الإبداع العلمي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء، في عباداتهم واعتقاداتهم وأخلاقهم، وفي علومهم ومعارفهم، حتى أن عدد الذين يقرؤون ويكتبون في قريش هم سبعة عشر رجلا، منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -.

وجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدد يكتبون، منهم: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فكان يكتب العربـية والعبريـة - رضي الله عنهم -.

وقد وجه الإسلام إلى الإبداع العلمي عن طريق مفاتحه، التي منها:

1ـ الدعوة إلى التعلم، قال - تعالى -: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)

2ـ رفع مكانة العلم والعلماء، قال - تعالى -: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)

ونتج عن هذا التشجيع وهذه العناية الإسلامية بالعلم أن اشتغل كثير من المسلمين بالعلم والتصنيف في سائر العلوم النافعة، وقاموا بتشييد المكتبات العلمية والمدارس، وإنشاء الوقف لها بما يمكنها من الاستمرارية دون تأثر بالتقلبات الاقتصادية أو التغيرات السياسية.

وبعد ما جاء الإسلام تفتقت تلك العقول وأبدعت في تفوقها، وتواصل هذا الإبداع في الأمة، فتولدت علوم ومعارف، ما كان لأحد قبلهم بها معرفة، ومن ذلك: علم أصول الفقه، الذي أول من صنف فيه الإمام الشافعي، وأول من صنف في الفقه الإمام مالك بن أنس، وأول من صنف في غريب القرآن الكريم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأول من عمل العَرُض هو الخليل بن أحمد، وأول من وضع الإعراب أبو الأسود الدؤلي، وأول من صنف في صنعة الشعر عبد الله بن المعتز.

ولقد برع المسلمون في العلوم التجريبية، وأسسوا قواعدها ونواتها، ففي مجال الصيدلة: هم أول من اخترع الكحول، والمستحلبات، والخلاصات العطرية، واستخدم الرازي لأول مرة الزئبق في تركيب المراهم، وهم أول من غلف حبات الأدوية المرة بغلاف من السكر، ليتمكن المريض من استساغة الدواء، وهم أول من غلف الأدوية المعمولة على شكل حبوب، كما برعوا وابتكروا تحضير وضع وتركيب الضمادات والمساحيق واللزوق، وقد وقفوا على صنع مراهم تجف مع الوقت، كشماعات أو غطاء للجروح الحديثة، ومن أشهر من برع في علم الأدوية عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكريم بن واقد، المتوفى سنة 467هـ 1074م.

وفي علم التشريح تم اكتشاف الدورة الدموية الصغرى (الدورة الدموية الرئوية) وكذلك الدورة الشريانية من قبل ابن النفيس، واكتشفوا عدد الأغشية القلبية، ووضيفتها، واتجاه فتحاتها لمرور الدم، وبرعوا في تشريح العيون وجراحتها، واكتشفوا أن العضلات المحركة للمقل ست عضلات، وبينوا أن العين آلة للبصر وليست با صرة.

وفي علم الرياضيات هم أول من أسس (اللوغارتمات) فلقد ولد ونشأ وترعرع علم اللوغارتمات في البلاد الإسلامية، الذي يرجع في تكوينه لجهود سلسلة من الابتكارات على يد عدد من علماء الرياضيات، مثل: سنان بن الفتح الحراني، وابن يونس الصدفي المصري، وأبو الحسن على النسوي، وابن حمزة المغربي.

فهذه الشواهد تعطي دلالات عميقة بأن الإسلام فتق عن تلك العقول الصامته لتبدع في جميع المجالات العلمية، بعد أن كانت لا تحسن القراءة والكتابة، مما يؤكد عمق التربية الإسلامية واستيعابها لكل ما يخدم الإنسان والبشرية جمعا، وأنها نور يحرك الأفئدة نحو العطاء، مما يؤكد أن الدور التربوي يقع اليوم على المؤسسات التربوية لتغرس ذلك في الأجيال، بما يشعرها بماضيها المضيء، وعلى أكتافهم يرتقي البحث العلمي في ميادينه المختلفة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply