بئر رومة لا زال الناس يشربون من مائها العذب مجانا منذ أكثر من 1425 عاما


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لما قدم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون المدينة استنكر المهاجرون ماءها إذ لم يكن فيها ماء عذب إلا ماء بئر رومة [رومة بضم الرّاء على وزن طُوبة] ويقال إنّها كانت ليهودي اسمه رومة. ولكن الثابت أنّها لرجل من بني غفار، وكان لا يسمح بالشّرب منها إلا بثمنº فكان يبيع منها القربة بِمُدِّ. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان بن عفّان ـ وكان من أغنياء الصّحابة - رضي الله عنهم -  فاشتراها من صلب ماله بخمسة وثلاثين ألف درهم وقيل بغير ذلك، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: نعم. قال: قد جعلتها للمسلمين. وفي رواية أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك. فجعلها وقفا في سبيل الله للفقير والغني وابن السبيل. ولم يميّز نفسه عن أحد من روّادها بل جعل دلوه مع دلاء المسلمين ابتغاء الأجر والثّواب الذي وعده به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصّادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

 

يرى بعض أهل العلم بأنّ بئر رومة أو بئر عثمان ـ كما صارت تدعى فيما بعد ـ أوّل وقف في تاريخ الإسلام. وليس الأمر كذلك على وجه الدّقة، فقد سبقها أرض المسجد النّبويّ التي رفض أصحابها بنو النّجار أن يأخذوا ثمنا لها، º بل إنّ عثمان -رضي الله ـ نفسه ـ ابتاع مِربَدا مجاورا لأرض المسجد النّبوي، فأضيف إلى المسجد. ولكنّها بحق أول وقف مائيّ، ومن أوائل أوقاف المسلمين.

تقع بئر عثمان في الشمال الغربيّ من المدينة المنوّرة، وتبعد عن المسجد النّبويّ حوالي خمسة كيلومترات، بأسفل الوادي المبارك المعروف بوادي العقيق قُرب مجمع السّيل.

 

جرت على بئر رومة حوادث الأيّامº فخربت ونقضت حجارتهاº فأحياها وجدّدها شهاب الدّين الطّبريّ ـ قاضي مكة المكرّمة ـ في منتصف القرن الثّامن الهجريّ.

وفي عصرنا الحاضر عمرت المنطقة المحيطة ببئر رومة، وصارت حيّا راقيا يدعى حيّ بئر عثمان. أمّا البئر فيحيط بها اليوم بستان يقال بأنّه وقف على المسجد النّبويّº يسمّى بستان عثمان، تشرف عليه ـ منذ خمسين عاما تقريباـ وزارة الزّراعة والمياهº التي جعلت منه مزرعة نموذجيّة، و متنفّسا ومتنزّها لأهل المدينة المنوّرة. وبالمزرعة بِركة تُملأ من ماء البئر العذبº ليشرب منه كلّ وارد مجّانا حسب شرط الواقف عثمان - رضي الله عنه - وعن أصحاب رسول الله أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply