قيمة التاريخ ( 3- 7 ) الخصائص الإنسانية للحضارة الإسلامية


  

بسم الله الرحمن الرحيم

والآن..نريد أن نمضي إلى متابعة البعد الحضاري لتاريخنا، أو بعبارة أدق: البحث عن الخصائص الإنسانية لهذه الحضارة، تلك الخصائص التي نسجها هذا الدين والتي تمنح المبرّر والدافع لاستعادة المحاولة من أجل أن تنهض حضارة الإسلام كرّة أخرى ما دامت تحمل هذا القدر من الخصب والعطاء في تعاملها مع الإنسان.إن هذه الاستعادة، إذا أردنا الحق، تصبح، فضلاً عن كونها ضرورة عقدية، ضرورة إنسانية للمشروع الحضاري البديل الذي يصوغه الإسلاميون اليوم، لاسيما ونحن نرى الإنسان في المدنية المادية المعاصرة يكاد يختنق ويضيع، وهو يتلّقى يوماً بعد يوم ضغوطاً ودفوعاً تبعد به أكثر فأكثر عن إنسانيته.. تنزاح به بعيداً عن سويّته، فيشعر في لحظات الوعي أنه بأمس الحاجة إلى استعادة وضعه البشري.. إن التاريخ المعاصر هو تاريخ تفوّق التكنولوجيا الغربية.. تفوّق الخدمات والتخطيط والنظم المادية، لكنه زمن هزيمة الإنسان وانحساره وتضاؤله، إزاء نفسه وإزاء مجتمعه وإزاء الله.. وإن طلائع الفكر الغربي طالما تحدثوا عن هذا، وليس ثمة متّسع للوقوف عند أقوالهم واستنتاجاتهم، ويكفي أن نشير إلى بعض الأسماء:

أرنولد توينبي، مارسيل بوازار، كولن ولسون، برناردشو، اشبنكلو، اريك فريم، سيجريد هونكه، لورا فاكليري، دوبو، ليوبولد فايس، روجيه جارودي، موريس بوكاي.. ثم.. المفكرون الأكثر حداثة: سيشير، ارنالديز، جامبي، نائير.. وغيرهم(1).

فأين هي الآن على سبيل المثال فتوحات هانيبال وسنحاريب وقمبيز والإسكندر المقدوني ويوليوس قيصر واتيلا وجنكيز خان وهولاكو؟ وأين هو توسّع نابليون بونابرت وهتلر وموسوليني؟ أين هي الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس؟ وأين هي مستعمرات فرنسا وراياتها الممتدة على قارات الدنيا؟ وأين هي ممتلكات إسبانيا والبرتغال؟ ثم أين هو الاتحاد السوفييتي الذي كان يحلم تحت مظلة قوانين الحركة التاريخية وحتمياتها بحكم العالم؟ لقد تآكلت كلها وتعرضت طال الوقت أم قصر للتفتّت والانكماش والغياب، والذي يبقى هو الفتح الذي نفّذه هذا الدين لأنه كان ينطوي على كلمة الله في لعالم، ويستهدف تحرير الإنسان من كل صيغ الطاغوت والصنمية والاستلاب.

هنالك ظاهرة التعامل مع \"الآخر\" التي تمثل الوجه الآخر لمسألة الفتح والتي سنخصص للوقوف عندها ما تبقى، لأنها تمس القضايا الأكثر أهمية في اللحظات الراهنة فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد أو الموحّد، وإشكالية حقوق الإنسان، ولكن ليس قبل أن نمضي للتأشير على بعض الملامح والمعطيات الأخرى للبعد الإنساني في تاريخنا الحضاري.

هنالك ما يمكن تسميته بالأممية الإسلامية التي شهدها هذا التاريخ. لقد منحت كل الشعوب والجماعات التي انضوت تحت مظلة هذا الدين فرصتها في الحياة والتحقّق والتعبير عن الذات.. لقد كانت فرصة مفتوحة بمعنى الكلمة سمحت حتى للعبيد والمماليك أن يواصلوا الصعود إلى فوق ويشكلوا دولاً، بل إنها مضت لكي تمنح غير المسلمين في بلاد الإسلام حقهم المشروع في المجالين المدني والديني على السواء، فليس ثمة يهودي أو مسيحي أو مجوسي أو بوذي أو صابئي لم يجد الطريق مفتوحاً أمامه للتعبير عن ذاته وقدراته ولممارسة حرياته الدينية ولأخذ موضعه المناسب في نسيج الحياة الاجتماعية أو دوائر الحكم والمال.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply