السابقون إلى الإسلام


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

 

السابقون إلى الإسلام

إن من النتائج الطبيعية لحداثة الدعوة وسرّيتها أن يكون أتباعها أفراداً معدودين.

ولا ريب أن أول من تابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمن به خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -، وعلي بن أبي طالب الذي كان تحت رعاية النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفالته وكان صغيراً لا يتجاوز العاشرة من عمره، وأبو بكر صديق النبي - صلى الله عليه وسلم - وجليسه وكان رأساً مقدماً ومكرماً لدى قريش، إليه المرجع في أنسابها، وكان تاجراً صاحب مال محبباً متألفاً.

قال ابن إسحاق في وصف أبي بكر: «وكان رجلاً مؤلفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق حسن ومعروف، وكان رجال قومه يأوون إليه ويألفونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته..».

وقد استثمر أبو بكر ثقة الناس به ومجالستهم له ومحبّتهم لمجلسه بدعوة من يثق به إلى الإسلام، فأسلم على يديه في الأيام الأولى طليعة أهل الإسلام وهم: الزبير بن العوّام، وعثمان بن عفّان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف.وهؤلاء من العشرة المبشرين بالجنة على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ولاشك أن أهل بيته كانوا من أوائل من دخل في الإسلام، للحديث المخرج في البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين».

وذكر أن ممن أسلم على يد أبي بكر: مصعب بن عمير، وعيّاش بن أبي ربيعة، والأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد، وعثمان بن مظعون الجمحي (سبل الهدى الرشاد 2305).

 

الدروس والعبر:

1- بيان أثر مجالسة الأخيار وصحبتهم وبركتها على من جالسهم فعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - اكتسب هذه المكانة من إيواء الرسول - صلى الله عليه وسلم - له دون سائر إخوانه، وأبو بكر من صحبته وصداقته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

2- أثر الأخلاق الحسنة في تأليف الناس، وخير الناس من يألف ويؤلف، أما الجفاء والغلظة فكثيراً ماتكون عائقاً في طريق الدعوة.

3- لاشك أن أصحاب الجاه والمال لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة.

4- إن قيام أبي بكر بالدعوة إلى الله - تعالى -يوضح صورةً من صور التفاعل بهذا الدين والاستجابة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - صورة المؤمن الذي لا يقرّ له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في واقع الحياة ما تشبّع به وآمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعةً عاطفيةً مؤقتةً سرعان ما تخمد وتذبل وتزول (الغرباء 131).

5- يلاحظ أن الإسلام انتشر في جميع عشائر قريش فلم يعتمد على القبلية التي كانت إذ ذاك محور الحياة عند العرب، فلم يكن نصيب بني هاشم أكثر من غيرهم في الإسلام.

6- دخول مختلف القبائل في الإسلام وعدم اقتصاره على بني هاشم في بداية الدعوة حققت مصلحةً عظمى في عدم اعتباره عملاً يحقق مصالح العشيرة التي ينتمي إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعلي من قدرها على حساب الآخرين.

7- أعان هذا أيضاً على انتشار الإسلام في جميع العشائر والقبائل دون أي تحفظات أو اتهامات شخصية للداعي أو الدعوة (السيرة الصحيحة 1132-133).

8- لقد كان الذين أسلموا في الطليعة الأولى ظلّوا دائماً في الطليعة في الحرب والسلم والسياسة والحكم أئمةً في العلم والفقه والفتيا والسابقين في سائر الأمور، فلم يكن عملهم فترة حماس وخبت وفترت وزالت، وإنما هي إيمان عميق يحرك العواطف والنفوس والعقول للعمل لهذا الدين. فلم تعرف تلك الطليعة راحةً ولا ترفاً ولا نوماً ولا كسلاً منذ أسلمت حتى لقيت الله - تعالى -رضي الله عنهم أجمعين.

9- لقد كانت هذه الطليعة غريبةً في ذلك المجتمع الجاهلي الذي يعجّ بالفوضى والفساد والانحلال، ولكن غربتهم ليست كالغربة المتعارف عليها من شعور الغريب بالضعف والذلّ والانكسار والرضى بالدون، والخضوع والضعة، لقد ربّى الإسلام فيهم روح العزّة والكرامة والاستعلاء والفوقية على الكافرين، ثم شعور بوجوب غزو هذا المجتمع الجاهلي وتقويض أركانه، يصاحب ذلك همة وثقة تامّة بنصر هذا الدين والتمكين له في الأرض، فكانوا يتسابقون للمشاركة في رفع راية الإسلام، ويهمّ الواحد منهم أن يكتب الله على يديه التمكين لهذا الدين.

وصلّ اللّهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر: كتاب نفحة عبير من سيرة البشير النذير للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply