العوامل التي جعلت من المغرب مجالا قابلا للاحتلال


  

بسم الله الرحمن الرحيم

العوامل التي جعلت من المغرب مجالا قابلا للاحتلال خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, عاش المغرب كباقي الأنظمة الإفريقية والشرقية فترة مخاض عسيرة منذ القرن التاسع عشر, خاصة بعدما بدأ يشعر بخطورة التفوق الأوربي على الأقل بعد الهزائم التي لحقت بالنظام العثماني وبعد احتلال نابليون لمصر في 1798 ثم احتلال فرنسا للجزائر سنة1930\".

هذا يعني أن المغرب كان محكوما عليه بالوقوع تحت السيطرة الأوروبية دون أن يعرف من ستكون الدولة المستفيدة, ففرنسا المتواجدة بالجزائر كانت ترى من حقها الترامي فيما وراء الحدود الغربية موسعة بذلك ممتلكاتها. بينما كانت انجلترة المهيمنة على أسواق المغرب ترى هي الأخرى أن من حقها أن تبقى سيدة المضيق بالاستقرار قبالة جبل طارق, أما بخصوص أسبانيا المتعللة بحصنيها سبتة ومليلية فكانت متمسكة بحق الجوار بالحقوق التاريخية الموروثة عن ازابيل1, ملامح استعمارية بلغت ذروتها بعد هزيمتي الجيش المغربي الأولى في موقعة إيسلي 1844, أمام القوات الفرنسية والثانية بعد احتلال القوات الأسبانية لتطوان 1860التي انكشف معها الغطاء الحقيقي لهشاشة الوضع المغربي بعدما\"أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم بمثله وكثرت الحمايات ونشأ عن ذلك ضرر كبير \"2الذي أفضى إلى تجسيد رؤية حقيقية على ضعف المغرب إذ داك على كافة الأصعدة الأمر الذي مهد للمزيد من الضغوطات من القوى الاستعمارية للحصول على امتيازات اقتصادية وسياسية ساعدت الدول الغربية وخاصة فرنسا في تركز أطماعها على المغرب وتفرض عليه معاهدة \"لالامغنية \"سنة 1845 ومعاهدة «بكلار« سنة 1863.

جاءت هذه الاتفاقيات في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة بسبب هذه الهزائم العسكرية المغربية وما تلاها من غرامات باهضة وارتفاع مصاريف الدولة والجيش والتي جعلت من النظام الضريبي المحدد من قبل الشريعة متجاوزا. مما دفع بالمخزن إلى إصلاح ضريبي سمي بالترتيب بيد أن هذا الإصلاح لقي معارضة قوية من طرف الأعيان وزعماء الزوايا والتجار مما تعذر تطبيقه وأدى إلى انعكاسات سلبية بحيث لم تعد تؤدي الضرائب الجديدة والقديمة الشيء الذي ترتب عنه إفلاس خزينة الدولة. يمكن القول كذلك إن \" إصلاح الجيش المغربي كان أول إصلاح تناوله جهاز الدولة المغربية فبعد، موقعة إيسلي، بدأت المحاولات الأولى لتجنيد الجيش المغربي أيام السلطان عبد الرحمن الذي نظمت في عهده بعض فرق من الجيش على نسق نظام الجيش التركي الحديث3 \". هذا في الوقت الذي نجد فيه كذلك انتشار سلسلة من الأمراض والأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية في هذه المرحلة التي كانت لها انعكاسات وعواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة حالت دون إقلاع البلاد.

إلا أن محاولة المستعمر الفرنسي في تكريس نفوذه داخل المغرب خلال هذه الفترة جاءت مرتبطة بمجموعة من الظروف، مع العلم أن المرحلة الممتدة من 1830 إلى 1914 تعد بمثابة العصر الذهبي للاستعمار الفرنسي التي تجعل من الانتصار لتوسع اللإمبريالي خيارا استراتيجيا واقتصاديا لإنشاء المستعمرات، كخيار مصيري لا مندوحة عنه في تحقيق نهوض فرنسا وازدهارها \" في انتظار ذلك كانوا يحتلون ويستغلون مغربا شاسع الأطراف، مغربا أمنا غنيا بما يكفي لتعويضهم عن جهودهم وتطمينهم على توطنهم وهكذا فقد انتقلت أملاك شاسعة إلى أيدي معمريهم، واستثمر رساميلهم في الأراضي، والعقارات والنقل، والمناجم، والتجارة. 4 في ظل هذا الطرح الاحتكاري نجد مجموعة من الأصوات الفكرية والثقافية تتبنى نفس الخطاب مقدمة في ذلك العديد من الحجج ذات الطابع الإنساني والحضاري والتاريخي لتبرير الاستعمار التي أبرزها أوجين إتييين نائب وهران وخليفة رئيس مجلس النواب الفرنسي، بقوله: \"إن لفرنسا في المغرب حقوقا وواجبات تفوق ما لغيرها من الدول الأخرى... وإن الأساس الأول لحقوقنا هو الجزائر إن الجزائر التي قادتنا إلى تونس، ينبغي أن تقودنا إلى المغرب 5 وتجلى هذا البعد الاستراتجي في استغلال المصالح الاقتصادي باعتبارها إحدى الذرائع التي عبدت الطريق من خلالها تهيئ جميع السبل في احتلال المغرب وإحداث مشاريع اقتصادية تبرر الوجود العسكري لحماية المصالح الفرنسية.

التي جاءت في ظروف كان المغرب يعيش فيها مرحلة فراغ سياسي وفكري حقيقي لأن ضعف المخزن واللجوء إلى القروض الخارجية وضغط اللوبيات الاقتصادية والمالية التي يمكن اعتبارها مجرد دسائس سهلت قدوم رجال الأعمال الفرنسيين إلى المغرب. خاصة وأن العديد من المشاريع التجارية والمالية كانت في الواقع مجرد تمويه لإخفاء مناورات سياسية يقودها مستثمرون فرنسيون من أجل إضعاف المخزن وتسهيل عملية الهيمنة الفرنسية ويرى محمد عابد الجابري \"بأن الأجنبي كان يغطي أطماعه الاستعمارية تارة بالضغط على المخزن من أجل القيام بإصلاحات \"عصرية \" الضرورية لإقرار الأمن (أمن التجارة الأوروبية داخل المغرب) وتارة بتحريض بعض الطرقيين ورؤساء العصبيات من قطاع الطرق ضد المخزن خيارا ضد قوى التحرير الوطنية الشعبية حينا آخر\"5 ولعل تكريس هذا البعد البرغماتي من خلال مجموعات صناعية ومالية فرنسية التي كانت تجني مند عقود أرباحا متزايدة من المغرب هذا التكالب برز جليا بعد سنة 1900عند تدفق عدد كبير من الرساميل الفرنسية ومنح عدة امتيازات للشركات الفرنسية الأمر الذي جعل منها بمثابة ورقة ضغط تستغلها فرنسا لطرح المسألة الأمنية من جهة لتبرير تواجدها العسكري وجهة ثانية نجد بعض القوى الاقتصادية الفرنسية ترى في غزو المغرب صفقة مربحة, ولعل في ظل هذا الوضع المتردي والمشحون بالمناورات سنجد أن فرنسا طفقت في تجنيد كل الوسائل من أجل إزاحة منافسيها وذلك إثر مجموعة من المفاوضات السرية المبنية أساسا على المقايضة والمساومة تبلور هذا المعطى في النجاح الباهر للآلة الدبلوماسية الفرنسية تجلى انطلاقا منذ سنة 1902 بعدما حصلت فرنسا عن انسحاب إيطاليا مقابل الاعتراف بنفوذ هذه الأخيرة على ليبيا غير أن النجاح الباهر هو المتمثل في الاتفاق الودي المبرم بين فرنسا وبريطانيا سنة 1904, تم بموجبه السماح لهذه الأخيرة ببسط هيمنتها على مصر مقابل مساندة التدخل الفرنسي والأسباني وإخضاع طنجة للنظام الدولي. في حين لم تستجب هذه الاتفاقيات لمطالب ألمانيا الأمر الذي حدا بغليوم الثاني لزيارة طنجة في مارس 1905 متحديا الأوفاق المبرمة في تصريحه التاريخي: \" إنني أقوم اليوم بهذه الزيارة لسلطان المغرب، الملك المستقل وأمل أن يبقى المغرب تحت حكمه مفتوحا أمام التنافس السلمي بين جميع الأمم دون اقتطاع من ترابه ولا ميز بل على أساس المساواة المطلقة. \"6 وقد تأزمت العلاقات بين ألمانيا وبعض الدول الغربية وأصبحت قضية المغرب مشكلا دوليا فكان مؤتمر الجزيرة الخضراء في 16 يناير 1906 الذي طالب به السلطان المغربي لتفادي السيطرة الفرنسية، إلا أن نتائج هذا المؤتمر كانت معاكسة لآمال المغرب وألمانيا حيث سجلت النهاية الفعلية لاستقلال المغرب مما زاد من تفاقم الأزمة الفرنسية التي خولت بمقتضاها ألمانيا لفرنسا حرية التصرف بالمغرب مقابل الحصول على جزء من الكونغو.

بعد هذا كله تمكنت فرنسا من فرض معاهدة الحماية على المغرب التي وقعها عبد الحفيظ 30 مارس 1912 \"توصلت فرنسا إلى هذه المعاهدة بعد إبعاد كل خصومها من المغرب باستثناء اسبانيا التي توصلت معها إلى اتفاق سري سنة 1904 أصبحت بنوده سارية المفعول بعد توقيع معاهدة الحماية وتحدد المعاهدة مناطق النفوذ الأسباني في قسمين أولهما في الشمال يمتد من منتصف ملوية على البحر المتوسط إلى الخط الذي يمتد بين حوض نهر اتاوون ويتجه نحو الشمال إلى اللوكوس عن الطريق بوشتة بساحل المحيط, أما الجزء الثاني فيقع في جنوب المغرب إضافة إلى احتلال وادي الذهب في إتفاق بينهما سنة 1900 وحدود مناطق الاحتلال الأسباني فيه تمتد على الخط المحادي لوادي درعة إلى ماسة في المادتين 4و5 من الاتفاقية التي على أساسها تم تقسيم المغرب بين الدولتين الاستعماريتين. 8 بصفة عامة يمكن القول إن المغرب في القرن 19 وبداية القرن 20 كان ضعيفا على جميع المستويات الشيء الذي جعله في منأى عن الرد ايجابيا على التحدي الخارجي، وهذا لا يعني أن السلطة المركزية ظلت مكتوفة الأيادي أمام الأخطار المحدقة بالبلاد لقد كانت هناك محاولات إصلاحية لكنها غير كافية، بحيث نجد أن هذه الإصلاحات \"لم تكن مرفقة بأي تجديد في الفكر والثقافة، وبعبارة أخرى لقد كانت هذه الإصلاحات تفتقد المناخ الفكري الضروري لغرس جذورها في المجتمع وضمان نموها وتطورها\".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 2 )

اسباب احتلال فرنسا للمغرب

13:05:05 2023-12-31

اسباب احتلال فرنسا للمغرب

مقال غير صحيح

-

حنان

12:46:51 2020-09-16

هذا المقال فيه اخطاء كتيرة في الاحداث على سبيل المثال كتبتم ان فرنسا إحتلت الجزائر سنه 1930 كيف ذالك والجزائر مستعمره من فرنسا اكتر من قرن و30 عاما