وفاة الخميني مرشد الثورة الإيرانية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

29 شوال 1409هـ الموافق له 3 يونية 1989م:

قائد الثورة الإيرانية، ومنشئ الحكومة الإسلامية الشيعية التي أسقطت حكم الشاه، وصاحب نظرية ولاية الفقيه، ورائد الفكر الشيعي الثوري، ومحيي آمالهم، آية الله الخوميني أو الخميني، اسمه بالكامل روح الله بن مصطفى موسوي، ولد في 29 جمادى الأولى سنة 1318هـ 24 سبتمبر 1900م بقرية «خمين» بإيران، وكان أبوه من علماء الشيعة، وقد قتل على يد أحد الإقطاعيين والخوميني عمره سنة واحدة، فتكفلت أمه برعايته هو وأخيه الأصغر «باسند»، ودفعت بهما لطريق العلم الشيعي، ولما توفيت أمه وهو في الثامنة عشرة انتقل هو وأخوه للإقامة قريباً من مدينة «قم» الشهيرة، والتحق بالحوزة العلمية للشيخ عبد الكريم حيارى، وتدرج معه في العلوم الشيعية وتخصص في الفلسفة والمنطقº مما أعطاه مهارة فائقة في المحاورة والإقناع.

لقد كان الخوميني فقيراً رقيق الحال، يعيش حياة الكفاف، ينام في المساجد لأنه لا يملك مسكناً مما جعل عوده يشتد ويصلب، ويحتمل شظف العيش وخشونة الحال، حتى أنه لم ينم طوال حياته على فراش، ولزم حياة الزهد والتقشف، فأحبه الناس خاصة المتدينين، يعتبر أول ظهور للخوميني على ساحة الأحداث مبكراً في صدر شبابه عندما أصدر طاغية إيران الشاه رضا بهلوي قراراً بإلغاء الحجاب «النقاب» في إيران، وأمر الشرطة الإيرانية بنزعه من على وجوه النساء، فثار علماء الشيعة فأسكتهم الطاغية، ما عدا الخوميني وكان في السابعة والعشرين من عمره فذهب الشاه إليه بنفسه وأخذ في ضربه بيده ضرباً شديداً حتى أسكته، ولفترة طويلة انصرف خلالها الخوميني للتدرج في طلب العلم، حتى وصل لأعلى درجة علمية عند الشيعة وهي آية الله.

في هذه الفترة كانت إيران ترزح تحت حكم الشاه رضا بهلوي ثم ولده محمد، ورغم أن هذه الأسرة شيعية إلا إنها كانت علمانية موالية للغرب خاصة أمريكا وإنجلترا، غارقة في الفساد والانحراف، مما جعل الجبهة الداخلية في إيران في حالة احتقان كبير يزداد يوماً بعد يوم بسبب أخبار فسق وفجور الأسرة الحاكمة، ثم جاءت سياسة القمع العنيفة التي اتبعها الشاه مع المعارضين مع اتهام المعارضين له بالمروق عن الدين، واتباع المذهب الزرادشتي لتزيد الوضع احتقاناً، واتفق المعارضون للشاه على اختلاف توجهاتهم على العمل ضده، وكان آية الله الكاشاني هو أول من حرّك مشاعر الناس نحو الثورة، وتحالف مع الدكتور مصدق زعيم المعارضة الوطنية، ثم ما لبث أن زال أثر الكاشاني، وبرز نجم الخوميني الذي أسس الاتحاد الإسلامي، وأخذ في تزعم المعارضة الشعبية للشاه، وأصدر فتوى ببطلان كل قرارات الشاه والمجلس الشعبي، وقام الخوميني بتوجيه زمام المعارضة الشعبية ناحية الصبغة الإسلامية (الشيعية).

حاول الشاه إخضاع ثورة علماء الشيعة وعلى رأسهم الخوميني فأصدر قراراً بأخذ بعض أملاك الحوزة الدينية، فثار الخوميني وألقى خطباً ملتهبة أشعلت الأوضاع داخل إيران، ووقعت مصادمات عنيفة راح ضحيتها الآلاف وذلك سنة 1384هـ، وبعدها تم نفي الخوميني والذي انتقل من بلد لآخر، فذهب أولاً إلى تركيا، فلم يمكث فيها أكثر من عام، ثم اتجه إلى العراق وأقام بالنجف «الكوفة سابقاً» من سنة 1385هـ - 1965م، ومن هناك قاد الخوميني الثورة والمعارضة من خلال شرائط الخطب والدروس التي كانت تؤجج مشاعر الناس، وقد نجح الخوميني في استغلال الظروف والحوادث لصالح ثورته، وقد وقعت حادثة رفعت أسهم الخوميني وذلك عندما قام جهاز المخابرات الإيراني «السافاك» باغتيال مصطفى النجل الأكبر للخوميني، فتعاطف الملايين مع الخوميني، وذلك سنة 1397هـ لدرجة أن مئات الآلاف حاولوا عبور الحدود للعراق من أجل تعزية الخوميني.

ومع تنامي قوة وشعبية الخوميني قرر العراق طرده، ورفضت الكويت استقباله، فتوجه إلى فرنسا حيث استقر في ضاحية قريبة من باريس، وقد صارت مركزاً لدعوته وثورته، واستقبال الوفود وتنظيم اللقاءات، والصدامات تزداد يوماً بعد يوم بين الشعب الذي غلب عليه النزعة الدينية والشرطة الإيرانية، وامتدت المظاهرات والمصادمات بطول إيران وعرضها، وشعرت أمريكا وإنجلترا بقرب زوال حكم الشاهº فأخذت في تسليط الأضواء على الخوميني، حتى أصبح الخوميني هو الحاكم الفعلي لإيران، حتى أنه قد استطاع تحييد الجيش الإيراني والذي يقدر بـ440 ألف مقاتل بالتركيز على «عقدة الشهيد» عند الشيعة الجعفرية.

توج الخوميني ثورته بالعودة لإيران سنة 1399هـ، ودخل طهران دخول الفاتحين، وفر الشاه من البلاد، وقد استقبل الخوميني في المطار ستة ملايين إيراني، وكان في الثمانين من العمر وقتها، وأعلن وقتها قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه لن يرشح نفسه لرياسة الجمهورية، بل سيظل مرشداً للثورة، والمرجعية الشيعية الأولى لشيعة العالم، ولكنه في نفس الوقت جعل في إدارة دفة الحكم رجالاً من أخلص أعوانه ينفذون سياساته وأفكاره.

أخذ الخوميني في تطبيق مبدأ ولاية الفقيه، وأظهر تعصبه الشديد للتشيع، وأعلن أن أهل السنة ما هم إلا أقلية ليس لهم أن يشتركوا في السلطة على الرغم من أن نسبتهم 30% من إجمالي السكان، كما أظهر الخوميني عن عزمه على نشر مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية للدول المجاورة، وذلك بتشجيع الأقليات الشيعية الموجودة بدول الخليج، وتبنى مواقف متشددة تجاه أمريكا وإسرائيل، وتشجيع الجهاد الفلسطيني، وإصدار فتاوى ضد الملاحدة أمثال سلمان رشدي.

كان الخوميني شخصية استبدادية لا يسمح بظهور أي رجل بجواره، فاصطدم مع بني صدر رئيس الجمهورية وعزله، وآية الله منتظري خليفته وعزله، وكان الخوميني يرى في نفسه العصمة على اعتبار أنه نائب الإمام المعصوم الغائب، ولقد تعرض لعدة محاولات للاغتيال ولكنه نجا منها جميعاً حتى أتاه قدره المعلوم في 29 شوال 1409هـ.

وقد ألف الخوميني كتابه الشهير الذي وضع فيه خلاصة أفكاره «ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية» سنة 1389هـ أثناء إقامته بالعراق، وهذا الكتاب هو دستور الثورة الإسلامية في إيران، ودستور الحكم أيضاً حتى وقتنا الحاضر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply