حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد:

فإن الله قد منّ علينا أن بعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته، ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، وإن كنا من قبله لفي ضلال مبين، لقد منّ الله علينا إذ بعث فينا رسولاً من أنفُسنا، نعلم نسبه وصدقه، ونعلم طهارته وأمانته.

ولقد منَّ الله علينا إذ بعث فينا رسولاً من أنفَسنا ومن أشرفنا، وقد هدانا الله - تبارك وتعالى - به من الضلالة، وبصرنا به من العمى، وأرشدنا به من الغي، فكم من جاهل قد أحياه بهذا الوحي والعلم، وكم من تائه ضال قد هداه - صلى الله عليه وسلم - بالعلم النافع، والعمل الصالح.

ولقد طهرنا الله به من الشرك، وبصرنا به من الضلال والجهل، وأحيانا بعد أن كنا أمواتاً لا نعرف الله، ولا نعرف الواجبات الشرعية، ولا الأخلاق الفاضلة، ولا الحقوق التي لنا أو التي علينا، ولا نعرف ما نقوله في ربنا، ولا ما نعتقده فيه، ولا ما يجب له - سبحانه وتعالى -، ولا نعرف أن لنا داراً سوف ننتقل من هذه الدار إليها، وأننا سنلقى الله - سبحانه وتعالى - فيها فيحاسبنا على كل صغيرة وكبيرة، ولم نكن نعلم بالجنة والنار وبالحساب والعقاب.

فهدانا - سبحانه وتعالى - به إلى أحسن الأخلاق والأعمال، وعرفنا أحسن النظم والأحكام، والشرائع والأخلاق، وفتح الله علينا به الأرض، ففتح الله علينا البلدان، وملَّكنا رقاب الكفار، وأباح لنا دمائهم وأموالهمº لأنهم كفروا بالله، وجحدوا حقه - سبحانه -، وعاندوا شرعه، وخالفوا رسله، واختارنا الله - سبحانه وتعالى - بواسطته لنكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله الإيمان الصحيح المستمد من الوحي المعصوم ومن السنة المعصومة، فقد والله عَظُمَ حقه علينا، وصار حقه علينا أعظم من حق آبائنا وأمهاتنا، وحبه واجب علينا أعظم من حبنا لأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا وأموالنا وأوطاننا قال - تبارك وتعالى -: (( قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَآؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللّهُ بِأَمرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ ))[(24) سورة التوبة].

وإن هذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - قد عظم الله - تبارك وتعالى - مقامه، وبيَّن مكانته، وجعل له شرف عظيم، فهو في الآخرة صاحب المقام المحمود في الحشر والنشرº حيث يكون لواء الحمد بيده، وآدم وغيره من الأنبياء تحت لوائه يوم القيامة، وهو صاحب الحوض المورود، وصاحب الشفاعة العظمى - صلى الله عليه وسلم -، وهو وحده صاحب الوسيلةº المكان الرفيع في الجنة التي لا ينالها إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل قد جاء في أثر وإن كان فيه ضعف ولم يأخذ به الأئمة المحققون إلا أنهم قد ذكروا وتناقلوا أنه - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - يجلسه الله معه على العرش، وإنما هذا لا يجوز اعتقاده لعدم صحة الدليل فيه، لكن هذا مما قد نقله أهل الحديث، وأهل الأثرº أن هذا من خصائصه - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -.

أما في الدنيا فهو سيد ولد آدم ولا فخر، وصاحب الآية العظمى التي لم يحصل أحد من الأنبياء مثلها ألا وهي القرآن، وإعجاز القرآن، وبلاغته وفصاحته، وتشريعاته وأحكامه، وأخلاقه وقصصه، وهديه الذي لو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله في تشريعاته وبلاغته، وفصاحته وإعجازهº لما قدروا على الإتيان بسورة من مثله أو بآية من مثله.

هذا الرسول العظيم الذي قرن الله - تبارك وتعالى - توحيده بتوحيده، فلا يثبت توحيد لله إلا بتوحيد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإتباع والطاعة، والتصديق والإيمان به، فشهادة ألا إله إلا الله مقرونة بشهادة أن محمداً رسول الله، وإفراد الله - تبارك وتعالى - بالتوحيد مقرون بإفراده - بأبي هو وأمي - بالطاعة والإتباع.

وقد رفع الله له ذكره، وشرح له صدره قال - تعالى-: (( أَلَم نَشرَح لَكَ صَدرَكَ... وَرَفَعنَا لَكَ ذِكرَكَ ))[1- 4 سورة الشرح] وهذا الأسلوب في اللغة العربية معناه الإثباتº لأن: ألم نشرح لك صدرك معناه شرحنا لك صدرك كقول الشاعر في البيت الذي قال أهل الأدب والمعاني أنه أمدح بيت قالته العرب:

ألستم خير من ركب المطايا                        وأندى العالمين بطون راح

قال الإمام الشافعي ومجاهد وغيره من العلماء: أن معنى (( وَرَفَعنَا لَكَ ذِكرَكَ )) أنه لا يذكر الله إلا ذكر معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الأذانº فيقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله، وكما في التشهد يقول المصلي: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وكذلك الكافر عندما يدخل في الإسلام يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللهº ولهذا فإن هذا النبي العظيم، خاتم الأنبياء والرسل هو بالنسبة لنا أعظم من آباءنا من حيث أن آبائنا إنما ربوا أجسادنا بالغذاء والشراب، لكن هذا الدليل العظيم ربا عقولنا بواسطته وبفضله - ولله الحمد والمنة -، وهذا بعض فضله - صلى الله عليه وسلم -، فقد جنبنا الشرك حين علمنا التوحيد، وحذرنا من الشرك وبينه لنا، فصرنا مسلمين موحدين، ولم نصبح خرافيين أو مشعوذين أو كهنة أو دجالينº كما هو حال من أعرض عن توحيد الله - تبارك وتعالى -، والتجأ إلى غير الله، واستغاث بغير الله، وعبد غير الله كالطبيعة أو شياطين الإنس أو الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء أو غير ذلك، فإن الله - سبحانه وتعالى - هدانا به - صلى الله عليه وسلم -  إلى التوحيد، فعرفنا الله - تبارك وتعالى - بما يستحقه من الأسماء والصفات، وما يستحقه من العبادة، وكل هذا بفضل إرسال هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم -  فحرمت النار على كل موحد، وحرم البقاء والخلود في النار على أهل لا إله إلا الله، ومن دخلها منهم ممن أصاب بعض الذنوب والكبائر من القتل أو الزنا، أو السرقة أو شرب الخمر، أو الظلم أو البغي أو ما أشبه ذلكº فإنه بفضل الله ثم بفضل هذا النبي الكريم وما أتانا به من التوحيد والإيمان لا يخلد فيها كما يخلد أهل الكفر والإلحاد، وهذا بفضل الله.

وأما شفاعته - صلى الله عليه وسلم -  فإنه يشفع أحياناً لأناس من أمته خفت موازينهم، واستوجبوا دخول النار، فيشفع لهم - عليه الصلاة والسلام - أن لا يدخلوا النار، ومن دخلها فإنه - صلى الله عليه وسلم -  يشفع له بعد مدة أن يخرج منها، ويشفع لأناس بأن ترتفع منازلهم في الجنة، ويشفع - صلى الله عليه وسلم -  في أناس تساوت حسناتهم مع سيئاتهم فلم تترجح حسناتهم حتى يدخلوا الجنة، ولم تترجح سيئاتهم حتى يدخلوا النار، فيكونون في موطن بين الجنة والنارº فيشفع لهم - عليه الصلاة والسلام - بدخول الجنة، كما يشفع للجميع من مسلمين وكفار وسائر أهل الموقف من الأولين والآخرين شفاعة عظيمة لا يستطيع أحد أن يتصدى لها ألا وهي أنه هو وحده الذي يأتي الله - تبارك وتعالى - لفصل الخطاب بشفاعته والحساب بين الناس،  حيث يأتي الناس إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، فيعتذر الجميع، ثم يأتون إلى محمد - عليه الصلاة والسلام – فيقول: أنا لها، أنا لهاº فيأتي ويسجد حتى يقول الله - تبارك وتعالى - له: \" يا محمد أرفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع\"، فهذا هو المقام المحمود الذي يحمده الأولون والآخرون، ففضائله وخصائصه لا تعد ولا تحصى، ولهذا يجب لهذا النبي العظيم الكريم على كل من آمن به واتبعه أن يؤدي بعض حقوقهº لأن حقه لا يُستطاع له - عليه الصلاة والسلام -  كله، ولكن يجب أن يؤدي الفرد ما استطاع من حقوقه - صلى الله عليه وسلم -.

ومن ذلك:

* الإيمان به، وتصديقه في كل ما أخبر إيماناً لا يخالطه شك ولا تردد، ولا يخالطه توقف (( وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلَا مُؤمِنَةٍ, إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَالاً مٌّبِيناً ))[(36) سورة الأحزاب] فتصدق أخباره، ولا يجوز أن تعارضها بعقل سقيم ضعيف جاهل، بشري محدود لا يتجاوز الجدران، لم يزكى إلا بما زكاه الله به، وإلا فإن هذا العقل البشري ضال جاهل، قد عَبَدَ المطر والنار، وعبد قوى الطبيعة والفئران، بل عبد فروج النساء، فما كان له أن يزكى، ولا أن يعلوº إلا بواسطة ما جاء به الأنبياء، وأفضلهم وأعلاهم مقاماً ومرتبة ومنزلة هو محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.

وما يتبجح به الفلاسفة من الحكمة، وما يردده المتكلمين من منطق المسائل والمعرفة المتعلقة باللهº أخذوها منه - عليه الصلاة والسلام - كما قال ابن القيم - رحمه الله - بما معناه: \" اسألني فإني خبير بما عند القوم، والله ما عندهم من الهدى إلا ما أخذوه عن من جاء بالقرآن \" فكل هؤلاء المفكرين إذا تكلموا عن العدالة أو ما أتوا به منها ومن الحق فإنما هو مأخوذ من دين الإسلام، والملكية الشخصية التي يتبجح بها الغرب على الدب الشيوعي المندثر، وما عندهم من الحق قد جاء به الإسلام بريئاً ومنزهاً عما أضافوه إليه من الظلم والاعتداء والجور.

وهكذا القيم وحقوق الله - وبخاصة نحن المسلمون -، فقد ظهرت في ديننا وشريعتنا معالم حقوق الله - سبحانه وتعالى - بعيدة عن الابتداع والغلو، وبعيدة عن الجفاء - من الزيادة والنقصان - فمن أراد أن يعبد الله كما أراد، وأن يحبه ويرضاهº فليعبده كما تعبَّده محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام -، فهو العبد الذي أثنى الله عليه بالعبودية الحقة المحضة الخالصة، القائمة على المتابعة والإخلاص والصدق: ((سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِّنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[1: سورة الإسراء]، (( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبدُ اللَّهِ يَدعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَداً ))[19: سورة الجن] (( الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبدِهِ الكِتَابَ وَلَم يَجعَل لَّهُ عِوَجَاً ))[1: سورة الكهف].

وهو العبد الذي يقول فيه عيسى - عليه الصلاة والسلام -: (أتوا محمداً، عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) فكل العبودية الحقة الخالصة الصادقة إنما أخذت منه - عليه الصلاة والسلام -، وأما العبودية المزيفة أو المبتدعة المحدثة فهذه لا تنفع ولا تقدم صاحبها إلى الله - تبارك وتعالى -.

والإيمان به وتصديقه ضروري، ولا يجوز أن يعارض كلامه بالدستور أو القانون أو العرف، ولا أن يعارض كلامه بالمذاهب، أو الاحتجاج بما يقوله الآباء والأمهات والأقارب والقبيلة، فمن فعل ذلك فليس بمؤمن حقاً بالرسول - صلى الله عليه وسلم -،  ولا مصدق به كما يجب: (( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيماً ))[65: سورة النساء].

* كما أن من حقه - صلى الله عليه وسلم - امتثال أمره، واجتناب نهيه، وذلك بقدر أعظم من طاعة الجنود لأوامر قادتهم الذين يأمرونهم أحياناً بأكل المحرمات، أو بالظلم والعدوان، أو أحياناً بخلاف السنة، ويأمرونهم مع ذلك بالطاعة العمياء، والوقوف لهم وكأنهم أصنام وما أشبه ذلكº فيجب طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من طاعة الجنود لقيادتهم، بل إن قادة الجنود يطاعون في طاعة الله - سبحانه وتعالى -، ولا يطاعون في معصية الله، فيجب أن يطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  أعظم من طاعة الابن لأبيه، أو طاعة المرؤوس لرئيسه، والمحكوم للحاكم، وطاعة الحاكم إنما تكون في طاعة الله، فمن أطاع الحاكم في معصية رسول الله فقد اتخذه طاغوتاً، وقد أشرك بالله - عز وجل - ولهذا يقول - سبحانه -: (( يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم ))[(59) سورة النساء] لماذا لم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم؟! قال أهل العلم: لأن طاعتهم ليست مستقلةº إنما يطاعون إذا أمروا بطاعة الله، ولهذا فالأمر الذي يأمرون به هو ما أمر الله به، والنهي الذي ينهون عنه هو ما نهى الله عنه، فليس لهم أوامر مستقلة، ولا منهات مستقلة، فإذا أمروا بما يعارض أمر الله، أو نهوا بما يعارض شرع اللهº فهؤلاء طواغيت لا طاعة لهم حاكماً أو عالماً، أو قائداً أو شيخاً أو عريفاً أو كان ما كان من أوصاف الناس، إنما طاعته تبع لطاعة الله وطاعة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -.

* كما أن من حقه - صلى الله عليه وسلم - علينا تحكيم شرعه، والعمل على تطبيق شريعته، فإن هؤلاء الأقوام والدول والحكومات قد أبقت شعار \"لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"، ولكنه مُنحَّى عن التدخل في شؤون العلاقات الدولية، والتدخل في الشؤون الاقتصادية والفكرية، والعقدية والأخلاقية والأدبية، مُنحَّى عن هذا كله، وهم قد تعدوا على كل هذه الحقوق، وصاروا يقتدون بغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنظمة والطواغيت البشرية - إلا من رحم الله -، ولقد صار شعار \" أن محمداً رسول الله \" دليل على ديانة الشخص أنه مسلم، أما مسألة: ماذا أحل لك رسول الله وماذا حرم عليك؟ وبماذا أمرك؟ وكيف تفعل إذا تعارض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أمر أبيك وأمك، أو جدك أو ابنك أو رئيسك؟ أو مع شهواتك سواء شهوة البطن أو شهوة الفرج، أو أي شهوة من الشهوات؟ وهل تقدم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل هذه أم تقدم هذه الأشياء؟

وأكثر الناس ليس عنده فصل في هذه القضايا، فتاه يتذبذب ويتردد وأحياناً يؤثر شهواته ودنياه على أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فمن حقه - صلى الله عليه وسلم - تحكيم شريعته في كل قضية ومسألة ونزاع، سواء بين الحاكم والمحكوم، أو بين الرجل وزوجته، أو أبيه وأمه، أو جاره، أو الكفار.

* كذلك من حقه - عليه الصلاة والسلام - نشر دعوته ودينه حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخل هذا الدين إليه، وأن يصل إلى مسامع كل بشر، وكل إنسان على هذه البسيطة في أي مكانº سواء أكان أسوداً أو أبيضاً، عربياً أو عجمياً، فيجب أن تصل رسالته - عليه الصلاة والسلام - إلى هؤلاء، وهذاهو واجب الجميع كما قال - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم: (( لِيُنذِرَكُم وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُم تُرحَمُونَ ))[(63) سورة الأعراف]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليبلغ الشاهد الغائب) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -.

* كما أن حقه - عليه الصلاة والسلام - أن نتعلم سنته، وأن نحيي بيوتنا بأقواله الشريفة، وأفعاله الطاهرة التي هي أسوة لنا: (( الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبدِهِ الكِتَابَ وَلَم يَجعَل لَّهُ عِوَجَاً ))[(1) سورة الكهف]، أما من لا يرجو الله ولا اليوم الآخر، فهو يعيش أعمى في هذه الحياة، ((وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعمَى وَأَضَلٌّ سَبِيلاً ))(72) سورة الإسراء، فلا يوجد عنده حديث عن رسول الله، لكن يوجد عنده أشرطة الأغاني وفضائيات، وأنواع من الأفلام الإباحية والمجلات الخليعة وما أشبه ذلك، فنسأل الله العافية والسلامة.

* ومن حقوقه حبه - صلى الله عليه وسلم - قال - تبارك وتعالى -: (( قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَآؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللّهُ بِأَمرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ ))[(24) سورة التوبة].

وهذا الحب ينبغي أن يصل إلى الحد الذي ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث قال عمر - ولا يريد أن يبالغ رضي الله عنه، وقد خاف أن يكون هناك مبالغة في التطبيق العملي - : يا رسول الله والله إنك لأحب من كل شيء إلا من نفسي!!، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يا عمر! حتى أكون أحب إليك من نفسك!!)، وقال صلى الله عليه وسلم -: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده الناس أجمعين).

وهذا الحبº حب عاطفي، وحب عملي تطبيقي في الحياة، ولو كان هناك شخص أنت تقدره وتعظمه، وتستنصحه وتقبل منه النصيحة، فلماذا لا يخطر على بالك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتمضي حياتك ثلاثين أو أربعين أو خمسين أو ستين سنة وأنت ربما سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، وإن كنت تحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فيحب أن تبحث عن هديه، أو تستشيره في كل عمل وقول بالرجوع إلى سنته لتنظر هل يأمرك بذلك أم لا.

وكذلك يجب بغض كل من يعاديه أو يتنقصهº بل يجب أن يقتل من ينتقصه وهذا حكم الله - تعالى- وشرعه، وهو حق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يؤمن أحدنا حتى يؤمن بهذا الحق سواءً كان فاعل ذلك مسلماً أو كافراً، يهودياً أو نصرانياً، مشركاً أو وثنياً، حكاماً أو محكومين، مثقفين أو غير مثقفين، صحفيين أو غير صحفيين، علماء أو جهالاً، عامة أو قادة، رجلاً أو امرأةº أياً كان، فإنه إن تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو شتمه، أو سبه أو لمزه، أو غمزه أو اتهمه بأي تهمة باطلةº فإن هذا لا يجوز، وحكمه أن يقتل في حكم الله وحكم رسوله أولاً، وفي حكم الصحابة والتابعيين، وحكم الأئمة والعلماء الذين بينوا هذه القضية، حتى قالوا: أنه لا تقبل توبة من سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن الله - عز وجل - قد تنازل عن حقهº أن من سبه أو شتمه أو تنقصه فإنه إذا أراد أن يتوب فليتب، والله - تبارك وتعالى - يعفو عنه، أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحقه هو حق بشري، والحق البشري لا يبرئ صاحبه إلا بإقامة الحد عليه، فمن قتل أو زنا أو ما أشبه ذلك فليس له حق أن يقول لأصحاب الدم: \"لا تقتلوني فإني قد تبت\"، أو \" لا ترجموني أو تجلدوني فإني قد تبت\" أو من سرقة فيقول: \"لا تقطعوا يدي فإني قد تبت\" فهذه الحقوق كلها حقوق بشرية، وتوبته بينه وبين الله.

وحق هذا الذي يتنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القتل، وهذا حكم الله ورسوله، وقد أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دماء أقوام كانوا يتنقصونه ففي الحديث الصحيح أن كعب بن الأشرف كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسبه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقال محمد بن مسلمة - رضي الله عنه -: أنا يا رسول الله، وأذن لي أن أقول!! فأذن له، فذهب وتلطف في الكلام والعبارة، وتحين الفرصة حتى قتله - رضي الله عنه -، وكذلك كان قتل ابن أبي الحقيق، وأباح - صلى الله عليه وسلم - دم عبد الله بن خطل وقال: (أقتلوه ولو وجدتموه بأستار الكعبة ) لأنه كان يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت له جاريتان تسبان النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل جاء رجل منافق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله! امرأة وجدت مقتولة مطعونة بخنجر!! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قتل هذه؟ أناشد الله من قتل هذه إلا أن يقول، فقام رجل أعمى فقال: يا رسول الله: إن هذه كانت صاحبتي، ولي منها غلامان كاللؤلؤتين، وكانت دائماً تشتمك وأنصحها فلا تنتصح، وفي ليلة البارحة تناولتك، فقمت إليها بهذه الخنجر ووكأته في بطنها، فقال - صلى الله عليه وسلم: (لا ينتطح فيها عنزان)، وكان أول من أصدر هذا المثل، أي أن دمها مباح لا يختلف فيها اثنان، فأباح قتلها، وأهدر دمهاº لأنها شتمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشاتم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - هو الأبتر لقول الله تعالى-: (( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ ))[(3) سورة الكوثر]، فشاتمه يجب أن يقتل في الدنيا، كما أنه هو الأبتر في الآخرة.

هذا حكم من سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان الشاتم مسلماً انتقض إيمانه، وارتد عن دين الله - عز وجل -، ووجب قتله، وإن كان معاهداً فإن عهده منتقض، ويجب قتله قال الله - تعالى-: ((وَإِن نَّكَثُوا أَيمَانَهُم مِّن بَعدِ عَهدِهِم وَطَعَنُوا فِي دِينِكُم فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفرِ إِنَّهُم لاَ أَيمَانَ لَهُم لَعَلَّهُم يَنتَهُونَ ))[(12) سورة التوبة] فجعلهم أئمة للكفر بسبب شتمهم لله أو لرسول الله أو لدينه يستحقون الذبح والقتل، ولن ينتهوا عن تناول الذات الإلهية أو أي ذات من ذوات الأنبياء أو محمد - صلى الله عليه وسلم - أو القرآن إلا أن يقام عليهم الحد الذي أمر الله - سبحانه تعالى – به، فهذا حد من تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومما يؤسف له أن الدول الإسلامية لم تقم بما يجب نحو هذه الجريمة الشنعاء التي فعلها أحد كتاب الصحف الصليبية الدانماركية، وتناقلتها أيضاً صحف أخرى من النرويجº من الاستهزاء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورسم صورته بكاريكاتير مضحك على أنه إرهابي ... إلخ ما أفتروا، فهؤلاء انتقض عهدهم إن كان لهم عهد، وحل دم من رسم هذا الكاريكاتير، ومن أذن به، ومن دافع عنه أياً كان، وهذا حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في من سب وتنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومما يؤسف له أن الدول الإسلامية يهمها القروض الربوية، وأن تعيش وتحافظ على رضا هؤلاء الصليبيين النصارى، لذلك لم تقم بما يجب من حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو من أعظم الحقوق بعد حق الله - سبحانه وتعالى -، فيجب طرد سفراء هذه الدول، ويجب مقاطعتهم وإعلان الحرب عليهم، وإباحة دم من تنقص رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بل ومن تنقص أي نبي من الأنبياء ليس محمداً - صلى الله عليه وسلم - فحسب.

وأيضاً مما يؤسف له أن بعض الجهات الإسلامية أصدرت بياناً وهي مشكورة من حيث الاهتمام، لكنها أخرجته بياناً هزيلاً ضعيفاً، لم تبين حكم الله في هذه القضية خوفاً من أن يقال أنهم يشجعون الإرهاب أو يشجعون الإرهابيين، ولم يبين فيه حكم من سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -º بل قالوا: إذا لم تعتذر هذه الدولة للمسلمينº وإلا فسوف نقاطعها اقتصادياً.

هذا الحق ليس للمسلمين بل هو لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ومن أنت حتى يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ويعتذر لك، وهذا كلام غير منطقي ولا معقولº فالكلام والطعن، والسب والخطأº هو في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضح في هذه الحالة ألا وهو قتل هذا المجرم الذي سب النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ولا مانع من ممارسة مثل هذه الأمور التي أحدثت خسائر فادحة لهذه الدولة، لكن الحكم والحد والبيان الشرعي يجب أن يبين حتى يفهم الناس من المسلمين أو غيرهمº لأن في المسلمين من يتناول الرسول ويسبه، ويسب الله - عز وجل -، فلا بد أن يعلم الناس مسلمهم وكافرهم ما هو حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيمن تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجب أن يكون هذا واضحاً حتى يفهموهº لأن سب الرسول وسب الدين وسب اللهº هي أمور موجودة أصبحت مثل شرب الماء عند بعض المسلمين فضلاً عند غيرهم، ويقولون من هذا الكلام الذي تهتز له الجبال وهذا - والعياذ بالله - كفر عظيم يصدر أحياناً من المسلمين، حتى إن بعضهم تنقص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصوره في مصر كأنه ديك وحوله تسعة دجاجات وكأنه - فض الله فاه - يريد أن يقول: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما هو إلا حيواني، وشهوته شهوة حيوان مثل: الدجاج والطيور، حيث ذُكر أن الطيور من أنشط الحيوانات رغبة في الجنس والنكاحº بل يصدر أحياناً من بعض المسلمين للأسف الشديد وبعضهم كتَّاب وصحفيين، ويدافعون عنه أحياناً بحجة حرية الرأي، فكيف إذا تكلم بهذا النصارى إنها مصيبة عظيمة.

وقبل أيام كان الأمريكيون قد داسوا القرآن، ودخلوا المساجد، وفعلوا الأفاعيل في العراق، أين البيانات؟ أين الاستنكار؟ ودوس القرآن هو أيضاً طعن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والدين، وطعن في الرب - تبارك وتعالى -، واليهود كذلك يفعلون فأين هذه الشعوب الإسلامية؟ وأين بيانات الحكومات؟ هذا اعتداء على حق رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -

والواجب على العلماء هو بيان الحكم الشرعي، ثم تأتي الأشياء الأخرى تبع لهذا الأشياء الأخرى من المقاطعات الاقتصادية، وسحب السفراء، وما أشبه ذلك، وكان الحق إعلان الحرب على هذه الدول، وقطع العلاقات، وإباحة دماء هؤلاء الذين يعتدون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا حقه علينا - صلوات الله وسلامه عليه -.

فعلى المسلمين أن ينصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن قدر أن ينصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بأي نوع من أنواع النصرة ولو بدون إذن ما يسمى ولي الأمر، أو استطاع أن ينتقم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليفعل، وهذا حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما فعل الرجل الأعمى الذي قتل جاريته التي سبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون أن يستأذن رسول الله، فضلاً عن أن يستأذن ولي أمر آخر الزمان، وبعيد عن شرع الله كل البعد.

فأسأل الله أن يعز دينه، وينصر كلمته، وأن يقيم الجهاد، ويقمع أهل الشرك والعناد والفساد، ونسأل - سبحانه وتعالى - أن يعز الإسلام والمسلمين، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply