فصول جديدة من أخبار الحمقى والمغفلين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لكل زمان ومكان مغفلوه وحمقاه، وقد أورد الإمام ابن الجوزي في كتابه \"أخبار الحمقى والمغفلين\" قصصاً عن غفلتهم وحماقاتهم، سواء الذين عايشهم أم الذين وصلت إليه أخبارهم!

ولا يكاد زمان يخلو من هؤلاء، مع تنوع واختلاف في الحماقات التي يختص بها حمقى كل عصر وبلد!

مع العلم أنه قد يصدر عن العقلاء أعمال وأقوال ومواقف في بعض الأحيان تدخلهم في هذا الصنف من الناس! وكثير منا قد عايش أو عاين أو سمع عن هذا الصنف ما يجعله يضيف فصولاً جديدة في هذا المجال.

 

فاللهم لك الحمد على نعمة العقل التي ميزت بها الإنسان وكرمته على سائر المخلوقات، وإن كان بعض الناس لم يستفد من هذه النعمة، \"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير\".

وسوف أنتقي في هذه العجالة بعض ما سمعته أو قرأته أو رأيته، سائلاً الله - تعالى - الرحمة لمن توفي منهم، والشفاء لمن لا يزال على قيد الحياة:

كان من عادة أحد المؤذنين ممن نعرف، أن يسهر كثيراً فيضطر إلى المبيت في غرفة في المسجد، ولا سيما في الشتاء لئلا يفوته الأذان، وقد سجل أذان الفجر في شريط من باب الاحتياط مراعياً في ذلك التوقيت وضبطه بساعة المنبه، فوضع الشريط المسجل، وأخذته سنة من النوم وقد نسي أن يفتح باب المسجد، فتوافد الناس إلى الصلاة، ووجدوا الباب مقفلاً، وصوت المؤذن يدعوهم: \"الصلاة خير من النوم\" وعبثاً حاولوا نقر النوافذ بالحصى، ولكنه لم يستيقظ، وكان قد حضر في هذه الأثناء أحد الجيران ومعه نسخة من المفتاح، فدخل ووصل إلى غرفة المؤذن ليجد مفتاح الغرفة في الخارج فقفل عليه، ومضى مع الحاضرين إلى مسجد آخر.

وكان لي صاحب يعمل إضافة لعمله في الحلاقة مؤذناً وكان مشهوداً له البطء الشديد، فكثيراً ما يبدأ بحلاقة شعر الزبون بعد صلاة المغرب ليفاجئه الوقت، ولم يبق إلا دقائق لا تتسع إلا للضوء والهرولة إلى المسجد، فيترك الزبون على كرسي الحلاقة وقد حلق نصف رأسه، ويطفئ النور، ويغلق الباب معتذراً له بالأذان، وكان بعض الظرفاء يعلقون: بأن أبا فلان ينقع الزبون ريثما يعود لتسهل الحلاقة.

وورث أحدهم الأذان عن والده، ولكنه لم يكن مثله في المواظبة، فكان يكثر من الغياب سفراً أو مرضاً وانشغالاً فسجل صوته على شريط وأوصى أحد أصحابه بوضعه في المسجل إذا حان الوقت ولم يحضر، وخصص لذلك شريطين واحداً لصلاة الفجر، وآخر لباقي الصلوات، فأخطأ هذا الصاحب ووضع الشريط الخاص بالفجر، فسمع الناس عند الظهر بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، ولم يستطع الرجل أن يتدارك الأمر؟!!

وشكا إليّ أحد سكان حيّنا من صوت أحد التلاميذ الذين يسمح لهم المؤذن بالأذان، وطلب مني أن أتلطف في منعه، فحاولت إفهامه بترك الأذان لغيره ممن هم أندى منه صوتاً، فاحتدّ قائلاً: لا تسمع لكلام الناس!! إن أمي تقول إن صوتي جميل!

فقلت: سبحان الله! إن صوتي مبحوح في أكثر الأحيان، وهو بشهادة أمي رخيم، فما رأيك؟

وكان لأحد المؤذنين ولد فيه غفلة ظاهرة يحضر إلى المسجد في بعض الأحيان فيسبق أباه بالأذان، وبعد أن انتهى من الأذان ذات يوم التفت إلى أحد المصلين ليقول:

- يا عمي! النبي حي أم ميت؟!!

وابتلينا بمؤذن لا يحسن الأداء، فكان يكثر من الإمالة بسبب لهجته بحيث يتغير المعنى، فإذا قال \"أشهد أن محمداً رسول الله\" أداها: \"محمدين\" رسول الله فينبري له أحد زملائنا المصريين ويقول: يا خوي والله سيدنا محمد واحد مش اتنين.

 

وأما المنابر، ففي كثير من البلاد تئن مما تسمع وممن يعلوها بغير حق من العوام المتعالمين.

 

وقد حدثني أحد الأصدقاء، أنه عُين معلماً في قرية نائية، فقدر له أن يحضر خطبة الجمعة، ويستمع إلى الخطيب الذي بادر المصلين بأن يبكروا إلى المسجد، مرغباً لهم بالحديث الشريف: (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قدّم \"بَدَنهُ\") قرأها هكذا والصحيح أنها بَدَنة بالتاء لا بالهاء، يعني: ناقة أو بقرة.

وحين انتهت الصلاة تلطف له وأراد أن يفهمه أن الضبط خطأ، فأصر الخطيب بأنها \"بَدَنهُ\" وعلل ذلك بأن تقديم البدن فيه من الكرم والجود أكثر من تقديم البقرة وما سواها!

وطال النقاش ولم يقتنع الخطيب ولكن العوام الحاضرين أنهوا الحوار بالغضب لفهم خطيبهم قائلين: كلام خطيبنا مثبت، فسكت المعلم وانسحب صامتاً.

وصعد خطيبٌ المنبر في قرية تقع في طرف البادية وأخرج كتاباً تالفاً وبدأ يقرأ منه وكان من جملة ما قرأ: لا تفعلوا كما يفعل بعض اللاهين، يركبون المراكب في النيل ويغنون ويرقصون فيغرقون؟! قال محدثي: فنظرت إلى المحوقلين والمسترجعين الذين آلمهم أن تنقلب المراكب، وكنت أسترجع وأقول: سبحان الله متى وصل النيل إلى هذه البادية ولم يحرم الخطيب الحاضرين من الدعاء للسلطان خاقان البحرين والبرين، وقد تغير الزمان والرجال!!

ودخل وقت الجمعة في إحدى القرى فلم يرفع الأذان ولا حضر الخطيب، وحين سألت صاحبي عن السبب قال:

- إن الخطيب الذي اتفقت معه القرية يذهب كل صباح جمعة إلى كرمه ولا يعود إلا قرب العصر، لأنهم لم يدفعوا له الأجرة التي اتفق معهم عليها.

وحضرت في قرية صغيرة صلاة الجمعة فلم يكد الخطيب ينتهي من المقدمة حتى توجه إلى المصلين بالتوبيخ والتقريع لأنهم لا يكرمون العلم ولا يعرفون قيمة الخطيب، ولما نزل كادوا يشتبكون معه، فحجزت مع بعض الأصدقاء بينهم، وفهمنا أنه يوبخهم، لأنهم يقصرون على حد زعمه- بحقه، إذ عليهم أن يحضروا الطعام مطبوخاً، مشترطاً أن يكون معه دجاج مشوي؟!!

وقرأت في كتاب \"القول الأعدل في تراجم بني الأهدل\" للقاضي محمد الأهدلي اليماني وهو يصف الحال التي وصل إليها أهل إحدى القرى من الجهل والتخلف الديني، أن الخطيب صعد المنبر، وبدأ يخطب، فأطل أحدهم من الباب ونادى: يا شباب! أنتم هنا وفلان أخذ فلانة (الخاطئة) ومضى بها إلى طرف النهر، فما كان من الحاضرين إلا أن تواثبوا إلى الباب والنوافذ.

وقرأت في كتاب (المدخل إلى دراسة السنة النبوية) للدكتور يوسف القرضاوي قوله: ومن عجيب ما سمعته ما ذكره لي بعض العلماء أنه زار بعض البلاد في آسيا الإسلامية، فوجد في دورات المياه عندهم أحجاراً صغيرة مكدسة في جوانبها، فسألهم عن سرها؟ فقالوا: إنا نستجمر بها إحياءً للسنة.

وذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه شرح الأربعين النووية: أن عامياً من أهل نجد كان في المسجد الحرام أراد أن يصلي صلاة الظهر وإلى جانبه رجل لا يعرف إلا الجهر بالنية، ولما أقيمت الصلاة، قال الرجل: الذي كان ينطق بالنية: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة الظهر أربع ركعات لله - تعالى -، خلف إمام المسجد الحرام، ولما أراد التكبير قال له العامي: اصبر يا رجل- بقي عليك التاريخ واليوم والشهر والسنة، فتعجب الرجل!

وقرأت في مجلة \"ولدي\" عدد سبتمبر 2004 مقالة عن الوسواس القهري للدكتور عادل الزايد: أن شخصاً كان مصاباً بالوسواس يعتقد أنه قد تفوه بكلمة الطلاق لدرجة أنه يضع مسجلاً في جيبه وأشرطة، ويقوم بتنسجيل كلامه وأقواله كلها وما إن يأتي آخر اليوم حتى يستمع إلى جميع الأشرطة، ويتأكد من عدم تلفظه بكلمة الطلاق، أو ما شابه ذلك من الألفاظ .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply