يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فكان - عليه الصلاة والسلام - يأكل الحلوى والعسل ويحبهما، ففي صحيح البخاري (5431) من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلوى والعسل.\"

وكان يأكل اللحم المطبوخ، والمشوي، كما جاء في أحاديث كثيرة منها:-

ما جاء في صحيح البخاري(208) من حديث عمرو بن أمية - رضي الله عنه - أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتز أي يقطع من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها...... الحديث. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: \" أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ... \" البخاري (3340)، ومسلم (194) الحديث. وفي صحيح البخاري (2618) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى شاة فصنعت له وأمر بسواد البطن يشوى.... الحديث وأكل الحيس، وهو ما يتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل مكان الأقط الفتيت أو الدقيق، ففي صحيح البخاري(5425) من حديث أنس - رضي الله عنه -، في قصه بنائه - صلى الله عليه وسلم - بصفية بنت حيي ٍ, \".... حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيساً في نطع، ثم أرسلني فدعوت رجالا ً فأكلوا..... \" الحديث. وأكل الثريد، وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم. ففي صحيح البخاري(5420) من حديث أنس - رضي الله عنه -، قال: دخلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على غلام له خياط، فقدم إليه قصعة فيها ثريد... \" الحديث. وأكل الدباء، وهو اليقطين (القرع)، ففي الصحيحين البخاري(2092)، ومسلم(2041) من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: \" قرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبزاً من شعير. ومرقاً فيه دباء وقديد. قال أنس: فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حولي الصفحة... \" الحديث. وربما جمع بين لونين من الطعام، ففي الصحيحين البخاري(5440)، ومسلم(2043) من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهما - قال: \"رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل الرطب بالقثاء\" قال النووي: (في هذا الحديث جواز أكل الشيئين من الفاكهة وغيرها معاً وجواز أكل طعامين معاً، ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك، وما نقل عن السلف من خلاف هذا محمول على الكراهة منعاً لاعتياد التوسع والترفه والإكثار لغير مصلحة دينية).

2- وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يعيب طعاما ً قط، ففي الصحيحين البخاري(3563)، ومسلم(2064) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: \" ما عاب النبي صلى الله عيه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. \"ولما قدم له الضب وعافه... لم يحرمه وأكل على مائدته، ففي صحيح البخاري(5391) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: \"أن أم حفيد بنت الحارث أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ضباً، وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يسمى له، فأهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قدمتن له، هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد: أحرم الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلي. \"

3- وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يجد طعاماً صبر حتى إنه يعرف في صوته الجوع، وربما ربط على بطنه الحجر من شدة الجوع، ويرى الهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار. ففي صحيح مسلم(2978) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - يذكر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي، ما يجد دقلا ً يملأ به بطنه. وفي الصحيحين البخاري(2567)، ومسلم(2972) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي تعني عروة إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار، قال: قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقينا \" الحديث.

4- حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على القصد والاعتدال في الطعام والشراب، ففي حديث المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه \" أخرجه أحمد(16735)، والترمذي(2380) وقال حديث حسن صحيح. ويؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الأكل، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل ويذمون بكثرة الأكل. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - موصوفاً بقلة الأكل. قال القاضي عياض: (هذا ما لا يدفع من سيرته، وهذا الذي أمر به وحض عليه.... ). هذه لمحة موجزة عن هديه - صلى الله عليه وسلم - في طعامه، ويجاب عن الحديثين المستفسر عنهما في السؤال بما يأتي: -

أما حديث عائشة - رضي الله عنها -: \"ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض\" البخاري(5374)، ومسلم (2970) الشبع المنفي في هذا الحديث مقيد بقيدين هما:

1- الشبع المتوالي بمعنى أنهم لا يشبعون الأيام المذكورة متوالية، ولهذا يأخذ من الحديث جواز الشبع في الجملة.

2- قيد الشبع بالطعام المذكور، وهو البر، وعند مسلم(2970) \"ما شبع من خبز الشعير يومين متتاليين \"

وقد أخبرت عائشة - رضي الله عنها - بشبعهم من التمر، ففي صحيح البخاري(5383): \"توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - حين شبعنا من الأسودين التمر والماء\"، ولعل عدم شبعهم من البر أو الشعير بسبب قلته عندهم أو أنهم قد يجدون ويؤثرون على أنفسهم. أو يتركون ذلك كراهة الشبع وكثرة الأكل. وحديث أنس - رضي الله عنه -: \"ما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - خبزاً مرققاً، ولا شاة مسموطة، حتى لقي الله\" البخاري(5385) الخبز المرقق: الترقيق هو التلين، والمرقق من الخبز ما كان ملينا محسنا موسعا، وهذا النوع من الخبز لم يكن موجوداً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الصفة، وحين وجد في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - رأوا أنه من التوسع في العيش، فعن قتادة، قال: كنا عند أنس - رضي الله عنه - وعنده خباز له...... فذكر الحديث. وعند الطبراني(1/673) من طريق راشد بن أبي راشد قال: \" كان لأنس غلام يخبز له الحواري ويعجنه بالسمن \"، والحواري: الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة. وعن أبي حازم أنه سأل سهلا هل رأيتم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - النقي؟ أي خبز الدقيق الحواري، وهو النظيف الأبيض قال: لا، قال: فهل كنتم تنخلون الشعير؟ قال: لا، ولكن كنا ننفخه وفي لفظ آخر: هل كانت لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل؟، قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. أخرجه البخاري(5413) والشاة المسموطة: المسموط الذي أزيل شعره بالماء المسخن، وشوى بجلده أو يطبخ، ويصنع ذلك في الصغير السن الطري، وقد ذكر العلماء أن طبخ الشاة على هذه الصفة من صنيع أهل الترف.

وأسأل الله- تبارك وتعالى -أن يوفقنا لاتباع هديه في طعامه، وفي سائر أحواله، فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply