معركة فيينا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

20رمضان 1094هـ - 12 سبتمبر 1683م:

إنها واحدة من أشهر معارك التاريخ العثماني والأوروبي عموماً، والتي كانت نقطة تحول فاصلة في مسيرة الصراع العثماني الأوروبي، وتغيير في موازين القوى العالمية، وهي المعركة المعروفة باسم «ألمان داغي» عند أسوار فيينا عاصمة النمسا، وأشهر المدن الأوروبية، وأهمها مكانةº إذ كانت فيينا هي عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة([1])!

ولقد حاول العثمانيون فتح فيينا مرتين من قبل في عهد السلطان سليمان القانوني مرة سنة 932هـ، وكاد يفتحها لولا نفاد الذخيرة والمؤن، والثانية سنة 939هـ ولكنه عاد من الطريق، والثالثة في هذه المعركة الحاسمة.

توفي أحمد كوبريلي الصدر الأعظم للدولة العثمانية سنة 1087هـ في عهد السلطان محمد الرابع، وكان أحمد كوبريلي من سلالة آل كوبريلي العظام أفضل من تولى منصب الصدارة في الدولة العثمانية، وله أعمال عظيمة، وبطولات شهيرة، وقد خلفه في منصب الصدارة العظمى صهره «قره مصطفى» ولم يكن صاحب إمكانات، إنما أراد أن يشتهر، ويعلو ذكره كسلفه، وكان مشهوراً بالتهور والعصبية، والسرعة في اتخاذ القرارات.

وفي سنة 1092هـ خرج «قره مصطفى» على رأس جيش كبير لمحاربة النمسا وذلك بعد أن استنجد به أهل المجر الخاضعين لإمبراطورية النمسا بعد أن اضطهدهم النمساويون بسبب الخلاف المذهبي، فالنمساويون كاثوليك، والمجريون أرثوذكس، وبالفعل حقق «قره مصطفى» عدة انتصارات كبيرة على النمساويين، وتراجعت الجيوش النمساوية أمام الزحف العثماني، وهذا التراجع جعل قره مصطفى يفكر في فتح «فيينا» نفسها، وبالتالي يكون قد حقق لنفسه مجداً عجز السلطان سليمان القانوني نفسه عن تحقيقه مرتين متتاليتين.

انقسمت الآراء داخل الدولة العثمانية إزاء فكرة فتح فيينا، فالسلطان «محمد الرابع» وكثير من مستشاريه يرون خطورة هذه الخطوة التي ستؤدي لتوحيد الجبهة الأوروبية كلها ضد العثمانيين، وأنها ستشعل الحماسة الدينية في نفوس الأوروبيين، وتحيي مسألة الحروب الصليبية والتي خفتت حدتها قليلاً في السنوات السابقة، حيث استطاعت الدبلوماسية العثمانية شق الصف الأوروبي، وعزل الشرق عن الغرب، أما الفريق الثاني فيقوده «قره مصطفى» وبعض القادة العسكريين، ويرى استغلال الانتصارات العثمانية المتتالية، والروح المعنوية العالية لدى الجند في القضاء على مركز القوة الأوروبية.

حسم قره مصطفى رأيه، وبدأ حصار فيينا في 18 رجب سنة 1094هـ بدون إذن السلطان محمد الرابع، وكان إجمال الجيوش العثمانية 162ألف جندي، قسمهم بحيث يكون 62 ألفاً في حصار أسوار المدينة، ومئة ألف منتشرين في المنطقة لمنع الإمدادات الأوروبية من الوصول، وكان هذا الأمر أول الوهن لتشتت الجنود في أماكن كثيرة، ومع بداية الحصار فر إمبراطور النمسا «ليوبولد» من المدينة، ومع شدة الحصار أوشك العثمانيون على فتحها.

عندها تداعت الدول الأوروبية بأقصى سرعة لنجدة «فيينا» من السقوط، وأعلن بابا روما الحرب الصليبية على العثمانيين، وأمر ملك بولندا «سوبيسكي» بنقض عهده مع العثمانيين، وأمر أيضاً أمراء ساكسونيا وبافاريا الألمان وهم أقرب أمراء أوروبا بالتوجه إلى فيينا بأقصى سرعة ممكنة، وكان «قره مصطفى» قد وضع قوة عثمانية كبيرة يقودها أمير القرم «مراد كراي» عند جسر «الدونه» وهو الطريق الوحيد المؤدي إلى فيينا من ناحية الغرب ليمنع تقدم الأوروبيين، وأمر «مراد كراي» بنسف الجسر إذا اقتضت الضرورة.

وهنا حدث ما لم يكن في حسبان أحد لا من العثمانيين ولا من الأوروبيين، إذ قام «مراد كراي» بخيانة عظمى للإسلام والمسلمين وذلك بأنه سمح للأوربيين بالعبور من الجسر دون قتال، وذلك بسبب كراهيته وعداوته لقره مصطفى، ثم حدثت خيانة عظمى أخرى من جانب «أوغلو إبراهيم» قائد ميمنة الجيش العثماني إذ انسحب من القتال الذي اندلع بمنتهى العنف في 20 رمضان سنة 1094هـ، وكان لهذا الانسحاب الأثر الأكبر في هزيمة العثمانيين، وقد استطاع قره مصطفى أن ينسحب بصورة منظمة من أرض المعركة، وفي طريق العودة قام قره مصطفى بإعدام كل من مراد كراي وأوغلو إبراهيم ولكن لم يشفع ذلك له عند السلطان محمد الرابع الذي أمر بقتله.

وكانت هذه الهزيمة عند أسوار فيينا نقطة تحول فاصلة في التاريخ العثماني والأوروبي، واشتدت الحروب الصليبية على العثمانيين، وفقدت الجيوش العثمانية هيبتها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply