أبو بكر الصديق رضي الله عنه


  

بسم الله الرحمن الرحيم

خوف السيدة عائشة - رضي الله عنها - على أبيها أن يتشاءم الناس من مقامه مقام الرسول مما يدل على نزاهتها وبراءتها - رضي الله عنها - وأنها لم تكن لا هي ولا أبوها طامعين في إمارة أو خلافة. وإصرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تولية أبي بكر يدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليدع أهم الأمور وهي إمامة المسلمين دون أن يرشد إليها ويبينها وفي تولية الصديق الإمامة أتم البيان.

وعن عبدالله بن زمعة - رضي الله عنه - قال: \"لما استعز بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده في نفر من الناس- دعاه بلال إلى الصلاة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [مروا أبا بكر يصلي بالناس]، قال فخرجنا، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائباً، فقلت: يا عمر، قم فصل للناس، فتقدم فكبر، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته -وكان عمر رجلاً مجهراً- قال: [فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون]، فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس\".

زاد في رواية قال: \"لما أن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت عمر (قال ابن زمعة)، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أطلع رأسه من حجرته، ثم قال: [لا، لا، لا، ليصل بالناس ابن أبي قحافة]..يقول ذلك مغضباً\" أخرجه أبو داود وهو حديث حسن.

 

ومن مجموع هذه الروايات نستفيد الفوائد الآتية:

1) أن اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر ليصلي بالناس أعظم دليل على تقديمه وتزكيته لتولي أمور المسلمين والقيام بالأمر من بعده.كما استدل بذلك الصحابة وقالوا \"رضيه رسول الله لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا\". وذلك أن الصلاة هي أعظم أعمال الإسلام بعد الشهادتين والإيمان، وهي أعظم أعمال الخلفاء والولاة كما قال - تعالى -: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} فبدأ بالصلاة أولاً حتى يشعرنا أنها أعظم أعمال الدين وأعظم أفعال ولاة الأمور، واختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر ليؤم الناس في مرض موته أصرح الدلالات على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اختار الصديق لإمامة المسلمين وخلافة النبوة. فلعنة الله على الزنادقة الرافضة الذين زعموا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد نص على خلافة علي أبي طالب فكيف ينص على ذلك ويولي الصديق إمامة الناس ويقول: [يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر].

 

2) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصر على إمامة الصديق مع مراجعة عائشة وحفصة له. وقد ذكرت عائشة أن سبب مراجعتها خشيتها أن يكره المسلمون أبا بكر لقيامه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أحبوه أكثر من آبائهم وأمهاتهم وأنفسهم.

ولكن الله - سبحانه وتعالى - جعل قيام الصديق مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أعظم البركات والخيرات على الأمة الإسلامية، إذ قام خير قيام بخلافة رسول الله وقيادة الأمة إلى الرشد والسداد، وإبقاء سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حية قائمة.

شهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخلافة الصديق:

روى البخاري بإسناده عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه، قالت أرأيت إن جئت ولم أجدك، كأنها تقول الموت، قال - عليه الصلاة والسلام -: [إن لم تجديني فأتي أبا بكر].

وهذه شهادة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخبر صادق منه، ودلالة من دلائل نبوته وصدقه - صلى الله عليه وسلم - أن الذي سيرجع إليه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - إنما هو الصديق - رضي الله عنه -، فأي شهادة أبلغ من هذه وأصرح للدلالة على أن المرجع بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما هو أبو بكر - رضي الله عنه -.

ومما يدل على هذا أيضا هذه الرؤيا للرسول - صلى الله عليه وسلم -:

روى الإمام البخاري بإسناده عن الزهري، قال أخبرني ابن المسيب سمع أبا هريرة - رضي الله عنه -، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن].

إن الخلافة بعد الرسول إنما تكون لأبي بكر ثم عمر وإن خلافة الصديق تكون قصيرة ثم تأتي خلافة الفاروق حيث يفيض المال وتعظم الفتوح وتستحيل دولة الإسلام إلى دولة عظمى، حتى يضرب الناس بعطن.. (والعطن) هو مرقد الإبل وهذه كناية وإشارة إلى استقرار الأمة وكثرة عددها وقيام سوقها.

 

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمر الصحابة بحفظ مكانة الصديق وألا يؤذى أبداً:

روى الإمام البخاري بإسناده عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: \"كنت جالساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقبل أبو بكر أخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [أما صاحبكم فقد غامر فسلم]. وقال إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي فأقبلت إليك، فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر. فسأل أثمَ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال يا رسول الله: [والله أنا كنت أظلم مرتين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله بعثني إليكم، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعد بعدها].

 

خاتمة

هذه أخي المسلم عجالة سريعة أرجو أن تكون قد تعرفت من خلالها على فضل الصديق أبي بكر رضي الله - تعالى -عنه الذي كان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورفيق دربه، ومؤنسه وساعده الأيمن، والذي كان رجل المهمات الصعبة، والذي شد الله به أزر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأقامه عوناً له في أحرج المواقف، وواسى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصحبته وماله. ومن أجل ذلك شهد الله له بأنه الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى، وبأنه الصاحب الذي لم يكن صاحب غيره مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة والغار، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، والسبق والفضل والمنة، والذي كان أحب الرجال قاطبة إلى قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولا شك أن كل مؤمن مدين للصديق، وفي رقبته جميل له. فالإسلام إنما قام بالجهاد والدعوة وبذل المال والنفس وكان للصديق اليد الطولى في هذا، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس.

 

فواجبنا الأول الاعتراف والإقرار بما قرره الله في كتابه وذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه، ومحبة من ثبتت محبته لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وموالاة من والى الله ورسوله، وأبو بكر هو أعظم أولياء الله قاطبة بعد الرسل بإجماع الأمة كلها. وهو الذي اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإقامة الأمة وقيادتها، ونصبه إماماً في الصلاة وهو حي، إيذاناً وإعلاناً أنه قائدها ومرشدها، والقائم بالأمر من بعده.

ولذلك فواجب المسلمين اليوم محبة من أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموالاة ولي الله الأول في الأمة، ومعاداة من تنقص منه، وسبه، والعلم اليقيني أن الذين يسبون أبا بكر إنما هم زنادقة يريدون هدم الدين، وسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه. بل إتهام الله العلي القدير بأنه اختار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرار الخلق، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سكت عنهم وتزوج منهم، وأحبهم وهم ليسوا أهلاً لذلك. وخلفهم على دينه وأمته ليعبثوا بها، ويبدلوا ويغيروا كما يشاءون. هذه هي عقيدتهم وأقوالهم وهم ملعونون من أجل ذلك. خارجون من الدين بإتهامهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي باع نفسه لله، وكانت حياته كلها من أجله أن يماري أو يداري، أو يداهن، أو يخاف أن يظهر حقاً، فاعلم أخي المسلم ذلك جيداً، وتيقن أن الذين يسبون الصديق إنما يريدون هدم الإسلام ولا هم لهم غير ذلك.

{ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply