بيت الدعوة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح اللهُ صدرَ أمِّنا خديجة فكانت أولَ من آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من آزره، وكان - صلى الله عليه وسلم - يسمع ما يكره من أعداء الدعوة الذين كذبوا به وسخروا منه وأعرضوا عنه وتطاولوا عليه، فكان يحزنه ذلك ويضيق به صدره، فإذا رجع إلى بيته وجد زوجته خديجة في استقباله تُسَرِّي عنه وتهوِّنُ عليه، وتقدم له الزادَ الحِسِّيَّ ممتزجاً بالزاد الرٌّوحي، فينشرح صدرُه، وتقر عينُه، ويطمئن قلبُه، وتأنس روحُه.

 

إنها أروع نموذج للزوجة الصالحة التي تواسي زوجها وتسانده وتساعده، الزوجة التي لا تتخلى عن زوجها عند الشدائد والأزمات بل تحضٌّه على الصبر والثبات، بنفسٍ, مطمئنة، وعقلٍ, راجحٍ,، وبديهةٍ, حاضرةٍ,، وروحٍ, وثَّابةٍ,، وهِمَّةٍ, عاليةٍ,، وبصيرةٍ, نافذةٍ,، وإيمانٍ, راسخٍ,، وكلماتٍ, صادقةٍ, كُتِبَ لها القبول \"كَلاَّ أَبشِر، فَوَ اللّهِ لاَ يُخزِيكَ الله أَبَدا، وَاللّهِ إِنّكَ لَتَصِلُ الرّحِمَ، وَتَصدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحمِلُ الكَلَّ، وَتَكسِبُ المَعدُومَ، وَتَقرِي الضّيفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ\".

 

وتظلٌّ تلك المرأة على عهدها مع ربِّها فتبذلُ النَّفَسَ والنفيس، وتقدِّمُ لهذه الدعوة صورًا من التضحيات، ومواقف للصبر والثبات عند اشتداد الأزمات..وهنا يتوقف قلمي عن التعبير عن دور أمِّنا خديجة - رضي الله عنها - في مسيرة الدعوة، وأُفسِحُ المجالَ لكلام من وهبه الله جوامع الكلم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يتحدث عنها، وكثيرا ما كان يذكرها ويثني عليها، روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت: فغرتُ يوما فقلتُ ما أكثَرَ ما تذكرُها وقد أبدلكَ اللهُ - عز وجل - خيرا منها! قال \"ما أبدلني اللهُ - عز وجل - خيرًا منها: قد آمنت بي إذ كَفَرَ بي الناسُ وصدقتنِي إذ كذَّبَنِيَ النَّاسُ وواستني بمالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللهُ - عز وجل - وَلَدَهَا إِذ حَرَمَنِي أولادَ النساءِ\".

 

وصدق من قال:

وزوجةُ المرءِ خِلُّ يُستعانُ بِهِ *** على الليــالــي ونــورٌ فـي ديـاجِـِيها

مَسلاةُ فِكرَتِهِ إِن باتَ في كَدَرٍ, *** مــدَّت إليه تُواسِـيهِ أيــادِيــهــا

وزوجُهَا مَلِكٌ والبيتُ مملكةٌ *** واليُمنُ والسَّعدُ يجري في نواحِيها

 

بيت من قصب

وإذا كان الجزاء من جنس العمل فإن الله - تعالى -قد أمر رسولَهَ - صلى الله عليه وسلم - أن يبشر خديجة ببيت من القصب لا صخب فيه ولا نصب، فعن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"بَشَّرَ خديجةَ ببيتٍ, في الجنةِ مِن قَصَبٍ,\".

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: \"أَتَىَ جِبرِيلُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَد أَتَتكَ، مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَو طَعَامٌ أَو شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتكَ فَاقرَأ - عليها السلام - مِن رَبّهَا - عز وجل -، وَمِنّي، وَبَشِّرهَا بِبَيتٍ, فِي الجَنّةِ مِن قَصَبٍ, لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ\".

 

وعن عبدالله بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أُمِرتُ أن أُبَشِّرَ خديجةَ - رضي الله عنها - ببيتٍ, في الجنةِ مِن قَصَبٍ,، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ\".

 

قال السهيليٌّ: النكتة في قوله: \"من قصب\" ولم يقل من لؤلؤ أن في لفظ القصب مناسبة لكونها حازت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان.

 

حقًا لكِ يا أُمَّنَا الحنون أن تنعمي بالراحة والسكون، فكم كان بيتُكِ مملكةً هانئةً، وواحةً هادئةً يتفيأ ظلالهُا الحبيبُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply