أبو مسلم الخولاني سيد التابعين وزاهد العصر


  

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمه ونسبه:

اسمه ونسبه: عبد الله بن ثُوَب، ويقال: ابن ثواب، ويقال: ابن عبد الله، ويقال: ابن عبيد، ويقال: ابن عوف، ويقال: ابن مسلم، ويقال: اسمه يعقوب بن عوف أبو مسلم الخولاني الداراني الزاهد، أدرك الجاهلية وسكن الشام، فنزل بداريّ أصله من اليمن، وقد أسلم في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل المدينة في خلافة الصديق.

شيوخه: روى عن عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي ذر وعبادة بن الصامت وعوف بن مالك.

الرواة عنه: روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وعمير بن هانئ العنبسي، ومكحول، وعطية بن قيس، وعطاء الخراساني، وعطاء بن أبي رباح المكي، وجبير بن نفير، وشرحبيل بن مسلم، وأبو قلابة الجرمي، وأبو العالية الرياحي، وغيرهم.

 

ثناء العلماء عليه:

قال يحيى بن معين: أبو مسلم الخولاني شامي ثقة.

قال ابن سعد: كان ثقة.

قال البخاري: قارئ أهل الشام. وكذلك قال ابن أبي حاتم.

قال عبد الجبار بن محمد الخولاني: أدرك الجاهلية وكان من الأفاضل الأخيار، روى عنه جماعة من أصحاب رسول اللَّه # وكان فاضلاً دينًا ورعًا.

قال العجلي: شامي تابعي ثقة من كبار التابعين وعُبَّادهم.

قال مالك بن دينار: هذا حكيم هذه الأمة.

قال أبو نعيم: ومنهم المتخلى عن الهموم والكُرَب، المتسلي بالأوراد والنُوب، الخولاني أبو مسلم عبد الله بن ثُوَب، حكيم الأمة وممثلها، وقديم الخدمة ومحررها.

قال ابن حجر: أبو مسلم الخولاني الزاهد ثقة عابد.

 

من أحواله وأقواله:

قال الزهري: سمع أبو مسلم أهل الشام ينالون من عائشة، فقال: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه؟ كمثل عينين في رأس تؤذيان صاحبهما ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما.

قال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطًا في المسجد، فكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا فتر مشق (ضرب) ساقية سوطًا أو سوطين، قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عيانًا أو النار عيانًا ما كان عندي مستزاد.

قال عطية بن قيس: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غازٍ, في أرض الروم وقد احتفر جُوزةً في فسطاطه وجعل فيها نِطعًا وأفرغ فيه الماء وهو يتصلق (يتقلب) فيه، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهن بُدَّنٌ، إنما تجري وهن ضُمّر، ألا وإن أيامنا باقية جائية لها تعمل.

قال عبد الملك بن عمير: كان أبو مسلم إذا استسقى سُقي (أي مجاب الدعاء).

عن محمد بن زياد أن امرأة خببت (أفسدت) على أبي مسلم امرأته، فدعا عليها فعميت، فأتته فاعترفت وتابت، فقال: اللهم إن كانت صادقة فأردد بصرها فأبصرت.

عن بلال بن كعب أن الصبيان قالوا لأبي مسلم: ادع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه فدعا الله فحبسه فأخذوه.

وعن عطاء الخراساني أن امرأة أبي مسلم قالت: ليس لنا دقيق، فقال: هل عندك شيء؟ قالت: درهم بعنابه غزلاً، قال: ابغينيه وهاتي الجراب، فدخل السوق فأتاه سائل وألح عليه فأعطاه الدرهم وملأ الجراب نشارة مع تراب، وأتى وقَلبُه مرعوبٌ منها وذهب ففتحته فإذا به دقيق حُوّاري (أبيض) فعجنت، فلما جاء ليلاً وضعته، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الدقيق فأكل وبكى.

قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو مسلم يرتجز يوم صفين ويقول:

ما علتي ما علتي وقد لبست درعتي

أموت عند طاعتي

قال سعيد بن عبد العزيز: قال أبو مسلم: لو قيل لي: إن جهنم تسعر ما استطعت أن أزيد في عملي.

قال أبو مسلم: كان الناس ورقًا لا شوك فيه فإنهم اليوم شوك لا ورق فيه، إن ساببتهم سابوك وإن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن نفرت منهم يدركوك، قال: فما أصنع؟ قال: هب عرضك ليوم فقرك.

قال أبو مسلم: أرأيتم نفسًا إن أنا أكرمتها ونعمتها وودعتها ذمتني غدًا عند الله وإن أنا سخطتها وأنصبتها وأعلمتها رضيت عني غدًا؟ قالوا: ومن.... يا أبا مسلم؟ قال:.... والله نفسي.

قال أبو مسلم: مثل الإمام كمثل عين عظيمة صافية طيبة الماء يجري منها إلى نهر عظيم فيخوض الناس النهر فيكدرونه ويعود عليهم صفو العين، فإن كان الكدر من قبل العين فسد النهر، قال: ومثل الإمام ومثل الناس كمثل فسطاط لا يستقل إلا بعمود لا يقوم العمود إلا بالأطناب، أو قال بالأوتاد فكلما نزعت وتدًا زاد العمود وهنا، لا يصلح الناس إلا بالإمام ولا يصلح الإمام إلا بالناس.

قال أبو مسلم: أربع لا يتقبلن في أربع في جهاد، ولا حج، ولا عمرة ولا صدقة، الغلول ومال اليتيم، والخيانة والسرقة.

قال حميد: قيل لأبي مسلم الخولاني حين كبر: إنك قد كبرت ورمقت فلو رفقت بنفسك، قال: أليس إذا أرسلت الحلية، فقلت: لفرسانها: ارفقوا بها وسددوا بها فإذا دنوتم من الغاية فلا تستبقوا منها شيئًا؟ فقد رأيت الغاية فدعوني.

قال أبو مسلم: ما عملت عملاً أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائط، قلت: ليس رياء بل دعوة للناس بالعمل.

عن محمد بن زياد عن أبي مسلم أنه كان إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال: أجيزوا بسم الله، ويمر بين أيديهم فيمرون بالنهر الغمر وربما لم يبلغ من الدواب إلا في الركب أو بعض ذلك أو قريبًا، فإذا جاوز ذلك قال للناس: هل ذهب لكم من شيء؟ فمن ذهب له شيء فأنا ضامن له، فألقى بعضهم مخلاته عمدًا، فلما جاوزوا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر، فقال: اتبعني فاتبعه، فإذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النهر، فقال: خذها.

قال عثمان بن أبي العاتكة: اشترى أبو مسلم بغلة، فقالت أم مسلم: ادع الله أن يبارك لنا فيها، فقال: اللهم بارك لنا فيها، فماتت، قال: فاشترى أخرى فقالت: ادع الله أن يبارك لنا فيها، فقال: اللهم بارك لنا فيها، فماتت، فاشترى أخرى فقالت: ادع الله أن يبارك لنا فيها، فقال: يقول: اللهم متعنا بهم، فبقيت لهم.

قال أبو مسلم- بعد مقتل عثمان-: يا أهل المدينة، والله لأنتم أعظم جرمًا عند الله من ثمود، فإن ثمود قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم على الله - عز وجل - من ناقته.

قلت: خليفة الله أي أن الله هو استخلفه وليس بمعنى أنه يخلف الله في الإمارة بل إن الله خليفة كل مسلم.

دخل أبو مسلم على معاوية فقال له: ما اسمك؟ قال: اسمعي معاوية، قال: بل اسمك أحدوثة، فإن جئت بشيء فلك شيء وإن لم تأت بشيء فلا شيء لك يا معاوية إنك لو عدلت بين جميع قبائل العرب ثم مِلت على أقلها قبيلة مَالَ جورك بعدلك، يا معاوية إنا لا نبالي بكدر، الأنهار إذا صفا لنا رأس العين.

قال أبو مسلم: أظهر اليأس مما في أيدي الناس فإن فيه الغنى، وأقل طلب الحاجات إلى الناس فإن فيه الفقر الحاضر، وإياك وما يعتذر منه من الكلام، وصلّ صلاة مودع يظن أن لن يعود، وإن استطعت أن يكون اليوم خيرًا منك أمس ويكون غدًا خيرًا منك اليوم فافعل.

قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأنصاري.

وله أخبار وأحوال وأقوال عجيبة اقتصرت على ما قدمت.

وكانت وفاته سنة اثنتين وستين، وقيل قبل ذلك. والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply