عمرة القضاء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

في العام السابع الهجري، أصبح للمسلمين الحق في دخول مكة للعمرة حسب اتفاقهم مع قريش في العام السابق، فخرج رسول الله - صلى الله عله وسلم - ومعه ألفان من المسلمين ودخلوا مكة حاملين سيوفهم، وأخذوا يطوفون حول الكعبة في عزٍّ, وقوة، حتى قال أهل مكة من الكفار، وهم ينظرون في دهشة إلى المسلمين وقوتهم: هؤلاء هم الذين قلتم: إن حُمَّى المدينة أضعفتهم! [أحمد]

 

وقضى المسلمون عمرتهم ثم خرجوا من مكة بعد ثلاثة أيام احترامًا للاتفاق الذي عقدوه في صلح الحديبية مع كفار قريش، وسميت هذه العمرة بعمرة القضاءº لأن المشركين صدوا رسول الله - صلى الله عله وسلم - عام الحديبية عن البيت الحرام، فكان مجيئه في العام التالي لقضاء ما فاته.

 

وبينما الرسول - صلى الله عله وسلم - وحوله أصحابه عائدون، إذا بفتاة تخرج من مكة، تجري خلفهم وتنادي رسول الله - صلى الله عله وسلم - قائلة: يا عم. يا عم.

إنها ابنة حمزة سيد الشهداء الذي استشهد في أحد، فأخذها علي بن أبي طالب، وسلمها إلى السيدة فاطمة زوجته، وإذا بزيد بن حارثة وجعفر يتنافسان على أيهما أحق بكفالتها.

فقال جعفر: ابنة عمي وخالتها زوجتي. وقال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي.

وقال زيد: ابنة أخيº لأن النبي - صلى الله عله وسلم - قد آخى بين زيد وحمزة. فحكم النبي - صلى الله عله وسلم - بأن تكون مع جعفر وزوجته. وقال: \"الخالة بمنزلة الأم\" [البخاري].

وفي هذه العمرة تزوج الرسول - صلى الله عله وسلم - من السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية -رضي الله عنه-.

 

إسلام عمرو بن العاص:

أمام انتصارات الإسلام المتتالية، وازدياد قوة المسلمين يومًا بعد يوم، وقف عمرو بن العاص مع نفسه، فهداه تفكيره إلى أن يرحل إلى الحبشة ويراقب من هناك صراع الإسلام مع المشركين من قريش، فإذا انتصر المسلمون كان آمنًا، وإذا انتصر الكفار عاد إليهم.

وبينما عمرو بن العاص يستعد للدخول إلى النجاشي ملك الحبشة إذا به يرى عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه- خارجًا من عنده، فلما دخل عمرو على النجاشي قال له: أيها الملك إن قد رأيت رجلاً يخرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا.

فغضب النجاشي، ولطم أنفه بضربة شديدة، حتى ظن عمرو أن أنف النجاشي قد كسرت، وارتعد عمرو من الخوف، لكنه تماسك وقال للنجاشي: أيها الملك! والله، لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله؟ فقال عمرو: أيها الملك، أكذاك هو؟ فقال النجاشي: ويحك يا عمرو! أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى بن عمران على فرعون وجنوده.

فقال عمرو: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم.

فبسط عمرو يده، فبايعه على الإسلام. فلما قدم عمرو المدينة ذهب إلى رسول الله - صلى الله عله وسلم - ليبايعه وقال لرسول الله - صلى الله عله وسلم - : يا رسول الله إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر. فقال رسول الله - صلى الله عله وسلم - : \"يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجُبٌّ - صلى الله عله وسلم - يهدم) ما كان قبله، وإن الهجرة تَجُبٌّ ما كان قبلها\"[ابن إسحاق] فأسلم عمرو، وكان إسلامه في العام الثامن الهجري.

 

إسلام خالد بن الوليد:

وقف خالد بن الوليد بعد صلح الحديبية حائرًا، فقد فَطن إلى أن النصر سيكون للمسلمين على قريش، وبدأ يفكر في مكان يذهب إليه.

وعندما وصل المسلمون مكة في عمرة القضاء، ومعهم الوليد بن الوليد أخو خالد، ظل الوليد يبحث عن أخيه خالد، فلما لم يجده ترك له رسالة، قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! ومثلُ الإسلام جهله أحد؟! وقد سألني رسول الله - صلى الله عله وسلم - عنك فقال: \"أين خالد؟ \" فقلت: يأتي الله به. فقال: \"مثله جهل الإسلام! ولو كان جعل نكايته وجدَّه مع المسلمين على المشركين، لكان خيرًا له، ولقدَّمناه على غيره\". فاستدرك يا أخي ما فاتك من مواطن صالحة. قرأ خالد هذه الكلمات الصادقة، فانشرح صدره للإسلام وتوجه إلى رسول الله - صلى الله عله وسلم - .

وفي الطريق، التقى بعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة فتوجهوا معًا إلى المدينة وقد جمع الإسلام بين قلوبهم، فلما رآهم الرسول - صلى الله عله وسلم - أشرق وجهه بابتسامة عذبة، وبايعهم على الإسلام.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply